دولي

ثمن لقاء عباس ترامب

القلم الفلسطيني

 

 

لو كانت الأمور تقاس بالمنطق ووفق معايير المصلحة الوطنية الفلسطينية لكان يمكن اعتبار الهيجان العاطفي الذي اتسم به احتفاء السلطة الفلسطينية بدعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيسها محمود عباس لزيارة واشنطن مستهجنا إلى حد كبير. فاستماتة عباس وفريقه في التقرب من إدارة ترامب، الذي رفض الرد على برقية التهنئة التي بعث بها إليه بعد توليه المنصب، تفضح الخلل البنيوي في توجهات عباس السياسية التي تستند إلى محاولة تأمين الشرعية الأمريكية لبقائه على رأس السلطة بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون مقابل ذلك. ليس المطلوب من عباس أن يرفض لقاء ترامب، بل على العكس من الأهمية بمكان أن يستجيب للدعوة ويلتقي ترامب لكي يسمعه وجهة النظر الفلسطينية من المواقف التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي الجديد، والتي تساعد الكيان الصهيوني على مواصلة التعنت والعدوان. لكن ما يبعث على الأسف والمرارة حقيقة أن آخر ما يفكر فيه عباس هو محاولة إزعاج ترامب بمطالبات تتعارض مع تعهداته لـ"إسرائيل" ونتنياهو. فمن أسف أن كل ما يعني عباس هو التقاط الصور مع ترامب في البيت الأبيض على اعتبار أن هذا من مظاهر حصوله على الشرعية الأمريكية. إنّ هناك ما يدلل على أن ترامب لم يتصل بعباس ولم يوافق على عقد لقاء معه إلا بعد أن حصل على ثمن كبير وباهظ لقاء ذلك. فقد طار مدير المخابرات العامة التابعة للسلطة قبل شهر إلى واشنطن والتقى بمايك بومبيو مدير الاستخبارات الأمريكية المركزية «CIA» وموظفي مكتب مستشار الأمن القومي لعرض استعداد السلطة للاندماج في الحرب على «الإرهاب الإسلامي» التي أعلنها ترامب. مع العلم أن السلطة لم تتوقف يوما عن إرسال الرسائل لواشنطن التي تدلل على جديتها في الحرب على «الإرهاب». ولا حاجة للتذكير بالمقابلة النادرة التي أجراها ماجد فرج مع موقع «ديفينس نيوز» الأمريكي قبل عام وتباهى فيها بإحباط جهازه 200 عملية ضد "إسرائيل" في غضون عام. ولا حاجة للاستنباط بأن المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال تعد جزءا من «الإرهاب الإسلامي» الذي تبدي سلطة عباس استعدادها لمواصلة محاربته في إطار حرب ترامب ضده. ومن الواضح فإن عباس لا يتوقع الحصول من ترامب على ثمن سياسي يعزز من القضية الوطنية الفلسطينية لحربه على المقاومة. إن هناك حاجة لتحرك فلسطيني نخبوي وجماهيري لإيضاح ما يتوجب على عباس أن يطرحه أمام ترامب بحيث لا يتم السماح بتقديم المزيد من التنازلات لـ"إسرائيل" باسم الفلسطينيين. فلماذا تتجاهل قيادة السلطة، التي تخرج عن طورها فرحا بعد ظفرها بموعد للقاء مع ترامب، المواقف التي أعلنها ترامب، وتتمثل في منحه شيكا على بياض لـ"إسرائيل" لمواصلة الاستيطان والتهويد، واستخفافه بالقضية الفلسطينية من خلال دعمه المطلق لحق "إسرائيل" في اتخاذ السياسات التي تراها مناسبة في التعاطي مع الفلسطينيين. إنَّ ما يدلل على حقيقة التوجهات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية هو أنه في الوقت الذي تلقى عباس الدعوة من ترامب لزيارة واشنطن، فقد صادق الكونغرس على تعيين اليهودي دفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة في "تل أبيب"، وهو الذي يترأس صندوقا لجمع التبرعات لدعم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية؛ ناهيك عن أنه جاهر بالقول إن الدعوة لإخلاء المستوطنات تمثل دعوة «لتطبيق تطهير عرقي»، إلى جانب دفاعه عن ضم "إسرائيل" للضفة الغربية. يمكن القول إن القضية التي تشغل بال عباس وتجعله متحمسا إلى هذا الحد للقاء ترامب هي تراخي الدعم الإقليمي له، والذي وصل ذروته في تحرك عبد الفتاح السيسي ضده بشكل علني وغير مسبوق. فترمب يمكنه، حسب منطق عباس، احتواء السيسي، في حال اقتنع بأن ما يقدمه لـ"إسرائيل" يستحق أن يبذل من أجله الجهد. بكلمات أخرى، فإن نتنياهو، وليس ترامب، سيكون صاحب القرار النهائي في مواصلة اعتماد أوراق عباس، ولا حاجة لإطالة الشرح حول حدود ما يريده نتنياهو. إن هناك حاجة لتحرك فلسطيني نخبوي وجماهيري لإيضاح ما يتوجب على عباس أن يطرحه أمام ترامب بحيث لا يتم السماح بتقديم المزيد من التنازلات لـ"إسرائيل" باسم الفلسطينيين.

 

 

د. صالح النعامي

من نفس القسم دولي