دولي

صفعة شابيرا

القلم الفلسطيني

 

 

لم يظهر تقليد لجان التحقيق حول الحروب التي خاضها الكيان الإسرائيلي إلا بعد حرب عام 1973، فنشوة الانتصار في حربي عام 48 والـ 67 بالتحديد، قدّمت كيان الاحتلال إمبراطورية بجيشها الأقوى في المنطقة. هذا المنسوب من التراجع بالانتصار الحاسم، فقدته إسرائيل ولم تذق طعمه منذ حرب الأيام الستة، ولن يعوّض عنه لجان التحقيق، بل هيئة أركان تنتصر على "العدو"، أو تخضعه كما تمنت تسفيكا فوغل من صحيفة إسرائيل اليوم. التقرير الذي خرج به مراقب الدولة يوسف شابيرا تحت عنوان "اتخاذ القرار وتهديد أنفاق غزة" لم يسلم من انتقاده إلا قائد المنطقة الجنوبية آنذاك سامي ترجمان، والقائد يوآف مردخاي المنسق العسكري للحكومة الإسرائيلية، فنتيناهو الذي قدّم نفسه مراراً حاميا للأمن الإسرائيلي، ألبسه تقرير مراقب الدولة لباس المحلّل السياسي الذي ينظر حول خطورة الأنفاق تهديدا مركزيا، وحتى استراتيجي منذ 2013، ولم يكلف نفسه بتحويل كلماته إلى أفعال. 51 وماً من الحرب على قطاع غزة استنزفت من نتنياهو مواقف وتصريحات في حوالي 50 مناسبة (ممكن مراجعة المناسبات على موقع ديوان رئاسة الحكومة على الإنترنت) وضع فيها أهدافاً متواضعة، تتمثل باستعادة الهدوء فترة طويلة، وإلحاق ضرر ملحوظ بحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، خرج بعد 20 يوماً من الحرب، ليؤكد جازماً إنهاء منظومة الأنفاق الهجومية، ليخرج التقرير، معلناً الهزيمة من أنفاق غزة. نتنياهو الذي حاول قبل يوم من خروج التقرير في مستهل جلسة الليكود في الكنيست التقرّب من الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات عبر تصريحه "المساند"، أظهر مراقب الدولة خصما لها، ما أثار حفيظة الصحافة الإسرائيلية، فسياسة الأبواب الموصدة، واتخاذ القرارات في الغرف المغلقة، وعدم اطلاع باقي أعضاء الكابينيت على القرارت الحاسمة، والتي تمثلت بنتنياهو وموشي يعالون (قائد الجيش الإسرائيلي) وبني غانتس قائد الجيش آنذاك (الذين انتقدهم التقرير بشدّة)، شكًّل محوراً موحداً تغنّى به نتنياهو قبيل الحرب، قابله محور آخر تزعمه رئيس حزب البيت اليهودي (إسرائيل بيتنا، نفتالي بينيت الذي لم يوّفر مناسبة خلال السنتين والنصف الماضيتين من توجيه الانتقادات اللاذعة هو ويائير لابيد لنتنياهو، ممنياً النفس بكرسي رئاسة الحكومة، ليكون أول رئيس حزب "ديني متطرف"، ينال حظوة المنصب، فهل يحقق تقرير شابيرا الذي لم يأت على ذكره بالاسم حلم رئاسة الوزراء؟ الصحافة الإسرائيلية، وإن رجّحت خروج نتنياهو من المحنة، وليس بأقل الخسائر، شكّكت بالمستقبل السياسي ليعالون الذي يعدّ نفسه لوراثة اليمين من نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان، وبمصير بني غانتس الذي كان يدرس إمكانية دخول السياسة من بوابة حزب "هناك مستقبل"، فلقد سحب التقرير الإرث العسكري لكليهما، وقدمهما كفرسين خاسرين في سباق الانتخابات وتولي المناصب. الانتقادات التي وجِّهت للسلطة السياسية والأجهزة الأمنية على السواء، وإن بدرجات متفاوتة، وضعت الجيش الإسرائيلي في خانة الضعيف، وجهاز استخباراته بالعاجز، فالتقرير ركَّز حول نقطة عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لحرب الأنفاق، وندرة المعلومات حولها، محمّلا إياه بطريقة غير مباشرة الهزيمة، عبر اتهام قائد الجيش بالتقصير بالإدلاء بتلك المعطيات للكابينيت، ما أثار حفيظة الجيش الإسرائيلي الذي أصدر بياناَ تعقيباَ على التقرير، أوضح أنّه يبذل كل الجهود للتصدّي للأنفاق باستخدام التكنولوجيا، وأنّ الخطر يتمثل بخمسة أمور، إحداها الأنفاق، وقد أوضحها للمجلس الوزاري المصغر، ولديه علم مسبق بها، مضيفا أنّ على مراقب الدولة أن لا يركز على هدف واحد، بل ينظر إلى الصورة الأشمل، فالحدود بين إسرائيل وقطاع غزة هي الأهدأ من سنتين ونصف منذ 1967. لم يقدّم التقرير توصيات باستدعاء المعنيين للتحقيق، إلا أنّه بلا شك أحدث صفعة قوية على الساحة السياسية والعسكرية والاستخبارية، ستعتادها إسرائيل في حروبها اللاحقة، وسنرى تجلياتها عند أول محطة انتخابية، إلا أنّه يؤكد ما أثبتته الحروب السابقة من عجز المنظومة العسكرية الإسرائيلية القضاء على المقاومة الفلسطينية، أو حتى إخضاعها، وأنّ زمن الحسم والانتصارات، على الرغم من البيئة غير الملائمة للمقاومة الفلسطينية، قد ولى إلى غير رجعة.

أحمد الصباهي 

 

من نفس القسم دولي