الوطن

الإضرابات، الغلاء وعودة ظاهرة الحرڤة أحداث لا تعيشها المساجد؟!

الأئمة مطالبون بلعب دور أكبر مع هذه الأحداث التي يعيشها الشارع الجزائري

لم تتمكن خطب الجمعة والدروس المسجدية من مسايرة الواقع الذي يعيشه الجزائريون هذه الأيام، ففي الوقت الذي يعرف الوضع الاجتماعي الكثير من التوتر بسبب الاحتجاجات والإضرابات التي مست كل القطاعات، بالإضافة إلى عودة العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية للبروز، على غرار ظاهرة الحرڤة، لا تزال المساجد بعيدة عن معالجة هذه القضايا خاصة في خطب الجمعة، حيث لا تزال مواضيع هذه الخطب دينية بحتة تتحدث عن الوضوء والغسل والصلاة والصيام، وهو ما يعد تقصيرا كبيرا من القائمين على المساجد.

تعد خطبة الجمعة في الجزائر قبلة لـ 20 مليون مصل عبر 16 ألف مسجد في جميع ولايات الوطن، حيث سبق لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن أكدت أن ما لا يقل عن عشرين مليون جزائري وجزائرية يتابعون خطبة الجمعة سواء في المساجد أو عبر التلفزيون أو عبر مختلف الإذاعات الوطنية والمحلية، وهو رقم كبير يمنح لهاته الخطبة مكانة تعلو كل الخطب السياسية والاجتماعية والتعليمية، غير أن الملاحظ أن الخطاب المسجدي أو درس الجمعة أصبح لا يُؤدى كما ينبغي، فخطبة الجمعة التي يفترض أن تكون جامعة للوقائع التي جرت خلال الأسبوع سواء كانت وطنية أم دولية، أصبحت تحضر في 5 دقائق حسب شهادات بعض الأئمة أنفسهم ولا تتناول غير الأمور الدينية المتعارف عليها كالوضوء والصيام والصلاة والسيرة النبوية، وهي أمور لا يمكن القول أنها ليست مهمة بل هي في صلب الدين، غير أنه من المفروض أن يتم إسقاط هذه الأمور والأحكام الدينية على الواقع المعاش حاليا، وتناول الأمور الدينية بصيغة إيجابية تعالج الواقع الحالي وتقترح الحلول له. 

ويجمع أغلب المصلين وحتى الأئمة أن خطب الجمعة لا تمت بصلة للواقع الذي يعيشونه في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تعرفها البلاد، فالتوتر الاجتماعي بلغ ذروته والإضرابات والاحتجاجات مست أغلب القطاعات كما أن الأسواق تعيش على وقع الغلاء والمضاربة والاحتكار، بالإضافة إلى بروز العديد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة، على غرار ظاهرة الحرڤة التي باتت تتسبب في موت عشرات الشباب أسبوعيا في قوارب الموت، وهي القضايا التي غيبت في المساجد، فلا نجد إماما في خطبته يتحدث عن الإضراب ولا عن الغلاء الذي تعرفه الأسواق ولا عن الاحتكار والمضاربة، رغم أن هذه الممارسات مذمومة شرعا ولها أحكام دينية واضحة، كما أن الأئمة أعرضوا عن الحديث عن الوضع الاقتصادي المتدهور وعن تدهور القدرة الشرائية وعن الآفات التي تنخر المجتمع والظواهر التي باتت تتسبب في وفاة شباب في مقتبل العمر، على غرار ظاهرة الحرڤة التي عادت للظهور بقوة، وهو ما يجعل خطب الجمعة في واد والمصلين في واد آخر، رغم أن لهذه الأخير دورا كبيرا، فالخطبة التي تفيد الناس هي التي تعالج مشاكلهم اليومية، لكن الإشكال الواقع حاليا هو أن المصلي يتابع بعض الأحداث بشكل مستمر، لكنه وبدخوله المسجد يجد نفسه في عصر آخر، فلا تغير الجمعة فيه شيئا، وهو ما شجع العديد من المواطنين على العزوف عن حضورها إلا القلة حرصا منهم على تأدية الحد الأدنى من الواجب، فالأئمة أصبحوا غير قادرين على جذب انتباه المصلين بخطبهم ودروسهم، ما جعل المساجد مجرد هياكل دون روح. 

هذا ويحمل بعض الجزائريين مسؤولية هذا البعد عن الواقع الذي باتت تعيشه أغلب المساجد للوزارة الوصية، معتقدين أن وزارة الشؤون الدينية ممثلة للحكومة تتدخل وتراقب خطب الجمعة وأحيانا تفرض مواضيع الخطب على الأئمة، وهو ما ينفيه الأئمة مؤكدين أن الخطبة يكتبها الإمام وفي أحسن الأحوال تقترح وزارة الأوقاف مواضيع عليه وأحيانا تنصح بعض أئمة الولايات التطرق لمواضيع قد يكون لها شأن بالحدث الوطني أو الدولي  وأحداث وطنية مثل ذكرى الثورة، دون أن تجبرهم على الخوض في هذه المواضيع أو تتابعهم، في حين يرى ممثلو الأئمة أن مشكل خطبة الجمعة يرجع أيضا لتكوين الإمام، فالقلة من الأئمة من لديهم مستوى لمعالجة قضايا هامة وحساسة، وهو ما جعلهم يرون أنه من الضروري أن تراعي وزارة الشؤون الدينية مستوى الأئمة المتخرجين خاصة في المدن الكبرى، وتخضعهم لدورات في تكوين المهارات حتى يستعيد المسجد مكانته ودوره الفعال في التنمية البشرية والاقتصادية، وحتى يتمكن المسجد من معالجة الواقع الذي يعيشه المصلون، ويستطيع أن يخطب في الناس بمختلف مستوياتهم.

 س. زموش 

 

من نفس القسم الوطن