دولي

ثلاثة مفارق للوحدة الوطنية الفلسطينية

القلم الفلسطيني

المفرق الأول الذي يتوجب أن يحتشد فيه كل الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم يتعلق بحياة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. الأسرى الفلسطينيون يناشدون كل الشعب الفلسطيني للالتفاف حول مطالبهم العادلة، ومناصرة قضاياهم، وهم يخوضون معارك الشرف ضد الممارسات الإسرائيلية القمعية، فحياة الأسرى أمانة في أعناق الشعب، ومن المعيب بحق شعب يناضل في سبيل حريته ويقاتل ضد أعدائه الصهاينة، من المعيب أن ينقسم حول قضية أبنائه الأسرى، الذين حملوا أوجاع الوطن، وهم يتعرضون لهجمة منظمة ومنهجية من قبل دولة الاحتلال، التي تمارس عدوانية رهيبة تمثلت في تركيب أجهزة تشويش خطيرة ومسرطنة داخل السجن، أجهزة خبيثة تمنع التقاط موجات الراديو والتلفاز، وتسبب الصداع للأسرى.

لقد أكد الأسرى رفضهم لسياسة القتل البطيء، ورفعوا شعارهم الوطني القائل: "إن كان لا بد من الموت، فمن العار أن تموت جباناً"، وهذه رسالة تحدٍّ لا سند لهم فيها، ولا ظهر إلا إرادة الأسرى الوثابة أولاً، ومساندة شعبهم لهم في معركتهم ثانياً، ولا مساندة دون تلاقي الكل الوطني على دعم الأسرى، والالتفاف من حول مطالبهم العادلة.

المفرق الثاني يتعلق بالقدس التي يطبق عليها الأعداء مؤامرتهم، وهم ينظمون الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى، وعلى كل المستويات الرسمية والدينية، مع تعمد الاعتداء المتواصل على المسلمين العاشقين لحجارة القدس، والمتعبدين بين جنبات الأقصى، فالقدس ليست مدينة عادية، ولا هي شوارع وحجارة وموقع جغرافي، القدس تاريخ عبادات، وحضارة أمة، وحاضر شعب يغيب إن غابت، ويحضر على خارطة الواقع إن حضرت بالفعل اليومي الرافض للتهويد والتشويه، وهذا ما تحقق في الأيام الماضية، حين نجح الفلسطينيون مجتمعين في فتح باب الرحمة للمصلين بعد 16 عاماً من إغلاقه، ليشكل هذا الفتح لبوابة الرحمة حافزاً للفلسطينيين لمواصلة مشوار التصدي جماعة، والوقوف في وجه تهويد القدس صفاً واحداً، والسجود فوق صخورها كتفاً بكتف، وعطاء خالصاً لوجه الله والوطن.

المفرق الثالث يتعلق بصفقة القرن، وما طرحه جارود كوشنير عن تطبيق الحلول الواقعية، وذلك يعني تجاهل القدس، وبقاء المستوطنات، وتبادل أراضٍ يهدف إلى تصفية قضية اللاجئين ضمن الحل الإقليمي، الذي سيسمح لـ"إسرائيل" بالاندماج في المنطقة.

صفقة القرن هذه لا تواجه بالشعارات، ولا بالنداءات ولا بالشجب والاستنكار وتصريحات الرفض والترقب والانتظار، صفقة القرن تستوجب تظافر كل الفلسطينيين، ومن خلفهم كل الشعوب العربية والمسلمين، وهذا لا يتحقق دون توافق الكل الفلسطيني على برنامج عمل وطني، يربك المشهد الآمن، ويخربش صفحات صفقة القرن، توافق بين إرادة غزة الشامخة وحضور الضفة الراسخ، توافق بين حماس وفتح والجهاد والشعبية وكل القوى والتنظيمات السياسية، على برنامج عمل إلزامي، لا يتضمن العقوبات، ولا يعتمد التجاهل، برنامج عمل يستنهض كل الطاقات والقدرات، ويرسل رسائله الوحدوية إلى كل المتآمرين على قضية فلسطين، ودون ذلك، فكل مدعٍ بأنه سيواجه صفقة القرن منفرداً فقد ضلّ، وكل مدعٍ بأنه قادر لوحده، وبمنطقه السياسي على تعديل أو تغيير مسار صفقة القرن فإنه واهمٌ، صفقة القرن تتكسر على صخرة الوحدة الوطنية، وما دون ذلك فإنها نافذة كالسهم المسموم من خلال تصدع صخرة الوحدة وتشققها وتفتتها.

ملاحظة: جن جنون الإسرائيليين من الصورة التي نشرها مكتب نتنياهو، ويظهر فيها رئيس الأركان السابق بني غانتس، ومن خلفه مقبرة لعشرات الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في الحرب الأخيرة على غزة، الحرب التي قادها بني غانتس نفسه، وخرج جيشهم منها مهزوماً مدحوراً.

لو سألت أي إنسانٍ عن أبجديات وعناصر السعادة التي يسعى لتحقيقها وامتلاكها، فمن المؤكد أن الإجابات ستكون مختلفة وفقا لاختلاف الأمزجة والرؤى، لكن لا أظن أن أحدًا ينكر أن امتلاك البيت هو عامل مهم من عوامل تحقيق السعادة.

فالبيت هو من أهم أبجديات الحياة السعيدة، حيث يأوي الإنسان إليه حين يجن الظلام، يحميه من برد الشتاء وحرارة الصيف، وفيه يمارس ما لذ وطاب له من طقوس حياته بعيداً عن ضوضاء الحياة، يعيش مع نفسه وأسرته، ويستقبل فيه ضيوفه، وما حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) إلا دليلٌ قويٌ على أن البيت هو عامل مهم من عوامل السعادة، لذا ترى الإنسان يدخر من ماله حتى يبني بيتاً له ويكوّن أسرة، وقد يستهلك ذلك منه المال الكثير والوقت الكثير حتى ينعم برؤية بيت جميل يكمل فيه حياته.

لكن تصور وأنت تستعد للسكن في بيتك الجديد، أو اقتربت من ذلك، وإذ بأمرٍ يأتيك من قضاءٍ ظالمٍ بضرورة هدم بيتك بحجج لا أساس لها من الصحة، أقلها حقارة "أنك تبني بدون حصول على رخصة بناء"، ويتم منحك خيارين أحلاهما مر، وهو (إما أن نهدم بيتك بأدواتنا وتدفع أنت تكلفة الهدم، أو تهدم بيتك بنفسك وترتاح أنت من دفع تكاليف الهدم)، فماذا عساك أن تفعل؟

هنا يقفز السؤال من العقل أو ما تبقى في الإنسان من عقل، أيحدث هنا، وأين، وكيف، ولماذا، ومن يفعله؟

من أراد إجابة الأسئلة السابقة فليوجه وجهه شطر فلسطين خاصة في الضفة والقدس، حيث يسعى الاحتلال الصهيوني دوماً إلى خلق حالة من التوتر في نفوس الشعب الفلسطيني، فيمنعه من ممارسه حقه على أرضه، ويمنعه من التمتع بما لذ طاب من خيرات بلاده متسلحاً بالقوة العسكرية، ومستنداً على نوم العالم في سرير القوى الظالمة التي تساند الاحتلال.

فبحسب التقارير الصادرة عن الجهات المختصة، فإنه منذ العام 2006 وحتى 31/1/2019 هدم الاحتلال ما لا يقل عن 1,405 وحدة سكنية تابعة لفلسطينيين في الضفة الغربية، لا يشمل "القدس الشرقية"، حيث فقد ما لا يقل عن6,213 فلسطينيا من ضمنهم 3,138 قاصرا بيوتهم جراء الهدم.

وفي التجمعات غير المعترف بها من الاحتلال، ومعظمها يتهدّد سكّانَها خطر الترحيل، يواصل الاحتلال هدم منازل السكّان مرّة تِلوَ المرّة، فمنذ العام 2006 وحتى 31/1/2019 هدم الاحتلال في هذه التجمّعات أكثر من مرّة منازل سكن فيها 1,020 فلسطينيّا بينهم 489 قاصرا.

علاوة على ذلك، منذ بداية عام 2016 حتى 31/1/2019، هدمت الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال في الضفة دون القدس 636 مبنىً، بما في ذلك جدران وآبار مياه وشوارع ومخازن وأبنية زراعية ومصالح تجارية ومبانٍ عامّة وغيرها.

إن المتأمل في أفعال الهدم التي يمارسها الاحتلال بحق أهل الأرض الأصليين يتضح له أنها ليست عشوائية، وليس بحجة عدم امتلاك صاحب البيت رخصة بناء، بل هي سياسة حكومية ممنهجة، فالهدم أكبر من عملية إزالة حجارة عن الأرض، بل هو عملية تهدف إلى تغيير معالم الجغرافية، وخلق وقائع جديدة على الأرض تعقد الحياة للمواطن الفلسطيني.سيبقى الهدم مستمراً طالما أن العرب الرسميين يرون في قاتل الأطفال حمامة سلام، ويبقى علينا الإجابة عن أن تهدم بيتك بيديك يعني أن ستموت قبل أن تموت.

فايز أبو شمالة

 

من نفس القسم دولي