دولي
معانٍ في تقرير إخفاقات إسرائيلية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 06 مارس 2017
على الرغم من عدم سماح الرقابة الأمنية الإسرائيلية بنشر كامل التقرير، الذي صدر عمّا يسمى مراقب الدولة في إسرائيل، برئاسة القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، عن الحرب العدوانية على قطاع غزة في صيف العام 2014، والتي استمرت 51 يوما، وأدت إلى استشهاد وإصابة آلاف الفلسطينيين، وتدمير عشرات ألوف المباني السكنية والمنشآت، وخراب كبير مقصود لكل البنى التحتية الفلسطينية في القطاع، الذي لم تنحصر تلك الحرب فيه، بل كانت أجزاء واسعة من إسرائيل أيضا مسرحا لها، حيث تعطلت الحياة فيها، أو تشوشت فترات زمنية طويلة، الأمر الذي لم يكن ضمن حسابات المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية الإسرائيلية، بعد أن وصلت صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى أواسط "إسرائيل"، وفشلت كل المنظومات الصاروخية والتكنولوجية الإسرائيلية من إيقافها، واستهداف مواقع ومنشآت استراتيجية إسرائيلية، منها مطار بن غوريون، بصواريخ المقاومة، وهو المقام على أراضي مدينة اللد الفلسطينية، مما أدى إلى إغلاقه يومين. أثار إظهار التقرير عاصفة سياسية كبيرة في إسرائيل، بعد أن كشف، بشكلٍ لا لبس فيه، عن فشل استخباري، أمني، عسكري، إداري، إسرائيلي، قبل تلك الحرب وفي أثنائها، حيث تبين أن الحكومة الإسرائيلية وجيشها قد ذهبا إلى الحرب، من دون معرفةٍ دقيقةٍ وكافيةٍ لقدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، سواء فيما يتعلق بالأنفاق الفلسطينية، والقدرات التسليحية والقتالية، وخصوصا قدرات كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، وأيضا قدرات سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وبالتالي، فوجئ الجيش الإسرائيلي بتلك القدرات، مما أدى إلى إرباك كبير لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية، في ظل غياب واضح لدور معظم أركان الحكومة الإسرائيلية، ومجلسها المصغر، ومجلسها للأمن القومي، ما أدى إلى إمساك المقاومة الفلسطينية بزمام الأمور الذي مكّنها من إطالة أمد الحرب، وذلك لإفشال القاعدة الأمنية الإسرائيلية بالحرب الخاطفة والسريعة، مما دفع عشرات آلاف الإسرائيليين المقيمين في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، إلى الهروب إلى أماكن أبعد، وتعطيل الحياة في مستوطناتهم، وبلداتهم، بشكل كامل، فترة طويلة، وترك منازلهم من دون وجود سياسة إسرائيلية واضحة، بخصوص ترحيلهم. شكلت الأنفاق الفلسطينية، والتي حفرتها المقاومة الفلسطينية قبل اندلاع الحرب، لاستخدامها في المواجهة، وتوجيه ضرباتٍ مؤلمة للجيش الإسرائيلي بواسطتها، محاولة فلسطينية للتقليل من آثار التفوق العسكري الإسرائيلي الكبير، حيث احتلت الأنفاق مكانا واسعا وكبيرا في التقرير، فقد اعتبرها تهديدا استراتيجيا، وكشف عن أن الجزء الأكبر من المعلومات لم تكن متوفرة لدى المؤسسات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة، سواء ما يتعلق بأعدادها أو بنوعيتها، إن كانت هجومية أم دفاعية، وعن أماكن بداياتها ولا عن نهاياتها داخل إسرائيل. أما المعلومات التي توفرت عن الأنفاق فلم تكن منسجمة، ولا متطابقة ما بين جهازي المخابرات (الشاباك) والاستخبارات العسكرية، لا بل إن الأكثر والأخطر، حسب التقرير، أن الطاقم الثلاثي الذي أدار الحرب، والمتمثل برئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه آنذاك، موشي يعلون، وبيني غانتس الذي شغل رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة، قد أداروا الحرب منفردين، ومن دون إطلاع باقي الوزراء، سواء في الحكومة أو في المجلس الوزاري المصغر، وأنهم أخفوا معلومات كثيرة عن باقي الوزراء، وأنه في أثناء الاجتماعات الدورية للمجلس الوزاري المصغر، كان نتنياهو يتهرّب من الإدلاء بمعلومات دقيقة ومفصلة، ويتعمد استخدام كلمات وعبارات عامة ومبهمة لتضليل الوزراء، مما دفع وزراء إلى القيام بتسريب بعض المعلومات، والنقاشات، وإجراء اتصالات مع قادة الجيش الميدانيين، وذلك من وراء ظهر رئيس الحكومة، ووزير الجيش، ورئيس الأركان، كما فعل الوزير نفتالي بينيت، عندما تواصل مع قادة عسكريين عديدين، والذي لم تتم إدانته وتحميله أية مسؤولية عن الإخفاقات الإسرائيلية في التقرير، بعكس ما حدث مع نتنياهو وزمرته، حيث تعرّضوا للكم الهائل من الاتهام بالقصور والإخفاق. تكشف قراءة ما بين سطور تقرير مراقب الدولة في إسرائيل، عن الحرب العدوانية على قطاع غزة، عن أمور مهمة كثيرة، والتي على المقاومة الفلسطينية والعربية أن تستخلص العبر منها، قبل الجيش الإسرائيلي نفسه، ومنها أن المقاومة الفلسطينية لم تعد ضعيفة، على الرغم من الفجوة الكبيرة في القدرات، ولم تعد مبعثرة، ولا غير منظمة، بل إنها قادرة على الإمساك بزمام الأمور، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، في حال امتلاكها الإرادة، وبعض القدرات. كما يكشف التقرير عن أن إسرائيل ليست دولة المؤسسات المثالية، ودوائر التخطيط الاستراتيجية، كما يتم تصويرها. وقد أظهر التقرير أن الجيش الإسرائيلي لم يعد ذلك الجيش الذي لا يقهر، بعد أن كسرت المقاومة الفلسطينية نظرياته العسكرية المتمثلة بالحرب الخاطفة، وحصرها في الأرض الفلسطينية، والعربية فقط، وعدم انتقالها إلى الداخل الإسرائيلي، أو أن يحدد ساعة نهايتها، ولا شروط وقفها، بعد أن فقد القدرة على الاستمرار بالتحكّم بكل مساراتها، لا من حيث الزمان والمكان والوسائل وإدارة العمليات.
عادل شديد