دولي

قراءة مختصرة في اغتيال مازن فقهاء

القلم الفلسطيني

تسبب اغتيال مجهولين للمحرر في عملية تبادل الاسرى (وفاء الأحرار) بهزة عنيفة في الشارع الفلسطيني، لكون الشهيد كان من أبرز المحررين والذي أنيط به إلقاء كلمة خلال المهرجان المركزي في ذكرى انطلاقة الحركة في قطاع غزة بعد تحرره مباشرة، ومن الواضح أن اغتيال المحرر مازن فقهاء مرتبط بعدة تفسيرات.

فقد قاد الفقها عملية الانتقام لاغتيال الاحتلال لقائد الجناح المسلح لحركة "حماس" صلاح شحادة، عبر إرساله لأحد الفدائيين لتفجير أحد باصات الاحتلال والذي تسبب بمقتل تسعة من جنود الاحتلال، وقد يكون هذا الرد من أبلغ الرسائل التي وجهها القسام عبر مازن الفقها في حينه، رد مفاده أن اغتيال أي قائد للمقاومة الفلسطينية لن يبقى دون رد موجع. 

وجهت مخابرات الاحتلال ووسائل إعلامه أصابع الاتهام للفقهاء بالوقوف خلف تشكيل الخلايا العسكرية شمال الضفة الغربية خلال السنوات القليلة الماضية، وقد ذكر أحد النشطاء الحقوقيين المتابعين لشؤون الأسرى بأن تحقيقات الاحتلال مع خلايا المقاومة الفلسطينية كانت تبدأ وتنتهي باسم مازن الفقهاء.

من الواضح أن استهداف الأسرى المحررين كان ولا يزال على رأس أجندة الاحتلال، وربما يكون الاغتيال تنفيذا لتوصيات غير معلنة فيما يخص التعامل مع ملف جنود الاحتلال الأسرى في القطاع، وتطورا نوعيا في التعامل مع محرري وفاء الأحرار خارج الضفة الغربية، ومحاولة أكيدة لردعهم عن الاستمرار في مقاومة الاحتلال وعن تسخير خبرتهم لتطوير المقاومة وجعلها أكثر إيلاما للاحتلال.

شكل اختيار زميل الفقهاء المحرر يحيى السنوار قائدا لحركة "حماس" في القطاع معضلة للدوائر الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال، وبينما يعتبر هذا الاغتيال تهديدا شخصيا له إلا أنه اختبار قيادي خطير في مرحلة سياسية بالغة الدقة يلجأ فيها الاحتلال إلى انتهاج سلوك حافة المواجهة وفرض قواعد اشتباك جديدة.

طرحت طبيعة الاغتيال تحديات أمنية كبيرة حول كيفية دخول وخروج منفذي الاغتيال من القطاع، فربما يكون المنفذون استخدموا وثائق سفر فلسطينية أو أجنبية، أو استخدموا نفقا، أو الغوص عبر البحر (أذكر أن وزير الداخلية السابق ذكر أنه تم إحباط محاولات مشابهة)، وقد يكونون استخدموا ملابس شبيهة بما تلبسها الأجهزة الأمنية والعسكرية مثلما جرى في لبنان، وقد يكون غير ذلك، ولكن من الواضح أن هناك تقصيرا أمنيا في حماية شخص مهدد علانية من قبل الاحتلال بالاغتيال.

لا شك بأن هذا الاغتيال عبارة عن محاولة من الاحتلال لثبيت معادلة جديدة في الصراع مع الحق الفلسطيني، وهو سلوك تم استخدامه سابقا، ولكن طبيعة الأحداث الثورية عبر تاريخ القضية الفلسطينية بينت عجز هذا الأسلوب وغيره في إخضاع الشعب الفلسطيني.

سلط الاغتيال الضوء على ظاهرة الخونة وحجم الخطر الذي يشكلونه على السلم الأهلي الفلسطيني، فلولا الدعم الاستخباري واللوجستي الذي تم تقديمه منهم لما تم الاغتيال.

يلاحظ أن مخابرات الاحتلال تلجأ قبل وبعد كل عملية اغتيال لقائد فلسطيني إلى نشر اتصالات وتسريبات وإشاعات منسقة تهدف إلى إرباك وحرف مسار التحقيق، ومن الواضح أن ما يجري بعد عملية اغتيال الفقهاء استنساخ للسياسات الأمنية السابقة.

ربما تكون عملية الاغتيال محاولة للتعويض بعد تقريع تقرير مراقب الدولة العبرية للقيادتين السياسية والأمنية لأدائهما السيئ خلال العدوان على قطاع غزة عام 2014م، وتعتبر هذه العملية كمحاولة من جهاز المخابرات للتغطية على أضرار تكتيكية وأخرى استراتيجية تسببت بها لهم المقاومة الفلسطينية حينها.

إن مسألة الاعتقال والشهادة ترافقان عقل وقلب رجال المقاومة الفلسطينية منذ بداية طريقهم وحتى نهايته، ولم يكن الفقهاء إلا واحدا من هؤلاء الذين كانت مفردات خطابهم مليئة بتلك المصطلحات، ولم تدرك كل قوى الظلم والاحتلال في العالم بأنه قد تقتل من يقاتلها، ولكنها لن تقتل قضيته.

صلاح حميدة

 

من نفس القسم دولي