الوطن

تقرير: قطاع التربية في أزمة خانقة وتصاعد مخيف للعنف في المدارس الجزائرية

فشل الإصلاحات، طرد آلاف التلاميذ سنويا والدروس الخصوصية أبرز سماته

أكثر من 400 ألف تلميذ يهجرون مقاعد الدراسة سنويا

 

رسمت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان صورة سوداوية حول واقع قطاع التربية في الجزائر، بعدما فشلت كل الإصلاحات التي تبناها الوزراء المتعاقبون في إخراج هذا القطاع الحساس من النفق المظلم الذي يتواجد فيه، وقالت أن قطاع التربية في الجزائر يشهد أزمة خانقة من عدة سنوات، بعد فشل كل محاولات الإصلاح في إخراجه من النفق الذي وصل إليه بسبب السياسات التعليمية المرتجلة والمتعاقبة.

أوضحت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تقرير لها بمناسبة يوم العلم المصادف لـ16 أفريل من كل سنة، صدر أمس، أنه على الرغم من أن الجزائر تحتل مراتب متقدمة بين الدول العربية من حيث إجمالي الإنفاق العام على قطاع التربية والتعليم، بميزانية تفوق 700 مليار دينار جزائري، إلا أنها تتواجد في مراتب متأخرة، مشيرة إلى التقرير الصادر عن منظمة "اليونسكو" لسنة 2017 الذي صنّف الجزائر في المرتبة 119 عالميا من بين 140 دولة عربية وأجنبية، من حيث جودة التعليم، في حين أن الدولتين المجاورتين تونس والمغرب قد صنفتا ضمن 100 دولة عالميا، بحيث حلت تونس في المرتبة 84، فيما تم تصنيف المغرب في المرتبة 100، فيما احتلت دولة قطر المرتبة الرابعة عالميا، فيما حلت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة العاشرة.

وتساءلت عن جدوى كل هذه المبادرات الإصلاحية إن كانت لا ترقى إلى مستوى الإصلاح الحقيقي البعيد عن الكلام الاستهلاكي الذي لا يفيد في شيء، مشيرة أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن 400 ألف طفل يهجرون المدرسة سنويا ولا يتجه منهم إلى التكوين المهني إلا 250 ألف أو أقل، حيث يشكل الانقطاع عن الدراسة في الجزائر أحد أهم الاختلالات الكبرى التي يعاني منها التعليم، ويرتفع نزيف التسرب المدرسي خصوصا في الأرياف لبعد المدارس وارتفاع نسب الفقر، مشيرة إلى أن ظاهرة الأطفال المتشردين تشهد تناميا رهيبا فاق 11000 حالة.

ورصد المكتب الوطني للرابطة في العديد من المناطق بولايات الوطن، أن القاعات الدراسية في بعض المدارس الابتدائية غير الصالحة وبعض المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة إما بشبكة الكهرباء أو المياه أو الغاز للتدفئة، أو لا توجد بها دورات مياه، وغياب الطب المدرسي بالمدارس …إلخ، بالإضافة إلى مسألة الاكتظاظ داخل الفصول، إذ يصل عدد التلاميذ داخل الفصول إلى حوالي 48 تلميذا، وهو الأمر الذي يزيد في فشل المنظومة التعليمية بالجزائر.

وانتقدت الهيئة ظاهرة اللجوء إلى الدروس الخصوصية وقالت إنها "أصبحت كسرطان ينهش المجتمع الجزائري بدون رحمة، حيث تسيطر هذه الظاهرة على الوضع التعليمي الحالي لضعف المدرسين داخل المدارس العمومية، وعدم أداء مهامهم بالشكل المناسب، ومساهمة البعض منهم في توجه العديد من التلاميذ نحو تلقي الدروس الخصوصية خارج أسوار المؤسسات التربوية، من خلال الشح في تقديم المعلومة الكافية داخل الأقسام، فيما يحظى التلميذ بالشرح المفصل والوافي للدروس الذي يمكنه من الاستيعاب الجيد ضمن الدروس الخصوصية، وهو ما يجعل التلاميذ غير القادرين على دفع تكاليف هذه الأخيرة يجدون صعوبات نظرا لعدم الاستيعاب الجيد داخل القسم وعدم قدرتهم على تلقي الدروس الخصوصية بسبب الأسعار الباهظة، ما يؤدي بهم للحصول على نتائج غير مرضية في الكثير من الأحيان".

وقالت الرابطة إنها رصدت في العديد من المناطق ظاهرة جمع أكثر من 100 تلميذ في مستودع لا يتوفر على شروط الدراسة، ويتكفل بهم أستاذ بأثمان غالية جدا، ما يجعل الأسر تضطر إلى إرغام أبنائها على الانقطاع عن الدراسة أو يغادر هو بنفسه بعد شعوره بالفشل، ما يجعله يلتحق بالعمل مبكرا. وفي هذا الصدد، دعا هؤلاء إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تكافؤ الفرص بين التلاميذ، من خلال السعي لإصدار قانون يجرم الدروس الخصوصية والذي من شأنه وضع حد لهذه الظاهرة، كما هو الأمر بالنسبة لتجريم الغش في الامتحانات الرسمية والمسابقات المهنية.

وأفادت الهيئة الحقوقية بأن "الجزائر لم تضع التعليم يوما ضمن رهاناتها ولا تتوفر على إرادة حقيقية لتجاوز أزمة التعليم، وغيرها من الأزمات التي تتخبط فيها الجزائر، في ظل غياب أي مبادرة عند الدولة الجزائرية للإصلاح والتغيير على مستوى المناهج والبرامج والبنيات التحتية التي تغيب فيها أي شروط صحية ونفسية وإنسانية لإنتاج تعليم في مستوى طفل القرن الجديد".

ووجهت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان رسالة لوزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريت، دعت من خلالها إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لضمان تكافؤ الفرص بين التلاميذ في مختلف الأطوار التعليمية الثلاثة، عن طريق تجريم الدروس الخصوصية في التعليم، مؤكدة أن هذا الإجراء من شأنه ضمان فرص التكافؤ بين أبناء الأغنياء وأبناء الفقراء على مستوى النتائج، ويضمن أيضا المساواة في تلقي المعلومة من طرف المعلمين والأساتذة.

وعرجت في تقريرها على ظاهرة العنف المدرسي وقالت إنها "تشهد تصاعدا مخيفا عبر المدارس الجزائرية، من خلال تسجيل عدد من حوادث الاعتداء على أساتذة وتلاميذ بالمدارس في مختلف أنحاء الوطن، ما دفع المكتب الوطني للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق إلى دق ناقوس الخطر لتشريح أسباب تصاعد هذه الآفة وأنجع السبل لمكافحتها، بعدما أصبحت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق ترصد في كل سنة أزيد من 160 حالة عنف متبادل بين الأساتذة والتلاميذ، منها ما يتعلق بضرب الأساتذة للتلاميذ، وأخرى تتعلق باعتداء التلاميذ على الأساتذة".

زيادة على ذلك، فإن المنظمة التربوية مطالبة، اليوم، بتوفير وضعية طبيعية تقوم على المنافسة، وتدفع المتمدرسين إلى العمل بشكل جيد، بدل الاعتماد على الاتكالية والعتبة، وعلى عقلية "النجاح المضمون دون القيام بأي مجهود فكري أثناء الدراسة".

وحملت معدي التقرير "وزارة التربية مسؤولية ما وصل إليه التعليم في بلدنا، لأنها لم تفتح المجال أمام المعنيين، بل تعمل دائما على إقصائهم، وبالتالي تحتكر وضع الإصلاحات بمفردها وتفرضها على الشعب، ما يجعل هذا الأخير يرفضها لعدم نجاعتها ولكونها تساهم في تخريب التعليم بالجزائر" على حد قولها.

عثماني مريم

 

من نفس القسم الوطن