دولي

أي مآل لوحدة الحال الفلسطيني؟

**القلم الفلسطيني

في الوقت الذي يتمتع فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني بمزيدٍ من عوامل القوة والاستقرار والمنعة الاستراتيجية الشاملة نسبياً، بالنظر إلى ما بلغه الوضع العربي الشعبي والرسمي، على حد سواء، من تفكك وانهيار وضعف في مكامن قوته المفترضة، كما وبالنظر إلى الوضع الإقليمي المشغول بذاته، وبأنظمته وفي أحواله الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة سوءاً، وفقداناً للسيادة والقابلية للتطور، وكذا بالنظر إلى انتعاش الشعبويات العنصرية، وصعود بعض قوى اليمين المتطرّف، على حساب التوجهات والأحزاب الليبرالية والوسطية وبقايا اليسار. في ظل وضعٍ كهذا، يؤكد الوضع الوطني الفلسطيني ليس تأثره بهذا كله، بل هو يتجه نحو مزيد من فقدانه اتزانه واتجاهه، وقدرته على تصويب بوصلته نحو أهدافه الوطنية التي جرى التوافق عليها في مراحل سابقة بين جميع أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، وها هو النظام السياسي يوشك أن يفقد مستقبله، بالنظر إلى ما يحيط به من انقسامات سياسية وجغرافية، وعبر مزيد من الخطوات الانقسامية المضافة، وإصرار أطرافه الرئيسة على التمسّك بسلطة "الأمر الواقع"، وتصفيحها وكأنها نهاية مطاف السلطة، لاصطفافها السياسي الأخير، على أهداف فئوية وفصائلية خاصة، انعدمت معها فعالية النظام السياسي بشقيه، حتى باتت بعض المؤتمرات الخارجية المدعومة من قوى إقليمية، تتجرأ على اقتحام حصون المؤسسات الوطنية جميعها، وهي المشلولة بالأساس منذ ما بعد "أوسلو"، وها هي تواصل تفكّكها وانفكاكها، كل ما أوغل الخارج في البحث عن مواطئ أقدام له بعيداً عن هيمنة قوى سلطوية في الداخل، هي ذاتها مفكّكة ولا تجمعها حتى روابط المصالح الخاصة.  في وقتٍ نجد فيه أن المشروع الإسلاموي النقيض "يتقدم" على حساب المشروع الوطني، حين يجرى التعاطي معه باستعلاء وعنجهية، على الرغم من كل معطيات صراع تغيرت ملامحه عمّا كانت طوال سنوات الكفاح الأولى، أيام كان النضال الوطني يخاض عبر مناضلين أشداء متمرسين في مهامهم الكفاحية، وليس عبر موظفين وقوى قمع أمنية يقف لهم سيف السلطة بالمرصاد، في حال "انحرافهم" قيد أنملة عن الخط الذي ترسمه السلطة لموظفيها. وفي هذه الحالة، لم يعد أمام الموظفين سوى الخضوع بدون نقاش، وإلا فالعزل وقطع الأرزاق من قطع الأعناق. 

ما وصل إليه الحال الفلسطيني بفعل الاستبداد، بات يستدعي وقفة حاسمة في مواجهة كامل منغصات الخروج على القانون الدستوري، وعدم التقيد بمحدّداته وقيوده المانعة وأطره الناظمة، وقد بات التنسيق الأمني مع العدو يصيب المؤسسات الوطنية بأعطابٍ لا حدود لها، وصلت إلى حد إبلاغ نواب من كتلة فتح البرلمانية بمنع إصدار تصاريح لهم من الاحتلال الإسرائيلي لأسبابٍ أمنية، بناء على طلب رسمي من الطرف الفلسطيني، ومن جهات عليا فيه، من دون أن يكون لدى الاحتلال أي موانع أمنية لاستمرار إصدار هذه التصاريح التي تمكّن النواب من التنقل بين شقي الوطن، بحسب ما جاء في تصريح للنواب المعنيين بالأمر.  بالإضافة إلى هذا السلوك المشين، هناك ممارسات قمعية وإرهابية، تقوم بها أجهزة أمن السلطة، ضد كل معارضةٍ ضمن صفوف كوادر حركة فتح ومناضليه، ليتضح أنه، وفي أعقاب المؤتمر السابع، أريد إنجاز تحويل الحركة إلى منظمةٍ شموليةٍ مغلقة، مع الخضوع لأمر واقع اقتسام تركة النظام السياسي الفلسطيني مع حركة حماس، وتحويله إلى نظام شمولي في الضفة وظلامي في غزة.  لا يجعل هذا كله المشروع الوطني بخير، وبالتالي لا يجعل من القوى المفترض أنها صاحبة المصلحة الأكيدة في الحفاظ عليه، والحرص على إنجازه، تتمكن من أن تقوى على مواجهة أهداف تشكيلة الجبهات المعادية بمشاريعها المختلفة؛ من جبهة العدو الاستيطاني الاحتلالي والإحلالي، إلى جبهة المتآمرين على قضية شعب ووطن من أنظمة الاستبداد السياسية والطائفية، وصولاً إلى عماء المشروع أو المشاريع الأيديولوجية الإسلاموية "الداعشية" منها والظلامية، وهي تقف بالمرصاد لوطنية شعبٍ، لا تعبأ كثيراً ولا قليلاً بقضيته وهويته، في تأكيدٍ منها على تديين السياسة وإظلامها و"دعشنتها" لدى بعض إسلامويي بلادنا، بكل ما يعنيه هذا التديين من تعمّد المقامرة بـخسارة قضايا شعوبنا وهويتها الوطنية، امتداداً من إثارة نعرات الفتنة في مخيمات لبنان، بدءاً مما جرى لمخيم نهر البارد، وما يخطط لأن يجري لمخيم عين الحلوة الآن، على أيدي الظلاميين الإسلاميين وداعميهم. فهل من صحوة قبل فوات الأوان لدى رواد المشروع الوطني؟ صحوة كفيلة بإنقاذه ووضع حد لعبث العابثين، ووقف تدخلات الظلاميين وتداخلاتهم، واعتداءاتهم المتواصلة على القيم الوطنية التي تجمع الشعب الفلسطيني وقضيته الأقدس في مقاومة الاحتلال، لفرض تراجعاتٍ استراتيجية عليه، بما تنطوي عليه تلك التراجعات من تقديمه تنازلاتٍ تتيح تحقيق بعض الأماني والتطلعات الوطنية الفلسطينية، قبل أن تختفي وظيفة المشروع الوطني، وفي طياته مقاومة الثورة المسلحة، من دون أن تتحقق الدولة المستقلة العتيدة المنشودة.

ماجد الشيخ 
 

من نفس القسم دولي