الحدث

حكومة أويحيى تنتهج "سياسة التهدئة" بعيدا عن الملفات الساخنة

المحليات وقانون المالية أكبر مهدد لاستقرار الجبهة الاجتماعية حتى نهاية السنة

خبابة: خيارات الحكومة ضاقت في ظل تأزم الوضع الاقتصادي وضعف الأحزاب

فراد: السلطة حولت الحكومة إلى وظائف بدل حكومة سياسية تبادر لحلحلة المشاكل

 

تستعد الحكومة الجديدة في اجتماع لها، اليوم الخميس، لإتمام آخر الروتوشات المتعلقة بمخطط عملها قبل عرضه على مجلس الوزراء للمصادقة عليه، ثم تمريره في البرلمان قبيل اختتام الآجال القانونية المحددة في الفاتح أكتوبر القادم، وتبرز ملفات الجبهة الاجتماعية وترقية الاستثمار ضمن أهم محاور مخطط عمل حكومة أويحيى، بالنظر إلى تزامنها مع الدخول الاجتماعي والانتخابات المحلية ومشروع قانون المالية لسنة 2018، ويعتبر المحلل السياسي خبابة أن "الخيارات المتاحة أمام الحكومة الحالية ضيقة جدا، بالنظر إلى الأزمة المالية وعجزها عن توفير المال لشراء السلم الاجتماعي"، بينما يرى المحلل السياسي فراد أن "الحكومة تحولت إلى وظائف بدل حكومة سياسية تعتمد على المبادرة لحلحلة المشاكل".

تشير معطيات غير رسمية إلى أن مخطط عمل الحكومة سيركز على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، مع ملامح فرعية في الجانب السياسي وإصلاح العدالة والحريات وغيرها. وتذكر بعض المؤشرات أن الوزير الأول الجديد أحمد أويحيى، بالقرارات الأخيرة التي اتخذها عبر إلغاء معظم قرارات سابقه عبد المجيد تبون، "سيعتمد في مخطط عمل حكومته على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية لمواجهة الأزمة، أبرزها ملف الاستيراد وترشيد النفقات وترقية الاستثمار"، وأضافت تقارير إعلامية أن "ملامح مخطط عمل حكومة أويحيى سيختلف بشكل كبير عن توجهات سابقه تبون، خصوصا في ملف الاستثمار عبر إجراءات تحفيزية جديدة لصالح المستثمرين الخواص، وتكريس الشراكة بين المؤسسات العمومية والخاصة".

بينما تتخوف أطراف سياسية ونقابية من انعكاسات التغيير في توجهات الحكومة في فترة زمنية قصيرة جدا لم تتجاوز ثلاثة أشهر. وقالت أوساط نقابية أن "سياسة الدعم الاجتماعي للدولة المنصوص عليها دستوريا لا تزال تتعرض للتقليص في الحكومات المتعاقبة جراء الأزمة المالية منذ 2015". وأضافت: "هناك قلق اجتماعي من تدهور القدرة الشرائية والزيادات المتتالية في الضرائب منذ قانون المالية لسنة 2015".

وأبدت جهات في الجبهة الاجتماعية وأحزاب سياسية في وقت سابق "ترحيبها" بمبادرة الوزير الأول السابق لفتح حوار موسع مع الأحزاب والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين حول سياسة الدعم الاجتماعي وتوجيهه نحو الفئات الهشة واستحداث بطاقية وطنية للدعم.

وفي السياق، سألت "الرائد" المحلل السياسي عمار خبابة، وكذا الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي أرزقي فراد، حول توجهات حكومة أويحيى في ظل تقلص الخيارات جراء استمرار الأزمة الاقتصادية للبلاد، وعزوف الحكومة عن إطلاق مبادرات جديدة للحوار مع الشركاء السياسيين مع تأجيل الثلاثية، وأخيرا ما هي الأدوات التي تراهن عليها الحكومة لضمان تهدئة الدخول الاجتماعي واستقرار الجبهة الاجتماعية المتزامنة مع تنظيم انتخابات محلية وعرض مشروع قانون المالية لسنة 2018.

 

خبابة: خيارات الحكومة ضاقت كثيرا في ظل تأزم الوضع الاقتصادي وضعف الأحزاب

 

رجح المحلل السياسي، عمار خبابة، احتمال لجوء "حكومة أويحيى مع الدخول الاجتماعي إلى أدوات سياسية وليس إجراءات واقعية لضمان دخول اجتماعي هادئ". وذكر خبابة أن "الخيارات المتاحة أمام الحكومة صارت ضيقة جدا مع انعدام الموارد المالية لدعم سياسة السلم الاجتماعي التي اعتمدتها لسنوات طويلة". وأضاف: "تقلص الخيارات المتاحة أمام الحكومة سيجعلها تلجأ إلى بدائل أخرى، ومن بينها إعطاء الانطباع بأن الأمور عادية وتسير على أحسن ما يرام لتجنب الغليان الاجتماعي، في وقت تمرر مشاريعها مثلما حدث مع قوانين المالية الماضية".

وأضاف: "سياسة منح الانطباع لقياس توجهات الرأي العام وبعدها الإقناع هي ممارسات دون جدوى، في ظل عجز الحكومة عن خلق بدائل واقعية لإنقاذ الاقتصاد الوطني"، مضيفا: "قد تلجأ الحكومة أيضا من خلال أحزاب الموالاة والمنظمات الجماهيرية التي تسير في فلكها إلى إثارة أمور جانبية لشغل الرأي العام عن قضاياه الجوهرية وإخماد الاحتجاجات تحت مبررات الحفاظ على أمن واستقرار الدولة، وهذا لا شك فيه، ومبرر الظروف المحدقة بالبلد"، مستدركا: "الجبهة الاجتماعية بحاجة إلى إجراءات ملموسة لتحسين أوضاعها وليس مجرد مهدئات سياسية وقمع الإضرابات والاحتجاجات".

ومن جهة ثانية، عدد المحلل السياسي خبابة بعض أخطاء الحكومة في السنوات الماضية وانعكاساتها حاليا، بقوله: "من المفروض إشراك المواطنين والكل في البحبوحة المالية التي مرت بها البلاد وحين تأتي الأزمة الكل يشترك في الحل ومواجهة الأزمة، لكن السلطة ومن يسير في فلكها كانوا هم المستفيدون من البحبوحة المالية وحاليا يطلبون من الجميع المشاركة في الحل"، مضيفا: "هذا غير مقبول سياسيا واجتماعيا، والحكومة مثلما أزمت الوضع فعليها تحمل النتائج، وأولى الحلول الذهاب نحو نظام ديمقراطي لمنح الكلمة للشعب".

واعتبر خبابة أن "الشعب مستقيل من العملية السياسية بسبب ضعف الطبقة السياسية وعدم وجود تكافؤ بين المعارضة والسلطة، والحكومة تتعامل بمنطق الأحادية في اتخاذ القرارات". مختتما: "الحكومة لا تريد حوارا أو حلا جذريا، بل تحاول من خلال مناوراتها تحميل المسؤولية لكل الأطراف بينها المواطن والأحزاب التي لم تشارك في السلطة في السنوات التي أعقبتها أزمة".

 

فراد: السلطة حولت الحكومة إلى وظائف بدل حكومة سياسية تبادر لحلحلة المشاكل

 

ومن جانبه، قال المحلل السياسي، أرزقي فراد، أن "السياسات المنتهجة من قبل الحكومات المتعاقبة شعبوية ومغالطات كبرى لا تأتي بالحل والخروج من الأزمة الراهنة". وفصل فراد: "الشعبوية ظاهرة في كل القرارات المتخذة اقتصاديا واجتماعيا، وبينها الحفاظ على الأسعار في الدخول الاجتماعي وخلال شهر رمضان فقط، بينما في أشهر السنة هناك تدهور كبير للقدرة الشرائية للمواطن". وأضاف: "المشاكل الحقيقية للجبهة الاجتماعية تظهر بعد اعتماد قانون المالية في شهر جانفي وفيفري ويكابد المواطن وقتها الانهيار في قدرته الشرائية ومزيدا من الضرائب".

واعتبر فراد أن "الحكومة تلجأ مع الدخول الاجتماعي الحالي إلى شراء السلم الاجتماعي عبر مساعدات التربية والتضامن وتوزيع السكنات واستقرار الأسعار، بينما الواقع يؤكد تدهورا في الاقتصاد الوطني وتراجعا حادا في استقرار الميزانية"، معلقا: "هذا كله جراء السياسات الشعبوية للحكومات المتعاقبة".

وفي نقطة ثانية، قال فراد: "أما المغالطة الكبرى فهي التغيير في الحكومات وتنظيم انتخابات تفتقر للمصداقية حتى تظهر السلطة ومن ورائها النظام أمام الرأي العام الدولي والوطني بمظهر الديمقراطية، لكن الواقع يؤكد وجود أزمة حقيقية في الشرعية وبناء مؤسسات الدولة"، مضيفا: "الحكومة تحولت من حكومة سياسية تبادر ذاتيا لحلحلة المشاكل إلى مجرد وظائف إدارية والوزراء إلى موظفين ينتظرون فقط التوجيهات والتعليمات".

واعتبر الأستاذ الجامعي أن "الغريب في الحكومات كلها أنها تختبئ وراء برنامج رئيس الجمهورية، لكن الظاهر أن هناك تناقضا بين حكومة وأخرى في تطبيق هذا البرنامج، والدليل إلغاء أويحيى قرارات سابقه تبون في ظرف أيام فقط، رغم أن كليهما يقول بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية".

وختم المتحدث: "الأمور تتجه نحو الأسوأ والإجراءات التي تنتهجها السلطة هي مجرد مهدئات لتفادي الانفجار الاجتماعي، لكن الأكيد أن الحفاظ على استقرار البلاد لا يكون بالشعبوية والمغالطة".

يونس. ل

 

من نفس القسم الحدث