دولي

اختبار "حماس" في توازن علاقاتها الداخليّة

القلم الفلسطيني

 

 

فيما تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) انتخاباتها الداخليّة، تحدّثت تقارير صحافيّة عمّا اعتبرته خلافاتٌ بين قادتها، وتباينات بين أجنحتها، وما تردّد عن الأسباب الحقيقية لعدم التمديد لرئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، لقيادة الحركة. تنشغل السطور التالية بالحديث عن دوافع (وموانع) عدم ترشّح مشعل مجدّداً لانتخابات حماس، وحقيقة علاقته بكتائب القسّام، الجناح العسكري للحركة، وما إذا كانت لديها مطالب من خليفته المقبل، وما هي أبرز أوجه الاتّفاق والاختلاف داخل "حماس"، وكيف ستنعكس على القيادة الجديدة، ومواقفها السياسيّة، داخليّاً وخارجيّاً. 

ففي وقتٍ باتت فيه انتخابات حركة حماس الداخليّة حديث الساعة، منذ يناير/ كانون الثاني، لدى وسائل الإعلام الفلسطينيّة والعربيّة والإسرائيليّة والدوليّة، وترقّبها لمعرفة هويّة القيادة الجديدة للحركة، فقد جرت المرحلة الأولى من الانتخابات داخل قطاع غزة يوم 2 فبراير/ شباط الجاري، ويتوقع أن تنتهي بإعلان مكتبها السياسي الجديد خلال شهرين، بالإعلان عن كامل قيادتها السياسية داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.  وتزامناً مع ذلك، زاد الاهتمام المحلي والإقليمي بانتخابات "حماس" هذه المرّة، في ظل ما يشاع عن خلافات بعض قادتها بشأن الملفّات الداخليّة والخارجيّة، مثل مستقبل المصالحة مع حركة فتح، والمواجهة مع إسرائيل، والعلاقة بإيران. 

أجرى كاتب السطور اتصالات عديدة مع بعض قادة "حماس"، في الداخل والخارج، لمعرفة حقيقة ما تعيشه الحركة، بعيدا عما تردده بعض وسائل الإعلام، وقد أكدوا أن حماس حركة لها مؤسّساتها التنظيميّة، تديرها بشفافية وديمقراطيّة، ويتم اختيار قياداتها من أعلى الهرم إلى أدناه بانتخابات هادئة، وقد أبلغ رئيس مكتبها السياسيّ خالد مشعل أوائل عام 2013 قيادة الحركة ومجلس الشورى التابع لها آنذاك بعدم رغبته في الترشّح لرئاستها، لكنّ قيادة الحركة طالبته، في ذلك الوقت، بالعدول عن ذلك، لأنّ ترشّحه شأن عامّ وليس شخصيّاً، ويخص مستقبل حماس بأسرها، وقرار عدوله عن الترشح يجب أن يحظى بموافقة قيادة الحركة، وليس مرتبطا باعتبارات تخص مشعل لوحده.  وهكذا تمّ التجديد لمشعل لدورة جديدة تنتهي في النصف الأوّل من العام الجاري 2017، مع أنّ نظام الحركة الداخليّ لا يسمح بشغل منصب رئاسة المكتب السياسيّ أكثر من دورتين متتاليتين، بهدف منح مؤسّسات الحركة حيويّةً وتجديداً للدماء.  أكثرت الأوساط الإسرائيليّة من حديثها عن خلافات "حماس" الداخليّة، فكتبت الخبيرة الإسرائيليّة في الشؤون الفلسطينيّة، سمدار بيري، مقالاً في 29 يناير/ كانون الثاني في "يديعوت أحرونوت"، أنّ التنافس على خلافة مشعل الذي وصفته بالكاريزماتيّ، ينحصر بين نائبه الحاليّ، إسماعيل هنيّة، وعضو المكتب السياسيّ لحماس، موسى أبو مرزوق.  قد يبدو مفهوما سر التركيز الإسرائيلي على إبراز خلافات "حماس"، وتضخيمها، لكن ذلك لا يمنع من القول إن الحركة، باعتبارها كبيرة، فمن الطبيعيّ أن تكون في داخلها تيّارات متباينة، من دون أن تصل إلى حدّ الانقلابات الداخليّة، وإقصاء بعض القيادات، فالنظام الانتخابيّ في "حماس" يحظر ذلك، ولا يسمح بتصعيد طرف وتهميش آخر، مع أنّ تباينات مشعل والجناح العسكريّ تتعلّق بتقييمهما العلاقة مع إيران وسورية، من دون ارتباطه بعدم ترشّح مشعل لقيادة الحركة مجدّداً، لأنّه، كما يبدو، أراد إرساء نهج سياسيّ في إفساح المجال أمام قيادات أخرى لتزعّمها.  يشير بعض قادة الحركة الذين تحدث إليهم كاتب السطور إلى صعوبات الفترة المقبلة، بسبب كثرة الأعباء على القيادة المنتخبة، وانتشار الحركة في أقطار عدّة، في الأراضي الفلسطينية ولبنان وقطر وتركيا، وصعوبة تواصل قادتها الجغرافيّ، لعدم وجود أريحية لقادة "حماس" بالتنقل بين هذه الدول، لأسبابٍ أمنية، ما قد يؤثّر سلباً على إدارة الملفّات التنظيميّة والخارجيّة، لأن وجود عديدين من قادة "حماس" في عدة دول في المنطقة، لن يكون سهلا عليهم عقد اللقاءات الدورية والاجتماعات التنظيمية للتباحث في القضايا الخاصة بشؤون "حماس" الداخلية، والعمل على تطوير علاقاتها الخارجية.  ولا يعني هذا أن "حماس" ليست مثل باقي الفصائل، فهي لديها خلافات، لكنّها قد تكون عصيّةً على الانشقاقات، بسبب تركيبتها التنظيميّة الحديديّة، وربما أحسن مشعل صنعاً بإعلانه عدم ترشّحه، لضخّ دماء جديدة في قيادة الحركة، بما يتطلّب، مستقبلاً، إيجاد حالة من الانسجام أكثر بين مكونات الحركة المختلفة، السياسية والدعوية والعسكرية والحكومية والإدارية.  لا يمل قادة "حماس" من التأكيد على مسألة أنه ليس هناك صراع بين سياسيّي الحركة وعسكرها، توجد قيادة للحركة، يمثّلها المكتب السياسيّ، أعلى قيادة فيها، تمثّل كلّ تشكيلاتها السياسيّة والعسكريّة والإعلاميّة، تتبع لها، وتلتزم بقراراتها، وهي جزء من القيادة، ومكوّن أساسيّ فيها، في مناخٍ من التفاهم، ولا يملك أحد في الحركة الانفراد بالقرار، أو فرض آرائه، فكلّ قرارات "حماس" تتمّ في شكل تشاوري وديمقراطيّ، وبالتصويت، فالسياسيّ والعسكريّ والإعلاميّ في "حماس" جسم واحد، والكلّ جزء من صنع القرار، ويلتزم بما تجمع عليه قيادة الحركة.  أخيراً... على الرغم من أنّ بعض قادة "حماس" لم ينكروا وجود اختلافاتٍ داخلها، سواء في القضايا التكتيكيّة أو الاستراتيجية، حول العلاقات الخارجية مع دول المنطقة، أو مستقبل المواجهة مع إسرائيل، أو المصالحة مع حركة فتح، إلّا أنّ آخرين نفوها، واصفين إياها بالأكاذيب. 

 

 

عدنان أبو عامر 

من نفس القسم دولي