الوطن

الأحزاب تنتج "خطابات تودد" للسلطة قبيل شهر واحد عن التشريعيات

رؤساؤها ساروا على توجهات سياسية متوافقة

تتخذ الساحة الوطنية، في الآونة الأخيرة، "شكلا جديدا" من خطابات الأحزاب، تزامنا مع اقتراب موعد تشريعيات 4 ماي المقبل. ولعل اللافت في خطابات رؤساء الأحزاب، خلال الأسبوع الجاري، "التركيز على أهمية التشريعيات كمحطة فاعلة للحفظ على أمن واستقرار الجزائر"، ناهيك عن "اعتبارها فرصة للخروج من الأزمة متعددة الأبعاد". ويبرز في هذا السياق، موقف أحزاب كانت محسوبة في وقت قريب على "المعارضة" التي تبنت "مواقف أكثر راديكالية" بعيدة عن الحوار مع السلطة، فخطاب رئيسي حركة حمس والأرسيدي، مثلا، "أخذ شكل التوافق مع السلطة والتودد، مع الحرص على المشاركة في الحكومة المقبلة"، وفق قراءات مراقبين، أما حزب العمال والأمبيا والأفلان والأرندي "فجمعهم تفويت الفرصة على الأيادي الخارجية بالمشاركة في التشريعيات"، وهو ما يعتبره مراقبون "انسجام الأحزاب بما فيها المعارضة والموالاة مع طبيعة المشاركة في التشريعيات وليس توجها سياسيا موحدا"، فأي مستقبل تريده الأحزاب بعد تشريعيات 4 ماي المقبل في ظل توجهات الناخبين وتقاربها مع السلطة؟.

فقبيل 15 يوما فقط عن انطلاق الحملة الانتخابية وفق آجالها القانونية المحددة بتاريخ 9 أفريل إلى غاية 30 من الشهر، أنتجت الطبقة السياسية "خطابات متقاربة" في التوجهات والتبريرات لمشاركتها في انتخابات 4 ماي المقبل، فبغض النظر عن حساسية المرحلة الراهنة التي تتزامن مع التحضير للتشريعيات، في ظل أزمة متعددة الجوانب اقتصاديا واجتماعيا وحتى أمنيا، سارعت أحزاب محسوبة على المعارضة إلى تبني ثلاثة توجهات جديدة في خطاباتها، وفق مراقبين، أهمها أن التشريعيات محطة حاسمة لما بعدها سياسيا، وهو ما ذكره الأفلان بأن التشريعيات لها علاقة مباشرة برئاسيات 2019، والتوجه الثاني اقتصادي اجتماعي بحكم أن التشريعيات هي فرصة للخروج من الأزمة المالية التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن واقتصاد الدولة، وفي نقطة ثالثة، الوضع الإقليمي المتردي أمنيا الذي جاءت فيه التشريعيات وضرورة الحفاظ على أمن واستقرار البلاد بضمان مصداقية المؤسسات وفعاليتها.

 

حنون وبن يونس: المشاركة في التشريعيات هو تصدي للأيادي الخارجية

 وفي السياق، حمل خطاب زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، "دلالات تخويفية" من المرحلة الراهنة وانعكاساتها على التشريعيات، وقالت حنون: "المشاركة القوية في تشريعيات 4 ماي المقبل هي من أجل التصدي للمخططات التي تسعى إلى ضرب استقرار الجزائر"، أضافت: "خوض غمار التشريعيات القادمة يندرج في إطار التصدي للمخططات الداخلية التي تستهدف الأمة وتمهد الطريق نحو التدخل الأجنبي". وفي السياق ذاته ختمت بالجانب الاقتصادي الاجتماعي، بأن "إقناع المواطنين بأهمية المشاركة في الاستحقاق ضرورة للحفاظ على المكتسبات المسترجعة وعلى رأسها الأمن والاستقرار". وذهب عمارة بن يونس، الأمين العام للحركة الشعبية الجزائرية، في نفس خطاب حنون، في حديثه عن أهمية المشاركة في التشريعيات، وقال بشأنها: "المشاركة بقوة ستنقذ البلاد من العودة إلى سنوات التسعينات، كما ستجنب العودة إلى نظام الحزب الواحد"، وأضاف: "يجب إعطاء الشرعية للبرلمان المقبل الذي ستنبثق عنه حكومة تسير البلاد والعباد، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن"، مضيفا: "الوضع الاقتصادي سيكون صعبا على الجزائريين، في ظل عدم استقرار أسعار البترول، ويجب على الشعب والشباب التشمير على سواعدهم لخلق ثروة بديلة والخروج من الأزمة".

ويبرز في سياق خطاب بن يونس وحنون "التقارب" في التوجهات السياسية للحزبين وموقفهما من التشريعيات، رغم أنهما مختلفان جذريا في القناعات السياسية بحكم أن حزب العمال يساري معارض، والأمبيا حزب ليبيرالي من الموالاة، ما دفع ملاحظين إلى التساؤل عن "جدوى خطابات التخويف بالأيادي الخارجية رغم أن توجهات الحزبين تغلب عليها المواضيع الاقتصادية الاجتماعية".

 

بلعيد وتواتي: توافق على المشاركة لانتخاب مؤسسات قوية بعيدا عن هيمنة الموالاة

أما على صعيد الأحزاب الوطنية، فتقارب حزبا جبهة المستقبل والجبهة الوطنية الجزائرية في الدعوة إلى "التغيير الهادئ وديمقراطية المؤسسات". وقال رئيس حزب جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، أن "حزبه بالمشاركة في التشريعيات يسعى لتغيير الممارسات غير الأخلاقية بعيدا عن العنف، وإنتاج برلمان قوي ومؤسسات قوية"، منددا في الوقت ذاته "بالممارسات الجهوية الضيقة وشراء الذمم والوصول إلى الحكم عن طريق الثراء"، مضيفا أن "الوقت لا يسمح بالاستمرار في انتقاد أداء الحكومة وأخطائها، بل إيصال الرسالة الصادقة إلى الشعب"، في إشارة إلى مشاركة حزبه في الحكومة بعد تشريعيات 4 ماي المقبل.

وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، حين اعتبر أن حزبه "يعاني من الضغوطات الممارسة ضده خصوصا أنه رافض للفساد وسلب الشعب إرادته"، مضيفا: "يجب إعادة السلطة للشعب بعيدا عن هيمنة الموالاة"، مضيفا: "برنامجنا يعتمد على الجانب الاجتماعي بشكل كبير، فنحن نريد إعطاء المواطن مكانته الحقيقة خاصة بعد انهيار القدرة الشرائية"، وسياسيا ركز تواتي على "المرحلة التي تعيشها الجزائر والعمل على استعادة السلطة لصالح الشعب عوض ترك هيمنة فئة عليها"، وهو مطلب رفعه تواتي وبلعيد بعيدا عن خطابات التخويف من تهديد أمن واستقرار الجزائر وخطابات ما بعد التشريعيات بالتحضير لرئاسيات 2019.

 

مقري وتحالف الاتحاد والإصلاح: عين على التشريعيات وعين على الحكومة المقبلة

أما على صعيد الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي، فرئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، أطلق تصريحات "جديدة وغير مسبوقة" بدعوته السلطة إلى "تنظيم انتخابات نزيهة مقابل العمل معها والذهاب إلى المستقبل"، في إشارة صريحة إلى مشاركة الحركة في الحكومة المقبلة والعودة إلى أحضانها بعد 5 سنوات من القطيعة، واعتبر مقري أن "حمس ليست من عشاق السلطة والكرسي، ولا تريد إدخال الجزائر في دوامة العنف"، مضيفا: "سوف نفوز بالانتخابات ونحصد المراتب الأولى، فالفرق بيننا وبين التجمع الوطني الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني أن كلاهما لديه سند السلطة، ونحن لنا المناضلون"، فيما انتقد زميله في التحالف عبد المجيد مناصرة "الحديث عن الرئاسيات في عز التحضير للتشريعيات"، معتبرا أن هذه "الانتخابات عرفت بداية مفخخة"، في إشارة إلى تصريح ولد عباس.

أما تحالف الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والتنمية، فاستبق خطابات المعارضة منذ الوهلة الأولى للتشريعيات (شهر جانفي الفارط) بالدعوة إلى "توافق وطني وتوسيع قاعدة الحكم وتوحيد الجبهة الوطنية"، في إشارة صريحة إلى القبول بشروط السلطة في تشكيل الحكومة المقبلة مقابل ضمان نزاهة التشريعيات والتوجه إلى مرحلة جديدة فيما بعد التشريعيات، وحمل خطاب قادة الاتحاد "رسائل الاطمئنان تجاه تحالف الاتحاد باعتباره فرصة لتجفيف منابع الغلو والإرهاب والاستبداد والأحادية وترشيد المؤسسات ودفع عجلة التنمية وتوسيع قاعدة الحكم"، وهي رسائل مهمة للسلطة والأحزاب لعدة اعتبارات، أهمها أن "تمتين الجبهة الداخلية والحضور الشعبي الإيجابي وحماية الاستقرار والأمة القومي والوحدة الوطنية وتأمين العبور الآمن للمستقبل" هي منطلقات لكل الأحزاب حتى تلك الرافضة للمشاركة في الحكومة.

أما رئيس حركة الإصلاح الوطني، فيلالي غويني، فذهب في نفس اتجاه سابقيه، فأشاد في عدة مناسبات بإنجازات الحكومة ومشروع السلم والمصالحة الوطنية باعتبارهما "نجاحا للجزائر وتجاوز الأزمات الإقليمية". وذكر غويني أن "حث المواطنين على الإقبال بقوة على صناديق الاقتراع والمشاركة في صنع القرار هو كذلك نجاح للجزائر". وتأتي تصريحات غويني في وقت هيئة التشاور والمتابعة "أبرز المعارضين لمسار المرحلة الحالية للجزائر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا". وركز المتحدث في خطاباته أن "أولوية المرحلة الراهنة هي إنجاح الانتخابات، لأن حزبه طوى صفحة الماضي والمأساة الوطنية لن تعود مجددا، كون الجزائريين حفظوا الدرس جيدا واكتسبوا مناعة ضد كل ما يهدد استقرار الوطن ووحدته".

ومن خلال توجهات الأحزاب وفقا لخطابات المرحلة الحالية، يرى مراقبون أن "انسجام قرار المشاركة في التشريعيات قد يكون هو الدافع الحقيقي لتغيير نمط وشكل الخطاب السياسي"، في حين يعتبر آخرون أن "الأحزاب تتسابق للمشاركة في الحكومة المقبلة من منطلق تجرتها الواقعية مع المعارضة على غرار هيئة التشاور وتنسيقية الانتقال الديمقراطي".

يونس بن شلابي 
 

من نفس القسم الوطن