دولي

معالييه أدوميم ونكسة ما بعد الضم

القلم الفلسطيني

 

تمر القضية الفلسطينية بظروف هي الأسوأ منذ عشرات السنين، وذلك من حيث السلوك الذي تنتهجه المؤسسة الاحتلالية فيما يتعلق بالضفة الغربية المحتلة. لقد استغلت الحكومات الإسرائيلية في العقد الأخير الحالة الفلسطينية المتهالكة الناتجة عن عديد من الأمور، وعلى رأسها غياب الدور القيادي المؤثر لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي تلاشى بعد تأسيس السلطة الفلسطينية وليدة اتفاقيات أوسلو، حيث ذابت المنظمة في أدراج السلطة ولا يكاد يسمع لها صوت إلّا فيما يتعلق بالاستقطاب السياسي الفلسطيني الداخلي، ووصلت الأمور إلى أن تتلقى المنظمة ميزانيتها من ميزانية السلطة الفلسطينية. كما أنّ دولة الاحتلال استغلت الانقسام الفلسطيني بين الضفة وقطاع غزة، والذي أوهن الجسد الفلسطيني وأضعف الموقف السياسي الذي من شأنه أن يتكئ على قاعدة شعبية وفصائلية عريضة، تتيح لمتخذ القرار الفلسطيني أن يناور ويعدد من خياراته المحدودة التي انحصرت في الالتزام بما وقعت عليه السلطة الفلسطينية وقيدت نفسها به من التزامات سياسية وأمنية ظهر فيما بعد أنها تتمسك بها من طرف واحد. تسعى الحكومة الإسرائيلية للمضي قدماً في إتمام وإكمال مخططاتها الاستيطانية في الضفة الغربية التي تنطلق من مفهوم السيطرة والهيمنة على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية، وذلك في تراجع تام عمّا تمّ التوقيع عليه في اتفاقيات أوسلو بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وبين الحكومة الإسرائيلية آنذاك. تندفع الحكومة الاسرائيلية نحو ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية هي من المفروض أن تكون ضمن أراضي الدولة الفلسطينية المتفق على إقامتها كمحصلة نهائية للمفاوضات التي دارت خلال أكثر من عقدين من الزمان، مستغلة الدعم الأمريكي اللامحدود والذي تضاعف عقب انتخاب الرئيس الجمهوري المنحاز دونالد ترامب، وفي أجواء حزبية يمينية منقطعة النظير في الساحة السياسية الإسرائيلية. لقد قام عضو الكنيست "يوآف كيش" من الليكود بطرح اقتراح قانون على اللجنة الوزارية للتشريع في الكنيست، والذي من شأنه أن يسمح بتطبيق القانون الإسرائيلي على مستوطنة معاليه أدوميم؛ المقامة على أراضي بلدة أبوديس والمحاذية للعيزرية والزعيّم، وتقع المستوطنة شرقي  مدينة القدس بنحو سبعة كيلومترات، وتقع على حوالي خمسين ألف دونم، وقد أُلحقت بها المنطقة المسمّاة "إي1" والبالغة مساحتها حوالي 12 ألف دونم، ومن هنا فإن ضمها سيجعل حدود مدينة القدس الكبرى تصل لحدود غور الأردن، من هنا فإن ما يسمى بالتواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية بين شمال الضفة الغربية وجنوبها يكون قد تم القضاء عليه، وعندها سيُسمح للفلسطينيين بالتنقل بين الشمال والجنوب عبر شارع لا يتجاوز عرضه العشرين متراً، ويكون تحت الرقابة الأمنية الإسرائيلية. إنّ الخطورة التي قد تنتج عن ضم مستوطنة معاليه أدوميم والتي قد تتجاوز حدود المكان، هي السابقة التي ستشجع على ضم المزيد من التجمعات الاستيطانية كمستوطنة "أرئيل" وما حولها، وتجمع مستوطنات "جوش عتصيون". ومن هنا فإنّ حلم الدولة الفلسطينية التي تم العمل من أجله عشرات السنين يكون قد تبخر، وأصبحت المدن الفلسطينية عبارة عن معازل يُفتح ويُغلق عليها بباب حديدي على مدخل كل واحدة منها. إضافة لذلك فإنّ الضرر المباشر هو ما سيعانيه الكثير من الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم من المكان لإتاحة الفرصة لتطبيق هذا المشروع، وعلى سبيل المثال لا الحصر يدور الحديث عن التجمعات البدوية التي تسكن المكان منذ عشرات السنين "كعرب الجهالين". إنّ السؤال الذي يجب أن يتم طرحه هو عن الخيارات المتاحة أمام صانع القرار الفلسطيني، وعن جدوى السياسات التقليدية التي يمكن أن تعيق عملية ضمّ أراضي الدولة الفلسطينية المحتملة للدولة العبرية، وعن مدى فاعلية الراعي غير النزيه لعملية التسوية السلمية المتوقفة حالياً وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وعن أي جهود تمّ بذلها والتي اصطدمت بإصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الاستيطان في كافة أرجاء الضفة الغربية إضافة لـ"القدس الشرقية" المحتلة العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية. ستفصح الأيام والشهور القادمة عن الاتجاه الذي ستصير إليه الأمور، وإن كان من غير المتوقع أن تتمكن القوى الدولية من وضع حد يوقف عملية الضم، إذا أقرها الكنيست الإسرائيلي بقراءاته الثلاث، فإنّ الانتظار والمراهنة على تغيير الواقع ومراكز القوى لصالح الموقف الفلسطيني، سيكون نتيجته ابتلاع المزيد من أراضي الدولة الفلسطينية.

 

جمال حاج علي

 

من نفس القسم دولي