الحدث

2018 عام المبادرات والإقالات وسجن الألوية

مع استمرار الضبابية وانتشار الفساد وتسابق الأحزاب

عرفت سنة 2018 أحداثا سياسية كثيرة، فكانت سنة الضبابية في المشهد السياسي وسنة المبادرات السياسية من مختلف القوى السياسية، كما كانت سنة الانسداد والتمكين لسياسة الأمر الواقع، من خلال تجاوز الدستور والقوانين، كما كان عام المؤتمرات الحزبية وتغيير بعض الأمناء العامين وخاصة للأفلان، كما كان عام الفضائح العابرة للقارات على غرار فضيحة الكوكايين. ولم تسلم المؤسسة العسكرية في هذه السنة من التغييرات، وصلت لحد وضع خمسة ألوية في السجن بتهم الفساد.

شغلت صحة الرئيس السياسيين في هذا العام قبل سنة عن الانتخابات بسبب ارتباط رئاسيات 2019 بعامل صحة الرئيس، التي اعتبرت المحدد الرئيس في خيارات النظام الذي لم يستطع تحضير بديل بوجود الرئيس، إلا أن هذا لم يمنع الحراك السياسي الذي قادته أحزاب الموالاة في المطالبة والمناشدة من البعض والإقرار والحسم في القرار عند البعض الآخر، على أن الرئيس بوتفليقة هو المرشح لهذه الأطراف. وتعددت المبادرات التي استهدفت التعبئة والتجنيد لخيارات السلطة وسد الطريق أمام أي جهات أخرى للاستثمار في إيجاد بدائل ممكنة وواقعية وتنافسية. 

وارتكزت مبادرات أحزاب السلطة التي تصدرها الأفلان على التعبئة العددية أمام إعراض ورفض أحزاب المعارضة، بل حتى الموالاة، الانخراط في أي مبادرة حزبية ما لم تعتمد رسميا. ومن هذه المبادرات "الجبهة الشعبية القوية "التي جمعت أحزابا سياسية أغلبها غير ممثلة في البرلمان، ثم انتقلت المبادرات إلى تجميع القوى المؤثرة في الاقتصاد، من خلال اللقاء مع اتحاد العمال والأفسيو، بعد أن أمضي عقد عام مع الحكومة، ما زاد من حجم الضبابية في المشهد العام وبين لغط كبير وتأويلات بوجود صراع بين مكونات السلطة، والذي لم ينته بين أويحيى وولد عباس، وهي من أهم مشاهد سنة 2018. وكثرت في هذا العام التسريبات بإقالة الحكومة، وكان واضحا عدم رضا محيط الرئيس بأحمد أويحيى الذي استمر في جمع النقاط داخليا وخارجيا، وزاد طموحه في اعتلاء منصب كرسي المرادية أمام قلة المنافسين من جهة، وكون هذه الفرصة ربما الأخيرة في مساره السياسي. وبالمقابل، كانت الأطراف الأخرى تعمل على التقليل من قيمته والتخفيف من حجمه، ووصل الحد لنزع مصداقيته الشعبية إلى درجة دفعه للتصريح والدفاع عن قرارات تعمل الرئاسة فيما بعد على إلغائها، على غرار الضريبة على الوثائق البيومترية وتصريحات وزير العدل واتهامه بأنه هو من أمر بسجن الإطارات في التسعينات، وتذكيره بمواقفه غير الشعبية مرات، وكل هذا من بعض الوزراء في حكومته.

كما عرف هذا العام ترسيم التحالف الرئاسي عبر استمرار التنسيق بين الأحزاب الأربعة المشكلة له، واجتماعاتها المتكررة في مقر الحكومة، كرد فعل للتقريب بين هذه الأحزاب أمام الغياب المستمر للرئيس، واغتنام فرصة استمرار تباين مواقف أحزاب المعارضة التي لم تتمكن من تجديد نشاطها، بعد الاختلاف في موقفها تجاه الانتخابات البرلمانية. ولم يمنع أن تترس أغلب الأحزاب بمباراتها المعلنة، على غرار طلائع الحريات وحركة البناء الوطني وحمس. وكانت هذه المبادرات كلها تصب في التحذير من تبعات الأزمة التي تمر بها البلاد، في حين تشبثت أحزاب السلطة بعدم وجود أزمة وذن المنجزات المحققة كبيرة، دفعت بحزب الأفلان إلى وضع برنامج لإحصاء هذه المنجزات على مستوى جميع المحافظات.

كما كانت 2018 سنة الأزمة القانونية غير المسبوقة في تاريخ الجزائر، من خلال عملية سحب الثقة من رئيس البرلمان وما صاحبها من ممارسات، على غرار غلق المجلس الشعبي الوطني بالسلاسل وتجاوز نواب الأغلبية القانون والنظام الداخلي، واختاروا رئيسا جديدا للبرلمان، وهو ما مثل قمة تجاوز الدستور والقانون. واستمر هذا التجاوز بعدم عرض الوزير الأول للسياسة العامة للحكومة أمام البرلمان، وهو أمر مخالف أيضا للدستور.

كانت 2018 سنة المؤتمرات للأحزاب السياسية، على غرار حمس والنهضة وحزب العمال والأرسيدي وجبهة القوى الاشتراكية وحركة البناء الوطني وتاج، ولم تشهد هذه المؤتمرات أي مفاجأة، كما أن العام شهد تصدعات حزبية، وربما كان الأكبر في حركة النهضة التي امتنع بعض إطاراتها عن المشاركة في مؤتمرها الأخير.

أما في مجال حقوق الإنسان والحريات، فقد عرف العام حراك المدونين والمواقع الإلكترونية الذين أصبحوا أكثر تأثيرا من الجرائد الورقية، ما دفع إلى سجن بعضهم ومتابعة البعض الآخر. وأصبحت بعض هذه المواقع أدوات صراع الأجنحة، وما زالت معركة الملفات وخاصة الفساد متبادلة بين مختلف هذه التيارات المتناحرة، والتي لا يبدو أنها ستتوقف حتى الرسو على خيار جماعة جدية أو غلبة الجماعة الحالية وحسم ملف الرئاسيات بشكل نهائي.

كما عرف العام إقالات لمسؤولين، وكان الأكبر فيها إقالة المدير العام للأمن الوطني، اللواء الهامل عبد الغني، التي تزامنت مع الفضيحة الكبرى المتمثلة في حجز أكثر من سبعة قناطر من الكوكايين، وتصارعت أجنحة السلطة فيما بينها، ما دفع اللواء الهامل للإدلاء بتصريحات نارية، مفادها أن من يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفا، ودافع عن نفسه وعائلته وهدد بتسليم ملفات للعدالة حول الملف. كل هذا دفع بأصحاب القرار إلى إقالته يوما بعد التصريحات. وكانت الفضيحة أيضا جرت مسؤولين عسكريين على غرار اللواء بوجمعة بودواور، مدير المالية في وزارة الدفاع الوطني، كما جرت القضية مسؤولين بمن فيهم من سلك القضاء، وما زالت القضية تراوح مكانها في القضاء من خلال استمرار التحقيقات.

الإقالات مست أيضا أمين عام الأفلان بطريقة مفاجئة. وأكدت سنة 2018 استمرار الأزمة في الأفلان وتعطيل مؤسساته، مثل عدم انعقاد اللجنة المركزية خلال السنة وتغيير المكتب السياسي وتعيين آخر دون الرجوع إلى أعلى هيئة بين مؤتمرين، كما تنص عليه وثائق الحزب، واستعمل اسم الرئيس في كل ما حدث فيه، وكان آخرها إقالة ولد عباس بطريقة مهينة، وتعيين قيادة جديدة يرأسها رئيس البرلمان الحالي معاذ بوشارب دون أن يتوفر فيه شرط عضوية اللجنة المركزية. وأعلنت الهيئة المشرفة الجديدة حل جميع هيئات الحزب، في انتظار التحضير لمؤتمر جامع.

وعرف هذا العام تغييرات كبرى في المؤسسة العسكرية، حيث غير قادة النواحي العسكرية بعد استقرار تجاوز العشر سنوات، ومس التغيير أيضا بعض المؤسسات الأمنية، على غرار مؤسسة أمن الجيش. ولم تتوقف هذه التغيرات عند هذا الحد، بل كان الحدث الذكبر هو وضع خمسة ألوية السجن بتهمة الفساد، وهي سابقة لم تستمر كثيرا وأعيد إطلاق سراحهم. وما زال الرأي العام ينتظر ما يمكن أن يصدر من أحكام أو شرح لأسباب القبض ثم إطلاق سراحهم.

 

من نفس القسم الحدث