الوطن

التسرب المدرسي يصل إلى مراكز التكوين المهني وتوريط بن غبريت في القضية

توجيهات بعيدة عن طموح المتربصين وغياب الداخليات زاد الطين بلة

بن زينة: وزارة التربية ترفض التنسيق لتوجيه أمثل لنصف مليون راسب سنويا

 

رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها القائمين على معاهد التكوين المهني بتوفير أزيد من 400 ألف مقعد بيداغوجي سنويا لامتصاص التسرب المدرسي الآتي من قطاع التربية الوطنية، وتوفير تخصصات جديدة تعدت 440 تخصص، إلا أن سيناريو وعدوى التسريبات لحقت هذا النوع من التعليم بالجزائر لأسباب، من أبرزها عدم توافق بين التخصصات التي يوجه إليها التلاميذ والطلبة مع قدراتهم ومستوياتهم، ما يجعل مصير الآلاف من التلاميذ الشارع، وهو ما أكدته إحصائيات ووزارة المالية التي أفادت بأن 37 بالمائة من التلاميذ المتراوح سنهم بين 15 و19 سنة غير متمدرسين، والأخطر من ذلك أن 30 بالمائة من التلاميذ بين 6 و15 سنة في تعداد المحرومين من الدراسة.

في إطار إصلاح المنظومة الوطنية للتربية والتكوين في الجزائر، جاء التعليم المهني سنة 2002 لتنويع وإثراء الفضاء التربوي الجزائري، وذلك قصد استقطاب ما يقارب 30 إلى 40 بالمائة من تعداد التلاميذ الناجحين للطور ما بعد الإجباري. وتم إعداد برامج التعليم التكنولوجي والمهني وفق المقاربة بالكفاءات، وتقدم في شكل مراجع.

ويتضمن ميدان التعليم المهني حجما ساعيا أسبوعيا يقدر بـ 20 ساعة، أي ما يمثل 60 بالمائة من الحجم الساعي الإجمالي المدرس في مؤسسات التعليم للتربية الوطنية، حيث تم تكييفه مع خصوصيات التعليم المهني ليجد التلميذ نفسه مع نفس المواد التي كان يدرسها في السابق في إطار تسع مواد، على غرار الرياضات، العلوم الفيزيائية، الإعلام الآلي، اللغة العربية والتاريخ واللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية والحياة الاجتماعية والمهنية والتربية البدنية والرياضية.

وخلافا للتعليم بقطاع التربية، يضمن مسار التعليم المهني فترات تكوين في الوسط المهني تتراوح بين 6 و8 أسابيع في السنة حسب كل اختصاص، وتنظم هذه الفترات بالتناوب بين مؤسسة التعليم المهني والمؤسسة المستقبلة حيث يجري التلميذ التكوين التطبيقي.

ووفق المعلومات المقدمة لنا من قبل وزارة التكوين المهني، فإنه لم يشهد التعليم المهني منذ نشأته سنة 2002 إقبالا كبيرا من طرف التلاميذ وأوليائهم، ولهذه الأسباب وضع القطاع سنة 2017 هندسة جديدة لشهادات هذا المسار، وذلك عوضا عن الشهادات المعمول بها منذ سنة 2008 قصد جعله أكثر جابية وإدراجه تدريجيا ضمن الفضاء الوطني التربوي.

وتقدر طاقة الاستيعاب لكل معهد مهني بألف "1000" منصب بيداغوجي و300 سرير للداخلية، وهذا من أجل استقبال تلاميذ الولايات والمناطق التي لا تتوفر على معاهد التعليم المهني بسبب غياب النسيج الاقتصادي الملائم أو اختيار التلاميذ تخصصا لا يتوفر عليه معهد مقر إقامتهم. ويجمع كل معهد ثلاثة تخصصات من نفسة الشعبة المهنية، وذلك حسب النسيج الاقتصادي المتواجد فيه.

ورغم توفير القطاع تخصصات عدة، على غرار التخصصات المتعلقة بالفندقة، السياحة، الصناعات التقليدية وتخصصات البناء والأشغال العمومية، وتخصصات الفلاحة والصناعات الغذائية، وإنشاء الوزارة مراكز الامتياز التي تضع المؤسسة الاقتصادية في جوهر تنظيمها وتسييرها، بحيث تختار هذه الأخيرة البرامج البيداغوجية، والعتاد التقني البيداغوجي وأيضا تستفيد في الأخير من اليد العاملة التي تم تكوينها، إلا أن القطاع يعرف تسربا مدرسيا من التلاميذ، حيث يهجرون مقاعد تكوينهم.

 

اتحادية "السناباب" تقدم الحلول المناسبة للقضاء على التسرب

 

وفي هذا الإطار، قال رئيس الاتحادية الوطنية لقطاع التكوين والتعليم المهنيين المنضوية تحت لواء الـ"السناباب"، السيد بوغدة، إن أهم أسباب التسرب الذي يطال قطاع التكوين المهني هو عدم توجيه المتربصين حسب رغباتهم وقدراتهم الحقيقية. ولهذا، حسب المتحدث، يجب إعادة هيكلة سياسة التوجيه المهني الحالي، بحيث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار القدرات الحقيقية للمترشحين قبل إلحاقهم بالمناصب التكوينية للقضاء على التسرب وجودة التكوين.

كما اقترح بوغدة تغيير نظرة المجتمع للقطاع على أنه ملجأ للفاشلين، وتحسين ورسكلة المؤطرين وتوفير هياكل وعتاد عصري للتكوين، وتشجيع التمهين كنمط ناجح لاستجابته لمتطلبات سوق الشغل، وتقريب المتربص من الوسط المهني، مع أهمية إعادة تحيين خريطة التكوين حسب خصوصية المناطق.

ويرى المتحدث أن التكوين والتعليم المهنيين في الجزائر عرف عدة تطورات، لمواكبة وكذا الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل، وكذا توفير يد عاملة متكونة ومتحكمة في المهارات والتقدم التكنولوجي. ومن أجل كل هذا، عملت الوزارة على التكيف مع هذه التحديات وذلك بتحيين مدونة الشعب والاختصاصات، متبوعة ببرامج تكوين ملائمة، وتوفير هياكل ومعدات متطورة وبناء العديد من المراكز والمعاهد المتخصصة. وتضم المدونة الجديدة 23 فرعا و478 اختصاص بزيادة 51 اختصاصا جديدا مقارنة بمدونة 2012.

وأضاف أن للتكوين المهني عدة أنماط، منها التكوين الإقامي الحضوري، التكوين المهني عن طريق التمهين والتكوين المهني للدروس المسائية، بالإضافة لمسار التعليم المهني الذي عرف استحداث شهادات جديدة، هي شهادة تقني في التعليم المهني من المستوى الرابع، وشهادة تقني سام في التعليم المهني من المستوى الخامس، وهذا عن طريق المرسوم الوزاري المشترك، وكذا دراسة مستقبلا استحداث شهادة تعليم مهني من المستوى السادس تعادل شهادة ليسانس.

بالإضافة إلى كل هذا، توجد آليات للتكوين التأهيلي، كالمرأة الماكثة في البيت أو عن طريق التعاقد مع الشركات، تكوين حسب الطلب لتكوين إطارات الموارد البشرية في اختصاصات عديدة تتوج بشهادات تأهيلية.

 

مراكز تتعامل مع كبريات الشركات العلمية ومشاكل عدة تعرقل

 

وأضاف أنه يسعى حاليا القطاع للتكوين النوعي باستحداث مراكز الامتيازl centres d'excellence باتفاقيات مع شركات عالمية مثل شنايدر ولبار وكوسيدار لتكوين يد عاملة ذات مستوى عال، علما أن الشهادات المتوجة لمسارات التكوين المهني هي شهادة الكفاء المهنية وشهادة التحكم المهني، شهادة تقني وتقني سام، وكذا شهادة التأهيل.

كما أنه تتجه سياسة القطاع، حسب مصادرنا، لتشجيع التكوين عن طريق التمهين، أي في الوسط المهني لتقريب المتربص من عالم الشغل وإمكانية حصوله على منصب عمل في نهاية التربص، أو تكون له الأولوية.

أما بخصوص حاملي الشهادات الجامعية أو ذوي المستوى الجامعي، فقد بدأوا يقبلون على التكوين المهني، على اعتبار أنه بعد تخرجهم فإن قطاع التكوين يوفر لهم تكوينا تطبيقيا أكثر منه نظريا، وكذا لثراء مدونة الشعب والاختصاصات وتنوعها استجابة لسوق الشغل.

ومن جهته، أكد رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، السيد بن زينة على أنه رغم كل الإمكانيات المتوفرة، إلا أن الخلل موجود، مؤكدا أن الخلل تتحمله وزارة التربية الوطنية التي لا تريد التنسيق مع وزارة التكوين المهني لوضع حد لكارثة التسرب المدرسي الذي يطال القطاعين.

واعتبر بن زينة، في تصريح لنا، أن الإشكالية المطروحة والتي هي سبب رئيس في ارتفاع معدلات التسرب، هو كيفية توجيه التلاميذ الراسبين من قطاع التربية إلى قطاع التكوين المهني، حيث أنه رغم وجوده في القانون إلا أن تطبيقه في الميدان منعدم.

وأوضح المتحدث أنه من المفروض أن التوجيه يكون أساسا من قطاع التربية الوطنية، غير أن عرقلتها لذلك حال دون توجيه جيد للآلاف من المتسربين والمطرودين من المدارس، قبل أن يجدوا أنفسهم مرة أخرى ضحية تسرب آخر في قطاع التربية، عندما يحالون إلى هذا النوع من التكوين.

وشدد بن زينة أن دور قطاع التربية الوطنية مهم لضمان استمرارية تعليم كامل للتلاميذ الفاشلين في المدارس مهمها كانت الأطوار، موضحا أنه لابد من تطبيق القوانين ومتابعة رغبات التلميذ وهو لا يزال في مؤسسته التعليمية، من خلال مجالس التوجيه ليختار وجهته الحقيقية ومهنته التي يريد أن يتكون فيها.

وتأسف ممثل أولياء التلاميذ للتوجيهات العشوائية المفروضة على المتمدرسين، على اعتبار أن هناك تخصصات تتطلب مستوى معينا، مثلا تلاميذ السنة الرابعة متوسط من أجل التكوين في النجارة، في حين يوجد تلميذ ذو مستوى سنة أولى متوسط وله ميول لهذه المهنة ويقصى من دون مبرر، وبالتالي، على الجهات الوصية، حسبه، التركيز على قدرات ورغبات التلاميذ.

وشدد في ذات الإطار على أهمية عدم احتقار فئة على حساب أخرى في عملية التوجيه، على اعتبار أن القدرات تختلف، ومهما بلغ سن التلميذ أو مستواه يمكن أن يحدث مفاجأة في تكوين حرم من التوجيه إليه.

كما اعتبر المتحدث أن غياب الداخليات أو نقصها سبب آخر للتسرب المدرسي بقطاع التكوين المهني، حيث رغم توفر المؤسسات العمومية والاقتصادية، إلا أن عراقيل التوجيه إلى أماكن بعيدة، في ظل غياب النقل والسكن، يجبر التلميذ على التخلي عن التكوين، مؤكدا أن الداخليات التي توفرها الدولة غير كافية، فمثلا بولاية البليدة يوفر القطاع مركز تكوين مهنيا بداخلية على مستوى بوڤرة متخصصا في الفلاحة، ويأتيها التلاميذ من كل القطر الجزائري وحتى من دول مجاورة مثل مالي، إلا أنها تبقى غير كافية، مؤكدا بذلك أن هناك مراكز يأتيها متربصون حتى من السودان، إلا أن المراكز العادية المتواجدة في مناطق دون أخرى والتي توفر مهن الدهان والبناء والميكانيكي والكهربائي والمحاسبة والخياطة قد لا تتناسب مع التلاميذ الذين يجدون صعوبة في الانضمام إلى التخصص الذي يرغبونه بدافع البعد أو النقل أو السكن، في ظل أن وزارة التربية الوطنية لا تريد التنسيق مع وزارة التكوين المهني والذي اعترف به الوزير السابق لقطاع التكوين المهني، نور الدين بدوي، للمنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ في إطار لقاء خاص سنة 2015، حيث شدد على أن وزارة التربية هي التي تعرقل العملية.

 

وزارة التربية تنتج 250 ألف مجرم سنويا بسبب سوء توجيههم

 

وحذر بن زينة وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريت، من خطورة تجاهل عواقب التسرب المدرسي، وحملها مسؤولية انخراطهم في قضايا إجرامية والتي تؤكدها، حسبه، حتى وزارة العدالة، على اعتبار أن مختلف الجرائم يكون أصحابها مراهقين متخلين عن الدراسة.

وبلغة الأرقام، تحدث ممثل أولياء التلاميذ أنه في الموسم الدراسي السابق، 2017-2018، تسرب من قطاع التربية الوطنية 550 ألف تلميذ من مختلف الأطوار، من راسبين في البكالوريا و"البيام"، ومختلف السنوات التعليمية الأخرى،، مشيرا أن قطاع التكوين المهني يستوعب حتى 200 ألف تلميذ، ومن بين 35 ألف تلميذ الذين تبقوا فإن وزارة التربية أعادت 50 ألف تلميذ إلى الدراسة بعد قبول إعادتهم السنة، فيما استطاع أولياء حوالي 50 ألف تلميذ إدماج أبنائهم في مؤسسات اقتصادية خاصة ومدارس خاصة، أو إدماجهم في أعمال الشغل الحر الخاص بهم، في حين يتوجه 250 ألف تلميذ إلى الشارع ويقعون في أحضان الجريمة والمخدرات، بدليل الأرقام التي تصدر عن وزارة العدل التي تؤكد أن غالبية الجرائم يتورط فيها المراهقون.

وقال بن زينة إنه على وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريت، أن تعي حجم الخطورة التي يسببها قطاع التربية الوطنية بسبب فشلها في وضع حد للتسرب المدرسي، في ظل غياب استراتيجية وطنية من أجل إعادة إنقاذهم عبر مختلف القطاعات الأخرى، على رأسها قطاع التكوين المهني، محذرا إياها من إنتاج قطاعها وصناعة مجرمين في مختلف جوانب الحياة، مجرمين بالملاعب، بقضايا القتل والتعدي والسرقة، والتورط في المخدرات وغيرها.

عثماني مريم

 

من نفس القسم الوطن