دولي
الفصل العنصري في إسرائيل-شجاعة في زمن الجبناء
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 مارس 2017
بعد تقرير «الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدالة» الذي أنجزته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) في نهاية ديسمبر 2016، جاء تقرير الإسكوا الجديد المنشور على موقع اللجنة، ليحدد مصدر الأذى الذي لحق بالشعب الفلسطيني، ويعرّف "إسرائيل" بلا مواربة بأنها دولة فصل عنصري (أبرتايد). وكما باعد الأمين العام السابق بان كي مون، نفسه عن التقرير السابق، قام الأمين العام الحالي، أنطونيو غوتيريش، بمباعدة نفسه عن التقرير الحالي. الحكاية نفسها والمشهد نفسه – عندما تدين الحقائق نظام الطغاة العرب أو نظام الفصل العنصري، تختار المنظمة الدولية ممثلة بأمينها العام أن تقف إلى جانب الظالم ضد المظلوم، ولا أعرف كم بقي لها من رأسمال خلقي لتستخدمه في حل النزاعات. إن التقرير باختصار صرخة شجاعة في زمن كثر فيه الجبناء والمنافقون والمطبعون والمهرولون والمتآمرون على قضية الشعب الفلسطيني العادلة.
ولا بد في البداية من أن نوجه التحية للشجاعة التي تحلت بها الدكتورة ريما خلف، التي قادت الإسكوا منذ عام 2010 في عصر انحراف البوصلة عن جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، وحاولت من خلال هذه التقارير رغم الهجومات الإسرائيلية عليها أن تنتصر للحقيقة حتى لو كان الثمن باهظاً. تأملوا وضع السلطة الفلسطينية التي تقتصر مهمتها على حماية أمن "إسرائيل"، وانظروا إلى حالة الجامعة العربية، الغائب الحاضر أبداً، التي بعد تعيين أحمد أبو الغيط «لم تعد لا جامعة ولا عربية». أما الأمم المتحدة في عهد سيئ الذكر بان كي مون، فقد تحولت تدريجياً إلى منظمة تراعي مصالح "إسرائيل" وتتحاشى إغضابها، وتعامل الفلسطينيين كأنهم هم الذين يحتلون "تل أبيب" ويقصفون سيدروت بالنووي.
نيكولاي ملادينوف الممثل الخاص للأمم المتحدة في فلسطين المحتلة، مهمته حالياً تتبع أي حركة فلسطينية رافضة للاحتلال، لإصدار البيانات القوية لإدانتها، لكنه في الوقت نفسه يغمض عينيه عن كل الجرائم التي ترتكبها "إسرائيل" في حق الشعب الفلسطيني، إلا إذا كان الحدث كبيرا بحجم حرق عائلة الدوابشة في بلدة دوما. نشرت الإسكوا النسخة الإنكليزية للتقرير تحت عنوان «فلسطين والاحتلال الإسرائيلي- النشرة رقم واحد: الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطيني ونظام الفصل العنصري». والتقرير مكون من 74 صفحة، بما في ذلك ملحقان مهمان، الأول تحت عنوان «دراسة أنجزت عام 2009 قام بها مجلس بحوث العلوم الإنسانية في جنوب إفريقيا» بطلب من وزارة الخارجية، ونشر تحت عنوان «الاحتلال، الكولونيالية والفصل العنصري – إعادة تقييم الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة على ضوء القانون الدولي». والملحق الثاني بعنوان «أي دولة» يناقش فيها مرجعية الدولة التي يتم التمييز في إطارها ضد الفلسطينيين، فهل هي فلسطين تحت الانتداب البريطاني؟ أم دولة قرار التقسيم 181؟ أم "إسرائيل" الحالية التي ضمت شرقي وتحتل أراضي الضفة الغربية وغزة؟ أما الجزء الأساسي من التقرير فينقسم إلى ثلاثة أقسام – الجزء الأول يتعلق بنظام الأبرتهايد وتعريفه ونبذة تاريخية عنه.
والجزء الثاني يتمثل في محاججة قانونية في انطباق نظام الأبرتهايد على "إسرائيل" بدون أدنى شك، حيث يعطي الكثير من الأمثلة والدلائل والقرائن، ويرد على الحجج المناهضة. والقسم الثالث عبارة عن توصيات موجهة للأمم المتحدة والدول الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني. أعدت الدراسة الحالية شخصيتان مميزتان دولياً: أستاذ القانون الدولي في جامعة برينستون بنيوجرسي ريشارد فولك، وقد شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة، المكلف برصد انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين عامي 2008 و2014 ورفضت "إسرائيل" التعاون معه على الإطلاق. وفرجينيا تيلي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة جنوب إلينوي وصاحبة كتاب «حل الدولة الواحدة». كما أنجزت الدراسة المذكورة أعلاه لصالح جنوب إفريقيا حول نظام الفصل العنصري الذي تمارسه "إسرائيل" ضد الفلسطينيين. وساعد في إنجاز هذا التقرير عدد من الباحثين والمراجعين العرب.
يرتكز التقرير على قوانين حقوق الإنسان الدولية نفسها، التي ترفض معاداة السامية والتمييز العنصري، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والمعاهدة الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري (1965). ويعتمد التقرير في تعريف نظام الأبرتهايد على «الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة الفصل العنصري» (1973) التي تعرّف الأبرتهايد على أنه «كل الأفعال غير الإنسانية التي ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي، والسيطرة المنهجية، من جانب مجموعة عرقية واحدة ضد جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام». يؤكد التقرير أن نظام الأبرتهايد مرفوض عالميا، وقد تعرض لضربة قاسية بسقوط ذلك النظام في جنوب أفريقيا، لكنه لم يختف تماما.
ولذلك أكد نظام روما الأساسي لعام 1998 الذي أنشئت بموجبه محكمة الجنايات الدولية، على أن نظام الأبرتهايد هو عمل مؤسسي يخدم «مقصد» الهيمنة العرقية. ولذلك يبحث التقرير عوامل انطباق التعريف على إسرائيل، حتى بدون العامل الفلسطيني، خاصة «مبدأ الدولة اليهودية كما يعبر عنه القانون الإسرائيلي ومؤسسات الدولة، بما لا يترك مجالاً لأي شك أن المقصد هو إبقاء الهيمنة لمجموعة على مجموعة أخرى.