الثقافي
أنطولوجيا الشعر التركي: ناظم حكمت وإخوته
يلتحم الشعر التركي المعاصر بزمنه ويعكس تحوّلاته بدقة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 ديسمبر 2018
لعل الشعر هو الحكمة الوحيدة المتبقية في عالمٍ يفقد كل يوم قليلاً من إنسانيته. هذا ما يستنتجه الفنان الفرنسي جاك باس (1930) في مقدّمته للأنطولوجيا التي وضعها تحت عنوان "شعر تركي"، وصدرت حديثاً عن "دار جاك بير".
عملٌ يشكّل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الأنطولوجيات التي أنجزها الفنان بهدف تكريم شعراء من آفاقٍ جغرافية مختلفة نشطوا، وينشطون، في سبيل قضية عادلة ونبيلة؛ تعزيز الأخوّة بين البشر.
تسمح الأنطولوجيا الجديدة، التي تعاون باس فيها مع مجموعة من المترجمين، وأنجز بنفسه رسماً لكل شاعر موجود فيها، بقراءة وتأمّل أبرز وجوه الشعر التركي، منذ تأسيس الجمهورية عام 1923 حتى اليوم.
ولأن المرحلة التي يغطّيها تمتد 91 عاماً، نجد في هذا العمل قصيدة أو قصيدتين لـ91 شاعراً يمثّلون مسارات وكتابات وبصمات مختلفة داخل المشهد الشعري التركي، ويتجاورون من دون أي ترتيب زمني، ما يضع الروّاد أو الأسماء الكبيرة إلى جانب شعراء مجهولين أو ما يزالون في بداية مسارهم. هكذا، يخرج الشعر التركي من الأطر التقليدية المعتمدة في أنطولوجياته المتوافرة، ويُمنح القارئ إمكانية المقارنة واستخلاص التأثيرات أو الخصوصيات اللغوية لكل شاعر.ولفهم الشعر التركي الحديث والمعاصر الذي يقدّمه هذا العمل، لا بد من وقفة سريعة عند مصادره التاريخية الثلاثة، ونقصد الشعر الشعبي الذي تعود جذوره إلى القرن الثالث عشر، وشعر "الديوان" أو "الباب العالي" الذي ظهر مع تأسيس السلطنة العثمانية (1299)، إضافةً إلى الشعر الفرنسي. حتى القرن التاسع عشر، لا نعثر على أنواع أدبية تركية أخرى غير الشعر والحكايات.
ومثل الحكايات، يندرج الشعر الشعبي ضمن تقليد شفاهي ما زال حيّاً حتى اليوم، وسمّي شعراؤه بالـ "العاشقين"، لتنقّلهم من قرية إلى أخرى وإنشادهم قصائد حب بمواكبة آلة الساز الموسيقية. وبخلاف لغة شعر "الديوان" التي هي عبارة عن مزيج من التركية والعربية والفارسية، لا تفهمه سوى حفنة من المثقّفين؛ لا تزال لغة الشعر الشعبي القديمة مفهومة حتى اليوم. أما التأثيرات الفرنسية، فحصلت خلال القرن التاسع عشر، مع قدوم عدد من المثقفين الأتراك إلى فرنسا وانطلاق حركة ترجمة لأعمال شعرية وأدبية فرنسية تنتمي إلى المدارس الكلاسيكية والرومنطيقية والبرنسية والرمزية. مرحلةٌ بدأت اللغة العثمانية تتصفّى خلالها لصالح التركية، وبدأ الشعر التركي يتغيّر معها شكلاً ومضموناً.