الثقافي

حسن عامر.. جنوبيّ يهذي بالقطارات

هوسه بالمسافات التي تفصل بينه وبين العاصمة حاضر دائماً في نصوصه

في مجموعته الشعرية الجديدة، "هكذا أُطْلعُكم عليّ" (دار هيباتيا) لم يشغل هاجس الشكل الشعري الذي يؤرق كثيراً من الشعراء، الحيز الأكبر في تجربة الشاعر المصري حسن عامر، بقدر ما شغله الإمساك بجوهر الشعر، عمودياً كان أو تفعيلة أو قصيدة نثر.

تشترك قصائد عامر في كون ثيمة المعاناة رئيسية فيها. يمكن التقاط ملامح هذه المعاناة ابتداءً من مقولة "كازانتزاكيس" التي التي تتصدر المجموعة: "أنا القروي أقفز على المسرح، وأتدخّل في مسيرة العالم". مقولة تشكّل مفتاحاً لقراءة العمل، الذي تتراوح جغرافيا قصائده بين القرية والعاصمة والثورة، وتمتزج فيه معاناة الشاعر الشخصية بمعاناة قرى صعيد مصر، التي تحضر بتفاصيلها وحكاياتها وأساطيرها، وبسكّانها الذين يرى عامر أنهم صوفيون بالفطرة:

هوس الشاعر بفكرة المسافات التي تفصل بينه وبين العاصمة حاضر دائم في نصوصه. هوسٌ يجعله يعتقد بأن حبيبته هجرته بسبب المسافة، ويفسّر الحضور اللافت للقطارات التي تحرق هذه المسافة: "أهذي كالمجذوبين/ أتحدث كثيراً عن القطارات/ هل رأيتِ قبل ذلك ولداً وحيداً يخبئ كل قطارات الجنوب في صدره/ كنت ممدداً هناك أتسوّل ذاكرة فارغة وتذكرة قطار إلى عينيكِ".

ومثل معظم الجنوبيين المفتونين بالعاصمة، قبل تجربة الحياة فيها والاصطدام بواقعها المغاير لتصوّراتهم، يجد عامر كل شيء مختلفاً في القاهرة، ويُفاجأ بـ"ناسها الذين ينفقون نصف أعمارهم في وسائل المواصلات".

لكن الثورة المصرية، والأحداث التي مهّدت لها، تبقى الموضوع الأهم الذي تقاربه قصائد مجموعته. ففي إحداها، نقرأ: "لست شريراً لأحدثكم عن البلاد التي تلقي بأبنائها أمام الجوامع وعلى حافة المصارف ليلتقطهم العابرون/ أو أحدثكم عن القرارات المطبوخة والشعوب المصابة بالتخمة/ عن الحكام الذين ينامون على بطونهم والمخبرين الذين ينامون تحت وسائدنا/ عن دروس المواطنة وحصص تكميم القلوب".

ومثلما يدون الشاعر أحلامه بـ"بيت صغير/ وحبيبةٌ قلبُها بحجم الكرة الأرضية"، يحلم أيضاً بوطن يسع الجميع، من دون إهمال الأحداث التي تشهدها مصر حالياً: "كلما أطلقتم بنادقكم سنطوِّح وردة في الفضاء/ وكلما أسقطتم لنا شهيداً سنرفع قلوبنا على أسنّة الهتاف السلمي/ خذوا حذركم ففي قلوبنا حلمٌ مدبّب وأيامٌ نحشوها بطلقات قراراتكم السوداء".

قصائد عامر مكتوبة بلغة بسيطة، مخفَّفة من التكلّف والبلاغة والمجاز، وتكمن قوتها في نبرتها الصريحة وخطابها المباشَر، كما في قوله: "تنحّوا جانباً أيها الشعراء والبلاغيون/ أريد أن أكتب عن حبيبتي بلا مجازات/ لا يهمني إذا كنت أقلّد شاعراً آخر أو أصغي إلى صوتي الخاص".

 

من نفس القسم الثقافي