دولي

في تذكّر غزة

القلم الفلسطيني

جاءت كلمة رئيس حكومة دولة فلسطين، رامي الحمدالله، في القمة العربية الاقتصادية، أمس في بيروت، على حزمةٍ من القضايا والمسائل (والتحدّيات) التي تتعلق بأوضاع الفلسطينيين في وطنهم، وفي مواجهة ممارسات الاحتلال في غير شأن.

كما أنها جاءت، أيضا، على سياساتٍ ماليةٍ "رشيدة"، اتخذتها الحكومة لتخفيض العجز وتعظيم الإيرادات المالية.

وللحق، يُغبط الحمدالله على الإحاطة الوافية التي اشتملت عليها كلمته في غير شأن، ومن ذلك مثلا أنه أفضى بعظيم الشكر للمملكة العربية السعودية على دورها الريادي (!) في رئاسة القمة السابقة.

ولكنّ تفصيلا ثانويا أغفل رامي الحمدلله التأشير إليه، ربما لأن أمرَه غيرُ ملح، وليست هناك حاجةٌ موجبةٌ للتذكير به، ولا لزوم لتصديع رؤوس المستمعين به. يتعلق هذا التفصيل بالأوضاع المعيشية والإنسانية التعيسة في قطاع غزة. 

ربما آثر رئيس الحكومة الفلسطينية أن يؤكّد وحدة فلسطين وأهلها، وإنْ للقدس خصوصيّتها، وقد مرّ شخصُه الكريم عليها، فلا شيء يجعل للقطاع شأنا خاصا، فيما هو أحد جناحي الوطن ليس إلا. 

وعلى الرغم من هذا، فإن الحمدالله جاء على قطاع غزة في كلمته، لمّا أفاد بأن ثمّة استحقاقا وطنيا داخليا، باقياً أمام الفلسطينيين، وهو تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، لتمكين الحكومة من القيام بمسؤولياتها كاملةً في قطاع غزة "ونجدة شعبنا فيه". 

ما أغفله الحمدالله، أمام الجمع العربي في بيروت، هو ما أعلنه اتحاد العمال في قطاع غزة، الخميس الماضي، إن معدلات الفقر في القطاع في العام 2018 فاقت 80%، ما يعدّ، بحسب الاتحاد، "مؤشّرا خطيرا". 

وإن نسبة البطالة بين العمال نحو 55%، حيث فاقت أعداد العاطلين في العام المنصرف 295 ألف عامل. 

وكانت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار قد أفادت بأن البطالة في أوساط الشباب في القطاع 62%، وبأن معدل الدخل اليومي للفرد دولاران، إنْ وجد، وهو "الأسوأ عالميا".

ومن الحماقة ربما أن يعوّل واحدُنا على القمة الاقتصادية العربية من أجل إنقاذ الغزّيين الذين يُغالبون حصارا إسرائيليا معلنا، وعقوباتٍ من رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، وتضييقا مصريا في معبر رفح مستمرا، ليس فقط لأنها قمة من لزوم ما يلزم، بالنظر إلى حاجة خمسة بلدانٍ عربيةٍ إلى "إعادة إعمار"، وإنما أيضا لأن حسّ المسؤولية العالية، الأخلاقية والسياسية، البديهية والطبيعية، تجاه أهل غزة، شحيحٌ لدى فلسطينيين كثيرين، في السلطة في رام الله، وفي سلطة الأمر الواقع ممثلةً بحركة حماس، وغيرهما.

وهذه خمسة مستشفياتٍ في قطاع غزة يُعلَن أنها قد تتوقف عن تقديم خدماتها إذا لم تتزوّد بالوقود الكافي في ظروف شحّ الكهرباء المريع، في أجواء البرد القاسي. 

ولا يحمل واحدُنا السلّمَ بالعرض لو فعلها وسأل عن "الجهات المعنيّة"، من تكون، والتي تَوجَّه إليها نداءٌ أخيرٌ من هذه المستشفيات، وهي "جهاتٌ" طالبها بتدخلٍ عاجل، وبالخروج عن "الصمت المطبق".

 وسؤالٌ مماثلٌ عمّن هم بالضبط أصحاب الضمائر الحية، وقد توجّه إليها النداء، سيما بعد توقف "الخدمات الحيوية" في مستشفىً في بيت حانون فعليا، جرّاء أزمة الوقود الأكثر حدّةً منذ صار الحصار قبل أزيد من 12 عاما. وقد تحدّث أطباء في هذه المستشفيات عن "كارثةٍ" قد تقع إذا لم تتم الاستجابة العاجلة للنداء. 

هذا مقطعٌ جديدٌ قديمٌ في جريمة الحرب المستمرة في قطاع غزة، والتي تتنوّع تفاصيلُها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، موصولٌ بالضرورة بأن 45 طفلا فلسطينيا من القطاع هم من بين 57 طفلا فلسطينيا قتلهم المحتل الإسرائيلي في العام الذي انقضى في كل فلسطين، وقد استشهدوا في اعتداءاته على مسيرات العودة وكسر الحصار التي يُترك فيها الغزّيون لتقديم الشهداء والجرحى (كم أعدادهما بالضبط؟)، من دون اكتراثٍ بأمرهم، منذ مارس/ آذار الماضي. 

وفي كل هذه الغضون، أي في أثناء محنةٍ شديدة القسوة على الفلسطينيين في قطاع غزة، يأتيكَ من يخرّفون بكلامٍ تنقصه الأخلاق بشأن المنحة المالية التي خصصتها دولة قطر لموظفين محرومين من رواتبهم، مدة ستة أشهر، وينشغل أصحاب الخراريف هؤلاء بكيفيات دخول هذه المنحة، وبما يختلقون لها من أغراض، أما الناس الذين تُسعفهم هذه الرواتب فلا يستحقّ عيشُهم أيَّ انتباه.

معن البياري

 

من نفس القسم دولي