صنعت حكومة تبون "جدلا سياسيا وإعلاميا" منذ إعلانها مساء الخميس الفارط، واعتبر محللون سياسيون أن "التعديل الحكومي كان مجرد تغيير للديكور وتدوير للمناصب في ظل نفس السياسات الممارسة"، بينما انتقدت أحزاب "عدم تحمل الأغلبية البرلمانية الأفلان والأرندي للمسؤولية السياسية للحكومة"، فيما اعتبر النائب بن خلاف أن "الحكومة الجديدة هي حكومة تصريف أعمال ستنتهي صلاحيتها في غضون أشهر لتعيين حكومة أخرى لتحضير رئاسيات 2019".
وسألت "الرائد" محللين سياسيين وأحزابا عن قراءتهم للحكومة الجديدة ومغادرة بعض الوزراء، وكذا اللون السياسي لحكومة تبون والتحديات التي تواجهها في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
•رزاقي: لم نفهم دوافع معاقبة لعمامرة وبوطرفة رغم دورهما الهام دوليا
استغرب المحلل السياسي، عبد العالي رزاقي، دوافع مغادرة وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة ووزير الطاقة نور الدين بوطرفة. وقال رزاقي: "المثير للانتباه والغريب ما حدث في التعديل الحكومي بمغادرة وزيرين هامين أديا دورا هاما على المستوى الدولي في ظل الأزمة الحالية للجزائر". وأضاف: "الوزير لعمامرة قام بدور مهم وفعال في الدبلوماسية الجزائرية وكذلك بوطرفة في ظل أزمة النفط مع منظمة أوبيب، لكن تمت معاقبتهما بهذا الشكل". واعتبر رزاقي أن "الحكومة الجديدة لم تحمل أي أسماء ثقيلة باستثناء وزير الصحة ووزير المالية راوية". واعتبر رزاقي أنه "لا يمكن إيجاد قراءة واقعية لمعاقبة وزراء ناجحين ومجازاة ولاة زوروا الانتخابات التشريعية وتمت مكافأتهم بدخول الحكومة".
وقال رزاقي: "الحكومة الجديدة حملت ثلاث ملاحظات، أولها عودة 15 وزيرا من السابقة و13 وزيرا انتهت عهدتهم"، مضيفا: "تمت مكافأة أربعة ولاة بمناصب وزارية بعد إنجاح التشريعيات في ولاياتهم"، وأضاف: "هذه حكومة عادية لا هي تكنوقراطية ولا سياسية، وكل ما حدث قبل الإعلان عنها هو مناورة من السلطة". وفصل رزاقي: "مشاورات سلال قبل إعلان الحكومة كانت مناورة لجس نبض الأحزاب وقابليتها للتواجد في الحكومة، ولقيت رد فعل سلبيا من الإسلاميين وانتهت بحكومة مغايرة للتوقعات". وأضاف: "المشاورات في أصلها لم تكن دستورية ولا علاقة لها بالتشريعيات، لأن الهيئة التشريعية تتغير كل 5 سنوات والدستور الحالي يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات تعيين الوزير الأول وأعضاء الحكومة دون الأخذ بعين الاعتبار للأغلبية البرلمانية". وختم رزاقي "لا توجد أغلبية برلمانية وأحزاب في السلطة، بل هناك أحزاب مدعمة ومساندة للسلطة فقط، والسلطة الحقيقية والواقعية بيد السلطة".
•فراد: السلطة وضعت "ماكياج" سياسيا على الحكومة ولم تعتبر من نتائج التشريعيات
ذكر المحلل السياسي، أرزقي فراد، أن "الحديث عن الحكومة الجديدة والمتجددة هو مغالطة للشعب والرأي العام، بدليل أن السلطة لم تقرأ جيدا نتائج التشريعيات". وأضاف: "هذا ليس التغيير المنشود من الشعب، بل مجرد ماكياج سياسي وتغيير للواجهة والأشخاص والأرقام، لكن لا يوجد تغيير للسياسيات وطبيعة النظام". واعتبر فراد أن "نتائج التشريعيات التي وصلت فيها المقاطعة والأوراق البيضاء إلى نسبة 80 في المائة لم يتعامل معها النظام بجدية وقراءة واضحة وصادقة". وأضاف: "الشعب لا يريد تدوير السلطة والمناصب بل يريد النقاش حول مستقبل البلد"، مضيفا: "لم نسجل وقفة متأنية وجدية من السلطة لنتائج التشريعيات، والحكومة الجديدة تكشف عن تعامل السلطة باحتقار مع ما يريده المواطن".
وعن شكل الحكومة في عمومها، قال فراد "هذه حكومة لم تنبثق عن التشريعيات ونتائجها المزورة ونسبة المقاطعة فيها، والدليل أن أعضاءها تكنوقراطيون"، وأضاف: "الأصل في الحكومات أن تكون سياسية في مجملها والحكومة التكنوقراطية هي استثناء فقط لتسيير مرحلة انتقالية فقط"، مضيفا: "هذه الحكومة وما قبلها دليل وجود احتقان وأن السلطة لم تجد مخرجا لأزمتها"، وختم أفراد: "لا يجب تغليط الرأي العام ومراوغته بأن هناك تغييرا في الحكومة، بل هو مجرد تدوير للمناصب".
•حمس: غريب أن من يدعي الأغلبية البرلمانية لا يتحمل المسؤولية السياسية للحكومة
قال القيادي في حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش، إنه "من غير المعقول أن الذي يدعي الأغلبية البرلمانية لا يتحمل المسؤولية السياسية للحكومة"، وأضاف: "هذا تمييع للحياة السياسية، في ظل نظام يحكم ولا يتحمل المسؤولية أمام المؤسسات الرقابية"، في إشارة إلى أن الحكومة لا تعكس نتائج التشريعيات وأن الحكومة ليس لها لون سياسي مثلما ينص عليه الدستور. وأضاف: "هناك إخفاق مدو في تحقيق التوافق السياسي، وهناك تعبير عن عدم الشعور بالمسؤولية الكاملة تجاه تحديات المرحلة الحالية ومخاطر المرحلة القادمة"، مضيفا: "الواضح أن الأحزاب المشاركة في الحكومة هي عبارة عن مجرد أجهزة لديكور سياسي، على مقاس تحضير استحقاقات المرحلة القادمة، وعلى رأسها الرئاسيات". وأضاف حمدادوش: "هذه الحكومة لا تعكس نتائج الانتخابات التشريعية الماضية، ولا تعكس الإرادة الشعبية، وهو ما يعني أن الهوة بينها وبين الشعب لا تزال قائمة، واعتراف ضمني بأن التشريعيات مجرد استحقاق دستوري لا معنى له".
ومن ناحية أخرى، قال حمدادوش: "الحكومة لا تستند إلى قاعدة سياسية تمثيلية، ولا يُنتظر منها الكثير، لأنها مجرد امتداد لنفس منظومة الفشل السابقة"، وأضاف: "من حق الرأي العام أن يطلع على الحصائل السابقة، وعلى معايير التعيين لتجسيد مبدأ المحاسبة ضمن معايير الحكم"، في إشارة إلى عدم تقديم حكومات سلال السابقة لبيان السياسة العامة على مدار 5 سنوات. وختم المتحدث: "الظاهر في التعديل الحكومي أنها تعتمد على الزبائنية وعلى الولاءات لا الكفاءات"، مضيفا: "وضع البلاد لا يحتمل الاستمرار في سياسة الهروب نحو الأمام، ولا فرض الأمر الواقع، وهو ما يستدعي فتح الحوار الوطني المسؤول والشامل بين جميع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين لمواجهة التحديات المتعددة الأبعاد".
•تحالف الاتحاد: هذه حكومة تصريف أعمال لا تخدم الاستقرار وحل الأزمة
من جهته، قال القيادي في تحالف الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، أن "وضع البلاد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا يحتاج حكومة أوقى لمواجهة الأزمة"، وأضاف: "الشعب كان ينتظر حكومة فيها شخصيات ذات وزن وحكومة أزمة وليس تدوير الوجوه والاستنجاد بأربعة ولاة لتغيير الديكور والوجوه فقط". وأضاف: "هذه الحكومة لا لون لها سياسيا ولا تكنوقراطية، وحتى الحزب الذي نظموا له الانتخابات (الأفلان) لم يحصد حقائب هامة في الحكومة". واعتبر بن خلاف أن "الأرندي فقد الكثير بحصوله على أربع وزارات غير هامة مثلما كان سابقا"، وأضاف: "غريب أن يمنح وزارة من ترشح في ولايته ولم يحصل على مقعد برلماني مثل وزيرة تاج". واعتبر أن الحكومة "كشفت عن بقاء وزراء أثبتوا فشلهم في الحكومات السابقة".
واستغرب بن خلاف خروج وزير الشؤون الخارجية ووزير الطاقة من الحكومة بقوله: "لم نفهم السبب لخروج لعمامرة وبوطرفة من الحكومة رغم أنهما قدما مجهودات كبيرة ومثلا الجزائر بمواقف مشرفة في المحافل الدولية". وأضاف: "استغربت كذلك تعيين محجوب بدة وزيرا للصناعة وهي حقيبة أكبر منه ولم يسبق له أن تقلد منصبا، فكيف أن يسير وزارة بهذا الحجم". واعتبر بن خلاف أن "هذا النائب الذي تقلد منصب رئيس لجنة المالية والميزانية في البرلمان هو من رفع تسعيرة الهاتف والأنترنيت والوقود والكهرباء والضريبة رفقة الحكومة وفرضها على النواب، تتم مكافأته بمنصب وزير". وعن الوزير الأول، قال بن خلاف: "تعيين تبون مفاجئ فهو لم يتمكن من حل أزمة السكن وحاليا يسيّر الحكومة بأزمتها متعددة الأبعاد". وختم المتحدث: "هذه حكومة تصريف أعمال ستنتهي في غضون أشهر ليتم تعيين حكومة جديدة لتحضير رئاسيات 2019 وما بعدها"، مضيفا: "الحكومة الجديدة لا تخدم الاستقرار وحل الأزمة الحالية".
وفي سياق آخر تحدث ذات القيادي في جبهة العدالة والتنمية أحد أقطاب الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، عن ظهور ملامح الصراع الذي كان قائما سابقا بين الوزير الأول المقال والوزير الأول المعين حديثا، حيث ظهر هذا الصراع في أوجه عديدة، أبرزها تلك المتعلقة ببعض الأطراف الذين تمت تنحيتهم وهم وزراء دخلوا في صراعات مباشرة مع عبد المجيد تبون يوم كان على رأس قطاع السكن، بداية من وزير المالية الذي تم تعين شخص بعيد كل البعد عن القطاع كما أنه فشل في إدارة قطاع الضرائب سابقا والمجيء به معناه أنه مكلف بفرض المزيد منها على المواطنين.
وربط بن خلاف الصراع بين سلال وتبون بكونه مرتبط بشكل أساسي بمرحلة الرئاسيات القادمة، وتوقع أن يكون هناك تغيير قريب في الحكومة الحالية المعين حديثا حيث يرى بأن الحكومة التي ستأتي بعد المحليات المقبلة التي ستنظم أواخر السنة الحالية ستكشف بشكل واضح ومباشر عن الصراعات التي كان الوزير الأول السابق طرفا فيها وهي التي عجلت برحيله من على رأس الجهاز التنفيذي وهو الذي كان إلى وقت قريب رجل الثقة لدى الرئيس.