دولي
شباب الثورة والعصيان المدني
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 11 مارس 2017
تواصل الثورة الفلسطينية إبداعها وتألقها، وتتفاعل معها مكوناتها الحقيقية أبطال مقاومتها، وقادة رأيها، ومكونات مجتمعها. يتقدم الأنموذج المقاوم المثقف من تربى على مائدة النضال، وشرب مفاهيم العز والانتصار، ونشأ في أزقة المخيم وأدرك مفهوم التحرير ومعنى الوطن. سقط باسل الأعرج شهيداً وطرفا الانقسام تشغلهما انتخابات البلدية، يتبادلان الاتهام بأزمات الناس، يتباحثان في جدوى إجازة يوم عالمي، يتشدقان بمعاني المثالية، ويجرحان الرأي العام بأكمله.
يذهبان بنا نحو صميم المهزلة، ويتأخرون عن ركب شباب انتصروا لقناعتهم وتجاوزوا وهم السلطة، وأعادوا الحياة لنهج عرفات وياسين والشقاقي. يدرك الجميع أن الانقسام قد كسر كافة المفاهيم، وأعاق المشروع الوطني، وشوه صورة النضال الفلسطيني. غير أن دم الشباب المقدس المنسكب في ضواحي الوطن، ما زال يتلألأ، ويقض مضاجع الاحتلال، ويرعب من سكنه الوهن وارتهن قراره لسلطة مزيفة وإدارة تخدم الاحتلال. وفي ذات الوقت يشعل في النفس الأمل والانتصار لدى كل من انتمى للقضية وعاش فلسطين وعاشته فلسطين.
السلطة التي تسوق الوهم إلى شعبها أصبحت عرضة للاتهام المباشر من الوطن وليس فصائله، وتجاوزاً لمسألة المناكفات الحزبية، فلم تعد الأزمة بين سلطة أوسلو وبين القوى السياسية، بل وصلت حالة الانسداد بينها وبين شباب الثورة الفلسطينية، شباب فلسطين الذي ينتمي إليه باسل وغيره الآلاف الذين تعاديهم أجهزة أمنها وتستقبلهم في سجونها، وبالمقابل يرعى سيدها الأول برامج غنائية ويستقبل نجومها على السجادة الحمراء!! الكلمات التي أطلقها المناضل مانويل مسلم على إثر استشهاد المقاوم المثقف حركت شجون الوطن، وطمأنت الكثير أن مفاهيم فلسطين حاضرة، وأن حالة الوهن لم تتسرب إلى الجميع وأن بوصلة الطريق واضحة، وإن حاول البعض تشويهها عبر الادعاء بفشل المقاومة وعجزها، ومحاولة جرها إلى مربع فشله.
والدعوات التي أطلقها الفلسطيني من كنيسته للعصيان المدني تلتقي مع دعوات المقاوم المنفي في شتات الأرض في نقاطه العشر، فقد أصبح عبء التسوية يخنق وحدتنا ويعوق مشروعنا الوطني ويكلفنا فاتورة لا حدود لها من الخسارة والتراجع سياسياً وثقافياً ومجتمعياً.
الثورة الفلسطينية لا تنتظر، وتدحرج لهيب الثورة سيجعل الجميع يقف أمام مسئولياته، لن نجد غداً سقوطاً مباشراً لسلطة الوهن، لكن سيأتي اليوم الذي نتخلص فيه من مشروع فساد دمر القضية، وأثقلنا بالهموم وفتح الساحة لصراعات التنافس على كراسي دولة لم تقم، صاحب القرار فيها هو المحتل ومصدر التمويل هو الأجنبي والمقاصة الإسرائيلية. السيادة الفلسطينية التي فقدناها بقرارات الساسة، تدفعنا لإعادة النظر مجدداً في السياق الفلسطيني العام، وبرنامج الثورة الفلسطينية هو القادر على تجاوز المسألة وأن نعود بالمسألة إلى انطلاقتها وأن نعيد لذواتنا احترامها ولفلسطين تقديرها.
قد تجد أصواتاً منتفعة تساوي بين دعوات مهندس أوسلو يوسي بيلن الأخيرة المطالبة بحل السلطة، وأصحاب النضج الوطني الذين ينادون بهذا التوجه، وهي مسألة غاية في الدقة لكنها على غير ما يروجه البعض؛ فدعوات بيلن تأتي في إطار منافسته الانتخابية مع نتنياهو وفي سياق دفاعه عن خياره الكاذب المتعلق بعملية التسوية وإحراج غريمه السياسي. البحث في جدوى السلطة الفلسطينية يجب أن يتسع، ودوائر النقاش في المصلحة من ورائها ينبغي تعزيزها؛ للخروج بتصورات جماعية فلسطينية تجاه هذا الجسم السياسي الذي أصبحت تعاني منه فتح وحماس قبل الجمهور الفلسطيني. فلم يعد من الممكن أن نواصل مشاورات الترف السياسي، وأن ننتظر تحرك الاحتلال وسياسييه، والأجدر أن نقرر مصيرنا بناء على تصوراتنا ونتاجاً لإرادتنا الوطنية الخالصة.
تبقى الكلمة في حق المثقف المقاوم باسل الأعرج أصعب الكلمات؛ لأن التعليق على مجاهد يشعل فكرة ويطلق رصاصة، هو بلورة لمشهد فلسطين وشبابها الملتزم، من عاش النكبة على روايات أجداده، والتضحية في جيل آبائه، والمعاناة في تفاصيل حياته، لكن يقينه بحقه، وإيمانه بأفكاره يجعله مقاوماً من طراز خاص يواجه المحتل ويقدم الأنموذج ويترجل فارساً شهيداً.
أحمد الشقاقي