الوطن

الحكومة تختزل العدالة الاجتماعية في دعم "الخبز والحليب"؟!

رغم أن المفهوم يتعلق بنظام "اقتصادي -اجتماعي" يزيل كل الفوارق بين طبقات المجتمع

لطالما رافع المسؤولون في الحكومات المتعاقبة على مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية للجزائريين كمفهوم مرتبط عند هؤلاء بالدعم الذي يعد الوسيلة لشراء السلم الاجتماعي، ورغم أن العدالة الاجتماعية أعمق من أن تتعلق بدعم الخبز والحليب، بل ترتبط أكثر بالتنمية البشرية للأفراد من كل النواحي، إلا أنه في الجزائر وبسبب الأزمة المالية الاقتصادية، فإنه حتى السلم الاجتماعي المضمون عن طريق هذا الدعم بات مهددا بسب الوضع الحالي والتدهور المعيشي الذي يعرفه معظم الجزائريين، وهو ما نسف أي مفاهيم للعادلة الاجتماعية عند الجزائري، سواء كانت بمفهومها الحقيقي أم بالمفهوم الذي يعرفه المسؤولون الجزائريون.

ويختلف تعريف العدالة الاجتماعية بين مفهومه الحقيقي الموجود في العالم وبين المفهوم الذي يسوق له المسؤولون الجزائريون، فأغلب السياسات في العالم تعرف العدالة الاجتماعية على أنها نظام اقتصادي واجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع. وتُفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية من خيرات البلاد لجميع الأفراد، غير أنه بالجزائر فإن تعريف العدالة الاجتماعية عند المسؤولين هو مواصلة تقديم الدعم المشروط، واستحداث آليات للتضامن الاجتماعي دائما ما تثبت فشلها على غرار قفة رمضان وعقود ما قبل التشغيل.

 

الدعم تكريس حقيقي للاعدالة!

 

والأخطر أنه حتى الدعم الذي تقدمة الدولة والذي جعل المسؤولين يتفاخرون بنسب التحويلات الاجتماعية يعد تكريسا حقيقيا للاعدالة الاجتماعية وليس العكس، كون هذا الدعم بات يذهب إلى الغني على حساب الفقير، ويستفيد منه أصحاب الشكارة والمنتجون والمصنعون على حساب المواطن البسيط الذي يستحقه، وملف الندرة في مادة الحليب المدعم والطوابير التي تتشكل للحصول على كيس الحليب بسبب تحويل هذه المادة لصالح مصانع مشتقات الحليب ولصالح أصحاب المقاهي خير مثال على ذلك.

 

الطبقة المتوسطة مهددة بالزوال والغنية تحافظ على بحبوحتها

 

ولعل من بين مظاهر اللاعدالة الاجتماعية التي توسعت أكثر منذ بداية الأزمة الاقتصادية، هو ما تعيشه الطبقة الفقيرة والمتوسطة من أوضاع اجتماعية واقتصادية متدهورة، في حين لا تزال الطبقة الغنية محافظة على مواردها ووضعها المريح وبحبوحتها المالية. ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن الوضع الاقتصادي الحالي والتدهور في القدرة الشرائية يهدد الطبقة المتوسطة بالزوال، لتذوب هذه الأخيرة مع الطبقة الفقيرة وتصبح في المجتمع الجزائري طبقتان، واحدة غنية وأخرى فقيرة، وهو ما يعد تكريسا للاعدالة اجتماعية.

 

التفاوت في سلم الأجور أشد صور غياب العدالة الاجتماعية في الجزائر

 

من جهة أخرى، يرى الخبراء أن توجه الحكومة في قوانين المالية السابقة لزيادة حجم التحويلات الاجتماعية لن يفيد في شيء، لأن هذه التحويلات أصبحت غير كافية لدعم الفرد الجزائري، وإنما الخيار الأنسب لدعم الفرد هو عن طريق دعم مباشر للأجور، التي تعد هي الأخرى صورة من صور غياب العدالة الاجتماعية في الجزائر.

فشبكة الأجور في الجزائر تحمل فوارق كبيرة، فزيادة على أن أجور الجزائريين تعد الأضعف بين الدول العربية، فإن هناك ثغرة كبيرة بين الأجور في القطاع الخاص والقطاع العام، وهناك فوارق خطيرة في سلم الأجور بين الوظائف، إلى درجة أن هناك عمالا ما زالوا يتقاضون 18 ألف دينار، في حين هناك مناصب يتقاضى فيها العامل 30 مليون سنتيم، وهو ما يمثل فرقا شاسعا لا يمكن تفسيره أو تعليله بالمستوى أو رتبة المنصب، وإنما بغياب العدالة الاجتماعية، بدليل أن الأجور تتغير في القطاعات حتى إذا تعلق الأمر بنفس الوظيفة، فأجر عون تنفيذ مثلا في القطاعات المرتبطة بالمحروقات يقدر بـ 68 ألف دينار دج، أي ثلاث مرات أجر عون تنفيذ في قطاع الصحة، وهو الإشكال الذي دائما ما يطرحه الخبراء.

من جانب آخر فإن تدني الأجور، بشكل باتت هذه الأخيرة أقرب إلى المنح منها إلى الأجور، يمثل أهم مطالب النقابات التي ترعى حراكا اجتماعيا هذه الأيام، حيث تطالب هذه الأخيرة بتصحيح شبكة الأجور وزيادة الأجر الوطني المضمون الذي لم يعرف زيادة منذ أكثر من 5 سنوات، وهي المطالب الشرعية بالنظر لوضعية العمال وتضاعف الضغوط المالية عليهم.

 

فوارق التنمية، البيروقراطية والضرائب مظاهر ترتبط أيضا بغياب العدالة الاجتماعية

 

هذا ويتجلى غياب العدالة الاجتماعية في الجزائر في صور أخرى على غرار الفوارق في التنمية بين مختلف مناطق الوطن.

فالتنمية في الشمال ليست كالتنمية الموجودة في الجنوب، وهو ما جعل ولايات الجنوب تعرف أكثر من مرة احتجاجات للمطالبة بحق هذه المناطق من التنمية، كما أن غياب العدالة الاجتماعية يظهر في النظام الجبائي، فنسبة التهرب الجبائي الذي يتورط فيه أصحاب الشكارة بلغ 80 بالمائة، بينما يثقل كاهل المواطن البسيط بزيادة في الضرائب كل مرة، كما تعد العراقيل البيروقراطية وانتشار المعريفة في أغلب الإدارات والمؤسسات تكريسا رديئا لغياب العدالة الاجتماعية. والقائمة تبقى طويلة.

س. زموش

 

من نفس القسم الوطن