الثقافي

أميرة الأدهم.. ليست نوبةَ غضب لتهدأ

تقدّم قصائد يُطوَّق فيها المكان

من عالمها الأقرب والأكثر انغلاقاً وحميمية، يبدأ شعر أميرة الأدهم. مجموعتها "تشبه الحياة"، الصادرة عن "دار ميريت"، تقدّم قصائد يُطوَّق فيها المكان، وينضغط بتفاصيله، بمناخه، هوائه وأصواته. فتفقد أشياؤه وظيفتها الأولى، "العملية"، وتستحيل مرتكزاتٍ لاستفزاز مجاز ما. قصيدتها تشترط تأهباً شعرياً دائماً؛ أي أن الأدهم تختار التحرك في محيط قاس، نيء ومعقّم، لا مكان فيه إلا لحقائق وقواعد ومشاهدات لا تحتمل التباساً.

حين تسحب الطب مثلاً إلى قصيدتها، أو المشهد اليومي أو السياسي، فإنها تكشف لنا خاتمة "شعرية" لتربّص طويل بعالمها الشخصي أو المحيط العام، وبالتالي الخروج بعبارات تطوي بُعداً جمالياً آخر. فالشعر بالنسبة إليها هجين اليوميات وعلوم المختبر. ليس هناك من حدث مطلق أو "مُلهِم". وكل ما ترصده حواس الأدهم يصبح حجراً أبيض في موضوعة شعرية معقدة يتداخل فيها الانطباع النفسي بسوريالية مركَّبة بتأن.

تشكّل العلوم مرجعاً مهنياً وذاتياً لها، تبسط ظلالها في النص. إنها، إضافةً إلى المادة المتداولة اجتماعياً، بطانة تمتلئ بها اللغة أو تستعيرها. وهي أيضاً الميكانيزم الذي يحكم آلية الكتابة. فالقصيدة تبدو مكتوبة بحرص شديد، صورها متداركة بمجهر الشاعرة، ومختزلة بالمشرط.هي في النهاية نصوص مكثّفة كطبقات الجلد الواحد: "كسّرتُ المرآةَ/ غليان الصورة لا يقتلُ البكتيريا/ ومعها الترابيزة والأكواب/ هذه ليست نوبةَ غضب لتهدأَ/ أنا أبتسمُ لحلاوة الزجاجِ المنثورِ/ لا أحدَ يعرفُ القاتل/ المشرحةُ لا تشتكي الزيادة".

هذا التكسير المتعمد لأية انسيابية محتملة، أو تسلسل صوري أو حكائي، ينعكس في الكثير من قصائدها. فهي حريصة ليس على إظهار التكثيف في النص وحسب، وإنما صونه أيضاً عبر برهات أو نهايات مؤقتة تختطف القارئ وتستوقفه. كما لو أن الكيفية التي اشتُغِلَ بها النص تتمظهر أخيراً عبر القراءة.إذ ثمة ما يبوح في نصوصها بسوداوية تشبه أثاثاً قديماً وثقيلاً في القصيدة لا يمكن جرّه أو نقله، وإنما تغليفه. وبالتالي، فإن هذه السوداوية تبدو كقالب ثابت وفسيح في آن، حتى وإن تلوّن بشخصيات عامة (الأم مثلاً) أو رموز بصرية أو مسرحية معتادة. كما لو أن الشاعرة تحتفي بألم متواتر إلى حاضرها من طفولة أو كينونة أنثوية.

سُلطة التجريب لدى الأدهم هي ما يتيح لها التملص من شكل شعري موحّد في كتابها. فالقصائد لا تلتزم تصوّراً مسبقاً. بل إن تناسل الفكرة - التي يتداعى فيها كل موروث شخصي أو حتى سياسي - هو ما يحدّد شكل النص النهائي.

 

من نفس القسم الثقافي