الوطن

هيئة دربال تتشبع بـ"الصلاحيات الإدارية" على حساب "المهام السياسية"

قانونيون وأحزاب يؤكدون حاجة العملية الانتخابية إلى إرادة سياسية

بن عبو: الهيئة العليا ليس لها هامش للسلطة التقديرية في نصوص القوانين

تحالف الاتحاد: يجب تدارك مهام هيئة دربال قبل المراحل القادمة للتشريعيات 

 

اقتصرت مواد النظام الداخلي للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات على مادتين فقط بصلاحيات "شبه سياسية"، هما المادة 41-1 والمادة 44 المتعلقتان بالتدخل تلقائيا أو بإخطار من الأحزاب أو الناخبين ضد كل فعل يمس بنزاهة الانتخابات وشفافيتها، لكن اللافت في نصوص النظام الداخلي تركيزه على صلاحيات واسعة لرئيس الهيئة على حساب الأعضاء الدائمين والمداومات الولائية، ما اعتبره قانونيون أن "الإرادة السياسية أكدت على تمركز القرار السياسي في شخص رئيس الهيئة المعين بمرسوم رئاسي"، في حين أرجعه سياسيون إلى "غياب الآليات لتنفيذ قراراتها وتمثيلها السياسي، وجعل المداومات مجرد متفرج على العملية الانتخابية وليس مؤثرا فيها".

ويحتوي النظام الداخلي للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، المؤرخ في 22 جانفي 2017، والمنشور في الجريدة الرسمية رقم 13 بتاريخ 26 فيفري 2017، على 58 مادة و10 فصول، غالبيتها تتعلق بالتنظيم الداخلي للهيئة وآليات عملها وسيرها والتعويضات المالية لأعضائها وكيفية اختيارهم. وجاء في المادة 2: "تتولى الهيئة العليا، في إطار الصلاحيات المخولة لها، مهمة السهر على شفافية الانتخابات ونزاهتها، والتأكد من احترام جميع المتدخلين في العلمية الانتخابية، من هيئات ومؤسسات إدارية وأحزاب سياسية ومترشحين وناخبين، لأحكام القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات ونصوصه التطبيقية منذ استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للاقتراع". وشكلت هذه المادة الإطار العام لنصوص النظام الداخلي، إلا أن معظم المواد لم تتطرق إلى الجانب السياسي لعمل الهيئة العليا، واقتصار كل المواد على مهام وصلاحيات إدارية وتقنية وأخرى تنظيمية في تعيين الأعضاء وتنحيتهم وحدود مهامهم.

وفيما شكلت المادة 41 في فقرتها الأولى الاستثناء بمهام "شبه سياسية"، حسب قراءات قانونيين وسياسيين، والتي تنص على ما يلي: "تكلف المداومات في إطار ممارسة مهامها، على الخصوص بما يأتي: التدخل تلقائيا أو بناء على إخطار كتابي من الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات أو المترشحين، أو كل ناخب". واعتبرت قراءات الأحزاب هذه المادة على أنها "صلاحيات مبتورة لمنسقي المداومات، في ظل غياب الآليات لتنفيذ قراراتها". وأضافت: "في غياب الآليات الحقيقية لتنفيذ القرارات، تصبح الهيئة مجرد غرفة تسجيل تابعة للإدارة أو اكتفائها بإخطار العدالة، وبالتالي لا يمكنها تحديد القرارات وتنفيذها وفق السلطة التقديرية المحددة بصلاحياتها الدستورية والقانونية". أما المادة 44 فجاء فيها: "عندما يعاين أعضاء الهيئة العليا خرقا يمس شفافية ونزاهة العملية الانتخابية، يحررون تقريرا مفصلا، يرفع إلى اللجنة الدائمة أو المداومة، للفصل فيه فورا". ورغم أن هذه المادة تمنح الأعضاء "هامش تحرك ضمن السلطة التقديرية للهيئة"، إلا أنها تفتقد كذلك لآليات التنفيذ والتي تتمركز في يد الإدارة والعدالة، معتبرين أن "المرحلة الأولى للعملية الانتخابية التي بدأت منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى نهاية مرحلة الطعون قبل يومين، دليل ملموس وواقعي على محدودية صلاحيات الهيئة". 

 

بن عبو: صلاحيات الهيئة تقنية وإدارية خالية من السلطة التقديرية 

ففي الجانب القانوني، اعتبرت الخبيرة في القانون الدستوري، فتيحة بن عبو، أن "نصوص النظام الداخلي المنشورة في الجريدة الرسمية لا تحمل تناقضا بين صلاحيات في الدستور والقانون العضوي للهيئة، لأن دورها ليس سياسيا بل ملاحظ بصفة غير سياسية". وأضافت: "ممارسة صلاحيات ومهام الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات تتعلق بالخروقات الميكانيكية، وبالتالي عدم وجود صلاحيات سياسية في النظام الداخلي والقانون العضوي أمر طبيعي ومنطقي". وعن المهام المدرجة في النظام الداخلي للهيئة، قالت الأستاذة بن عبو: "الإضرار بالعملية الانتخابية هو جنحة وجناية، وبالتالي لا تحتاج الهيئة إلى صلاحيات سياسية للتدخل، والدور السياسي يكون منوطا فقط بهيئة مراقبة مثلما حدث سابقا".

وعن غياب نصوص قانونية تمنح الهيئة وأعضاءها هامش تحرك واسعا للمراقبة وتطبيق قراراتها، قالت الأستاذة بن عبو: "السلطة التقديرية تكون في الصلاحيات الأوسع من الصلاحيات التقنية، وهذا غير موجود في مهام الهيئة، وبالتالي السلطة التقديرية تكون من خلال تفسير النصوص القانونية والخروج من إطار النص، وفي هذه الحالة الهيئة لا تستطيع الخروج من النص". وأضافت: "النصوص القانونية للهيئة والنظام الداخلي ظاهرة ولا تحتاج إلى قراءة أو تفسير لأنها نصوص تقنية، وهذا ما يجعلها بعيدة عن الاجتهاد والدور السياسي، ويرتكز عملها على احترام الأمور التقنية والإدارية فقط".

وعن تمركز كل الصلاحيات في النظام الداخلي لدى رئيس الهيئة رغم أنها هيئة دستورية مستقلة، قالت الخبيرة في القانون الدستوري: "دستورية الهيئة منحها صلاحيات عامة، وتعيين رئيسها من طرف رئيس الجمهورية يشدد على غياب الإرادة السياسية لجعلها هيئة مستقلة، فالقرار السياسي للهيئة متمركز في يد رئيسها للتحكم في عملها وضمان عدم خروجها عن الخطوط المحددة لها". وأضافت: "في القانون العضوي تتشكل الهيئة من 410 عضو، وأكيد أن رئيس الجمهورية لا يعرف توجهات أعضائها، لذلك كان الاستقرار على هيئة رئاسية مثلما يعرف في الفقه الدستوري". وجددت: "من المفروض أن الصلاحيات التقنية لا تحتاج إلى ترخيص من رئيس الهيئة للأعضاء للتحرك، وهذا يبرز غياب حرية التعبير وحرية العمل، رغم أن الشخصيات المشكلة لها مستقلة".

وعن شكل التحقيقات التي منحتها المادة 43 من القانون العضوي للهيئة، قالت الأستاذة بن عبو: "لا يمكن أن يكون التحقيق الذي تجريه الهيئة تحقيقا قضائيا"، مضيفة: "التحقيقات تقتصر على التحقيق الإداري فقط، أما التحقيق القضائي فالهيئة لها صلاحية اختيار النائب العام للإخطار فقط، وهذا يؤكد مهامها كلجنة إدارية تقنية بقرارات إدارية".

 

بن خلاف: هيئة دربال تفتقد للدور السياسي وآليات تنفيذ قراراتها 

أما في الجانب السياسي، فجدد القيادي في تحالف الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، مخاوف الطبقة السياسية من "اقتصار مهام وصلاحيات الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات على الدور التقني والإداري، بعيدا عن الدور الأساسي وهو تنفيذ الإرادة السياسية للسلطة لانتخابات شفافة ونزيهة". وأضاف: "النظام الداخلي متوقع لأنه يؤكد ويشرح ما جاء به الدستور والقانون العضوي للهيئة، ويرسخ المهام الإدارية والتقنية ومرافقة الإدارة في تنظيم الانتخابات لا أكثر ولا أقل". واعتبر بن خلاف أن "هيئة دربال لها مهمة أساسية هي مراقبة مدى تطبيق القانون من قبل الإدارة، لكن المشكلة أنها ليست لها آليات لتنفيذ هذا القرار". وفصل المتحدث في مهام الهيئة خلال المرحلة الأولى من العلمية الانتخابية، قائلا: "في المرحلة الأولى خلال جمع التوقيعات ووضع القوائم والطعون، سجلنا عدة خروقات من طرف الإدارة والأحزاب، لكن الهيئة بقيت صامتة ولم تتدخل، واكتفت بتوجيه النصائح"، مضيفا: "الأمور معروفة أن الطعون توجه للعدالة وبالتالي الهيئة لم تأت بالجديد".

وعن الصلاحيات والمهام المفصلة في النظام الداخلي، قال بن خلاف: "هذه المهام والصلاحيات ليست لها الآليات الحقيقية لتنفيذ القرارات ومراقبة الانتخابات، وليس لها العدد الكافي لتنفيذ سياساتها بل مجرد مرافقة للإدارة وإضفاء الشرعية على العملية الانتخابية". وأضاف: "في الانتخابات السابقة كان المجال مفتوح أمام لجنة الإشراف (القضاة) ولجنة المراقبة (الأحزاب) للتدخل وإلزام الإدارة بحل المشاكل والتحرك سياسيا، لكن في هيئة دربال لاحظنا عدم التحرك"، مطالبا: "يجب تدارك عملها ومهامها في المراحل المقبلة من العملية الانتخابية في تشريعيات 4 ماي". وعن تمركز الصلاحيات في يد رئيس الهيئة، قال بن خلاف: "هذا يجعل المداومات والأعضاء مجرد متفرجين ولا يمكنها تنظيم انتخابات نزيهة بهذه المهام والصلاحيات المحصورة"، مضيفا: "الهيئة ومداوماتها ليست لها آليات لتمثيل سياساتها وفرض نفسها في الواقع واتخاذ قرارات مناسبة وملزمة للإدارة والأحزاب".

يونس بن شلابي 
 

من نفس القسم الوطن