دولي
حكومة فلسطينية في ظل الانقسام
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 11 فيفري 2019
طرح قرار حركة فتح قبل أيام تشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أسئلة مشروعة بشأن مستقبل منظمة التحرير والنظام السياسي الفلسطيني، خصوصا في ظل استمرار الانقسام بين حركتي فتح وحماس؛ وبين الضفة الغربية وقطاع غزة، ورفض غالبية الفصائل المشاركة في الحكومة المقترحة، حيث باتت الأبواب مشرّعة لترسيخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بأيدٍ فلسطينية هذه المرّة.
وكان توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير (أوسلو)، في 13 سبتمبر/ أيلول 1993 قد شكّل تحوّلاً نوعياً في الحالة السياسية الفلسطينية، وتمت صياغة النظام السياسي من جديد، والتعبير عنه بإنشاء السلطة الفلسطينية في ربيع 1994، لتصبح حركة فتح حزب السلطة، بعد أن كانت منذ 1969 حزب الثورة الفلسطينية خارج فلسطين، الأمر الذي أدّى إلى كسر قاعدة التمثيل السياسي الشامل الذي تمتعت به منظمة التحرير، حيث اعتُبرت منذ 1974 الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.في مقابل ذلك، اعتبرت السلطة الفلسطينية من أهم معالم اتفاقات أوسلو التي رفضتها حركة حماس وقوى فلسطينية أخرى، فضلاً عن أنها سلطةٌ ناجزة في الضفة والقطاع، تسعى إلى تحسين ظروف المجتمع الفلسطيني في المجالات كافة، وصولاً إلى إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ في المناطق الفلسطينية المحتلة في يونيو/ حزيران 1967.
يمكن الجزم بأنه لا جدوى سياسية من تشكيل حكومة فلسطينية من فصائل منظمة التحرير، نظراً إلى عدم وجود إجماعٍ وطنيٍّ حولها، وحالة الانقسام المكرّسة عملياً على الأرض في الضفة والقطاع، فمن باب أوْلى عقد مصالحة فلسطينية حقيقية، والاتفاق على استراتيجية كفاحية سياسية لمواجهة التحدّيات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وخصوصا "صفقة القرن"، والسياسات الإسرائيلية التهويدية، ومن ثم العمل على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإعادة هيكلة منظمة التحرير، وفق أولوياتٍ تمليها المصلحة الوطنية، بعد فشل الأجندات الضيقة للأحزاب والفصائل الفلسطينية.والثابت أن الشعب الفلسطيني عانى، منذ صيف عام 2007، من تداعيات الانقسام الحاد بين القوى والفصائل المختلفة، وخصوصا بين حركتي فتح وحماس. وعلى الرغم من الحديث المتكرّر عن إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني المرير، فإن المتابع بات على يقينٍ من وجود معوقاتٍ أساسيةٍ تحول دون ترسيخ مصالحة حقيقية، ومنها الضغوط الخارجية، وغياب القوة الصامتة القادرة على ضمان الاتفاق، ومحاولة أصحاب المصالح والامتيازات التي تولدت بفعل تداعيات الانقسام الإبقاء على الجغرافيا السياسية المستحدثة في كل من الضفة وغزة، فضلاً عن المصالح الضيقة التي فرضتها التحولات في المشهد العربي، وانسداد أفق المفاوضات مع "إسرائيل".
والثابت أن قرار تشكيل حكومة فصائل هو عملية تكيّف، وإدارة أزمة لحالة الانقسام الذي امتد اثنتي عشرة سنة (2007-2019)، في وقتٍ يتطلب فيه الظرف السياسي الوحدة الوطنية، لمواجهة التحدّيات المحدقة بالقضية الفلسطينية بتفاصيلها المختلفة. فمن جهةٍ أصدرت "إسرائيل"، خلال السنوات المذكورة، حزمةً من القرارات التي من شأنها الإطباق على مدينة القدس، وتعزّز التوجه الإسرائيلي بعد نقل السفارة الأميركية الى القدس في مايو/ أيار 2018.ويبدو المشهد السياسي الفلسطيني رمادياً مع استمرار حالة الانقسام الحقيقي على الأرض، وعدم وجود إرادةٍ سياسيةٍ صادقةٍ لإنهائه. وبات من الضروري تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة للفصائل، خصوصاً في ظل انكشاف صورة "إسرائيل" العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة والقطاع، أو إزاء الأقلية العربية داخل "الخط الأخضر".
ولا يمكن أن تكتمل دائرة المصالحة الحقيقية، وتفعيل دور منظمة التحرير وضخ دماء جديدة فيها، من دون مشاركة واسعة من الأغلبية الصامتة من الفلسطينيين في الداخل والشتات، والمقصود هنا بالقوة الصامتة، الفعاليات السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميون.وبذلك يمكن الحديث عن إمكان القيام بدور فعّال لمنظمة التحرير وأطرها المختلفة، لجهة حماية المشروع الوطني، ورسم مستقبل الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الثابتة. وقد يكون ذلك بمثابة جدارٍ متينٍ في مواجهة الرؤى والتصورات الأميركية - الإسرائيلية، التي تسعى إلى الانقضاض على الحقوق الوطنية الفلسطينية.
يخدم الإبقاء على حالة الانقسام الفلسطيني الموقف الأميركي والإسرائيلي، الرافض أساساً اتفاق المصالحة الذي جاء على خلفية هواجس عديدة، في مقدمها أنه سيكون طوق نجاةٍ للحد من الضغوط الإسرائيلية والأميركية على الفلسطينيين، ويرفع، في الوقت نفسه، من سقف الخطاب السياسي الفلسطيني، بعد مفاوضاتٍ عبثيةٍ امتدت أكثر من عقدين، بحيث يكون من السهولة بمكان المطالبة بتفكيك معالم الاحتلال، ومنها المستوطنات، عوضاً عن تجميدها، وكذلك تمكن المطالبة بتطبيق قراراتٍ دوليةٍ صادرة، ومنها القرارات المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين، والسيادة على المياه الفلسطينية التي تسيطر عليها "إسرائيل"، واعتبار المستوطنات غير شرعية، وتطبيق القرارات الدولية القاضية بعودة اللاجئين إلى ديارهم، خصوصاً بعد أن أصبحت فلسطين عضواً في منظماتٍ عديدةٍ تابعة للأمم المتحدة.
لا تتطلب التحديات الجمّة التي تواجه القضية الوطنية الفلسطينية تشكيل حكومة فصائل، لترسيخ حالة الانقسام، إنما الإسراع لعقد مصالحة فلسطينية حقيقية، تتعدّى الاحتفالات الشكلية، بحيث يشارك فيها الكل الفلسطيني، لإنهاء حالة الانقسام الحاصل من دون رجعة، نزولاً عند مطالبات الشعب الفلسطيني، عوضاً عن البحث عن تطوّر كيانين في قطاع غزة والضفة الغربية، بمسمياتٍ كئيبة. إذ تعزّز الوحدة الوطنية من صمود الشعب الفلسطيني، وتساعد على الاعتراف بفلسطين دولةً في مزيد من المؤسسات الدولية، وهذا أضعف الإيمان، والوقت بالنسبة للفلسطيني من دم، والتاريخ لا يرحم.
المشهد متكرر ومؤلم نهاية كل شهر، وأنت ترى المئات من الموظفين تقطع رواتبهم، وينهار بعضهم أمام صدمة الموقف، ويزداد العدد بالآلاف كل شهر، دون أن يرمش جفن للمجرم الذي في وزارة المالية في رام الله، وهو ذاته يخضع كالعبيد لصاحب القرار في المقاطعة.هذا جزء من الأزمات التي تتكرر كل شهر، يضاف لها الكثير من القرارات والمشكلات الناجمة عن حصار قطاع غزة، وفي النهاية تتحول هذه الأزمات والمشكلات إلى مشكلات مجتمعية تتسبب في استغلال البعض لها وإيقاع مزيد من التعقيدات على المشهد.
وهنا الحديث عن مشكلات ترتبط بدور الجهات الحكومة في مواجهة تدوير الأزمات الذي تقوم به الجهات التي تحاصر قطاع غزة، كما الحال في معبر رفح وسحب الموظفين التابعين لرام الله منه، وتعقيدات السفر، وكذلك مثل أزمة الأدوية ونقصها في المستشفيات، أو الاستيراد والتصدير عبر معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه الحكومة في رام الله، وتقوم بتحصيل الضرائب من خلاله، أو فرض ضرائب أو تعليات إضافية على السلع.
نبيل السهلي