الفريق أول شنقريحة يعبر عن ارتياحه لمستوى التعاون العسكري "الجزائري – الإيطالي"
- نشر في 02 أكتوبر 2024
تثبت المؤشرات الاقتصادية المتداولة في الساحة الجزائرية على أن سنة 2018 ربما تكون الأصعب خلال العقدين الأخرين وخاصة منذ تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم في البلاد وتنعكس هذه الأرقام على الوضع الاجتماعي والسياسي للبلاد وربما حتى الهيكلي فمسار الزيادة في الأسعار سينطلق منذ بداية هذه السنة ولا يبدو أن له نهاية إذ أن سياسة رفع الدعم العمومي تصبح أولوية في المرحلة القادمة إضافة إلى أن موارد البلاد المالية محدودة مما يجعل الزيادة في الأجور متوقفة إلى اشعار آخر، بالمقابل متطلبات المواطن في الزيادة ينضاف إلى كل هذا أزمة التمثيل السياسي التي تهز من شرعية المؤسسات المنتخبة أمام تهديدات إقليمية ودولية كبرى يأتي في مقدمتها الإرهاب والمحاولات والمبادرات الإقليمية الراغبة في التعامل معه بدور محدد للجزائر لا يبدوا أن الجزائر تميل لقبوله مما يزيد من حجم الضغوطات القائمة.
التنافس على الرئاسيات والحملات المسبق
لا يختلف اثنان في الجزائر على أن 2018 ستسير وفق متطلبات رئاسيات 2019 سياسيا واجتماعيا فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة رغم كل ما يقال عن العهدة الخامسة والمحاولات الاستباقية التي يمارسها بعض مؤيديه بتوجيه أحيانا وبرغبة ذاتية في كثير من الأحيان سيضل الموضع الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية وخاصة في هرم السلطة التي ستحرص على أن لا يبرز بديل ممكن للرئيس إلا إذا كان باختياره ولا يخرج عن دائرة السيطرة لمحيطه مما سيقلل من المبادرات ويزيد الساحة السياسية انغلاقا ويجعل من 2018 عام الضغوط على أي حراك سياسي داخل المولاة أو المعارضة.
ورغم كل الترسانة القانونية المحافظة على الحريات إلا أن الرغبة في الاستمرار في السلطة ستكون أكثر هيمنة في المشهد العام للبلاد.
وسيكون الوضع الصحي للرئيس العامل الأكثر تأثيرا في المشهد العام وخاصة أن الحملة المسبقة تقتضي إبراز الرئيس شخصا وصورة أكثر من السنوات الماضية، وتعتبر أولوية حتى يقلل من مطالب الشغور والحكم بالنيابة وغيرها من التحليلات التي يذهب لها الطامحون للوصول إلى كرسي المرادية.
وفي كل الحالات ستبقى مؤسسة الرئاسة في 2018 صاحبة القرار الأول في البلاد خاصة بعد أن تمكنت من كل الأدوات المؤسساتية الداعمة لها في استيعاب تحولات المجتمع والدولة دون سواها على غرار المؤسسات الأمنية التي أصبحت تحت وصايتها توجيها وتلقيا كما تمكنت من صناعة محاور مالية وحتى اجتماعية مهيمنة على المشهد العام وهو ما يساهم في تغيير مسارات عناصر القوة داخل الجزائر.
مكافحة الإرهاب وصناعة الرؤساء
يعتبر الإرهاب أيضا أكبر تحدي تواجهه الجزائر في الفترة الأخيرة بما فيها هذه السنة بالنظر إلى العدد الكبير من الأفارقة الذي خرج من العراق وسوريا واتجه نحو الدول الافريقية وخاصة ليبيا ودول الساحل الافريقي وتعد الجزائر أحد النقاط المهددة بهذا النزوح المبرمج والممنهج مما سيزيد من أولوية مكافحة الإرهاب بالنسبة للجيش والمؤسسات الأمنية وربما سيساعد أيضا على اخراج الجيش من التأثير المباشر أو المعتاد في اختيار الرئيس القادم الذي يبدوا واضحا أن الجيش لن يتدخل إذا رغب الرئيس الحالي في الاستمرار وسيكون له ربما موقفا آخر في أي سيناريو دون عبد العزيز بوتفليقة.
ورغم أن تغييرات كثيرة حدثت دخل المؤسسة العسكرية التي لم تعد كما كانت من قبل لا في تركيبتها وتكيفت كثيرا مع التغيرات التي حدثت داخل المجتمع من جهة وتعامل الرئيس معها إذا استطاع أن يحقق مقاربته في إبعادها عن التأثير المباشر في القرار السياسي المؤسساتي ولكن سيبقى الإرث التاريخي والعمق الاستراتيجي ومقتضيات الدور الإقليمي والدولي إضافة إلى أنها المؤسسة الأكثر تنظيما وانضباطا وقدرة على الالتزام كما تملك أدوات تنفيذ أي اختيار تميل إليه لأنه سيبقى جزء مهم من المجتمع وقواه الحية داعم لخياراتها حتى وإن اثبتت تجرية 2004 غير ذلك.
وستبقى أولوية التحديث الذي باشرت بها قيادة الأركان منذ فترة مستمرة وكان من ثمارها إيجاد خلفية مجتمعية مهمة أخرجت الجيش من كل النقاشات الشعبوية وخاصة ملفات الفساد التي أصبحت لصيقة بجزء من المدنيين وهو انتصار حقيقي للمؤسسة العسكرية في تكريس معنى الشعبي في تسمية المؤسسة.
دبلوماسية الأزمات
إن التهديدات المحيط بالبلاد ستجعل من العمل الدبلوماسي أولية كبرى في 2018 رغم الأثر البالغ بغياب حضور الرئيس في المحافل الدولية والإقليمية ويفرض أهمية التحول في النظرة لهذه الوظيفة الحساسة وإخراجها من توازنات الاستمرار في الحكم فكل الملفات المطروحة بما فيها المالية ستعتمد على مدى قدرتنا على التأثير في العمل الدبلوماسي في ظروف الأزمات بدءً بأمننا القومي الذي سيشهد حراكا واسعا خاصة في الجارة ليبيا التي ستكون سنة انتخابات وتشكيل مؤسسات أمنية وعسكرية ومجتمعية مما يفرض مرافقة مع غيرنا لتمكين الأشقاء الليبيين من إعادة تأسيس الدولة على أسس حسن الجوار والتعاون كما إن تأمين الحدود الجنوبية عبر حضور أكثر تأثير رغم كل التعقيدات الجيواستراتيجية في دول الساحل وخاصة أن الملف له ابعاد دبلوماسية واقتصادية وعسكرية أيضا وما يفرض من حضور لتفعيل المبادرات الجزائرية على جميع الأصعدة.
والأكيد أن 2018 ستعرف زيارات وفود دولية عديدة على مستويات متعددة بالنظر للتحولات الإقليمية التي تعرفها المنطقة وسيكون لهذه الزيارات تأثير على المشهد السياسي المستقبلي للبلاد.
التغيير من أجل الاستمرار
ستعرف السنة الحالية أيضا حراكا كبيرا على المستوى الحزبي حيث ستنظم بعض الأحزاب مؤتمراتها وتختار على إثرها قيادات جديدة أو تجدد لقياداتها الحالية، على غرار حمس للاستعداد أكثر للمواعيد القادمة كما أن أحزاب المولاة ستعرف محطات تنظيمية لاختيار من يقوم بمهمة الترويج للرئيس القادم على غرار الأفلان الذي يبدو واضحا أنه مقبل على تغيير الأمين العام ومكتبه السياسي بما يؤهله إلى تصدر مشهد اختيار الرئيس لو شكلا والأرندي هو أيضا محل اهتمام محيط الرئيس بالنظر لطموحات أمينه العام أحمد أويحيى الذي تذهب بعض التحاليل إلى إمكانية إعادته لبيته من جديد حتى لا يفسد عرس الموالاة في تعيين الرئيس القادم.
ولن يغيب عن هذا التغيير أصحاب الأدوار بالترشح في الرئاسيات حيث سيتمكنون بدورهم من الترتيب النهائي لمؤسساتهم الحزبية في انتظار صفارة الانطلاق.
إضرابات وصراع تمثيل
إن ما يميز سنة 2018، أنها ستكون سنة الإضرابات في قطاعات متعددة وخاصة أمام الحراك النقابي الواسع وقناعة النقابات المستقلة بالضرورة التكتل وتوحيد المبادرات حتى تتمكن من فرض نفسها على الحكومة كشريك اجتماعي من جهة وتوسيع دائرة التمثيل بالنظر لمعاناة المهنيين والعمال في مختلف القطاعات تتصدرهم الصحة، التربية والوظيف العمومي وأمام صعوبة التوازنات المالية ستضطر الحكومة إلى أن تتخلى عن العقد الاجتماعي الذي بادرت على الإمضاء عليه في نهاية العام المنصرم 2017 في دار الشعب مما سيخلق تململ حتى في جناح الموالين لها.
عام غلق الصحف
وفي قطاع الإعلام يرتقب أن تضطر عناوين كثيرة من الصحف إلى الغلق هذه السنة بسبب استمرار الحكومة في التعامل بانتقائية مع الصحافة المكتوبة وخاصة في موضع الدعم العمومي الذي لا يزال يتحكم في المشهد الإعلامي ويحدد من سقف الحريات في البلاد وخاصة في الملفات السياسية الكبرى رغم كل ما سجلته الصحافة من تطور.
كما أن السنة ستكون للإعلام المرئي بامتياز الذي يفترض أن تتحول القنوات المرخصة إلى قنوات جزائرية ووفق القانون الجزائري رغم كل التردد الذي حدث في فتح المجال السمعي البصري كما أن 2018 ستكون سنة استكمال المؤسسات الدستورية الإعلامية على غرار سلطة الضبط في وسائل الاعلام المكتوبة.
تحدي الرقمنة والإصلاحات
سيكون 2018 عام استمرار الإصلاحات الإدارية وخاصة في الرقمنة التي سجلت خطوات مهمة في التقليل من الورق والوثائق وعمليات التحديث المستمرة التي تعرفها قطاعات إدارية على غرار الجماعات المحلية والمحاكم ومن المتوقع إن توفرت الإرادة السياسية أن تنهي البلاد مرحلة التخلف الإداري وتقضي بشكل مطلق عن البيروقراطية خلال سنوات معدودة بحكم فعالية الرقمنة التي أنجزت وثائق الهوية المختلفة من جواز سفر وبطاقة تعريف لتصل إلى رخصة السياقة ووثائق السيارة المتنوعة إلا أن الجانب الأهم وهو تسيير الموارد البشرية يبقى رهين الممارسات السياسية وخاصة في التعيين والإعفاء في المناصب العليا الذي لازال يخضع لمنطق الولاءات لا الكفاءات مما يجعل عمليات التحديث غير كافية لبناء إدارة حديثة بكل معانيها.
وهذه الإصلاحات لا تقل عن الإصلاحات التي يعرفها قطاع العدالة في مجال التشريع والقوانين ومس كل الجوانب بما فيها المتعلقة بالحقوق الشخصية والحريات ويبقى الأمل منعقد في تحرير إرادة القضاة حتى يتمكن هذا القطاع الحساس من التكفل بإتمام مهمة الاستقلالية الكاملة للقضاء التي تعد أحد الأركان المهمة في بناء الدولة الحديثة.
وستكون 2018 عام تكييف المنظومة القانوني مع دستور 2016 الذي جاء بإصلاحات واسعة واستجابة لمطالب الحقوقيين في انتظار التجسيد في ارض الواقع.
عام التقشف والندرة
وكما كانت السنتين الأخيرتين سيكون 2018 هو الآخر عام التقشف بالنظر للموازنات المالية وما تم الإعلان عنه من توقعات اقتصادية في سعر البترول من جهة ومداخيل الدولة في مختلف القطاعات مما سرع عمليات الإعلان في المنع المسبق من استيراد ما يقارب الألف منتوج مما سيترتب عنه الندرة وارتفاع الأسعار من جهة ويواكبه انخفاض القدرة الشرائية لدى عموم المواطنين وهي عوامل مكرسة لقلاقل اجتماعية صعب التحكم فيها ولم يمنع هذا الاجراء من انخفاض في قيمة الدينار بشكل قياسي مع بداية العام وكلها عوامل ربما ستجعل من التضخم المتوقع بشكل غير مسبوق ومؤثر بعمق على الاقتصاد الوطني نتيجة خيارات الحكومة في التوجه إلى التمويل غير التقليدي.
الوعي... فجرنا الجديد
مع كل ما سبق فإن عام 2018 سيعرف تنامي الوعي العام بالنظر للتغيرات الحادثة في العالم وبداية تغير المزاج العام في الرأي العام الوطني الذي أصبح أكثر ميولا للراغبين في العمل وأصحاب الأفكار والمبادرات بعد أن كان يعارض من أجل الرفض والتعبير عن الذات وهو عامل مهم للتغير نحو الأفضل وربما سيعرف هذا العام مبادرات مجتمعية لتنتظم من أجل المساهمة أو استرجاع المبادرة في التأثير في معادلة الحكم في بلادنا وهي قناعات تتشارك فيها كثير من الفعاليات سواء كانت مؤسساتية أو شعبية.
سليمان بن عيسى