دولي
وجدت ضالتي في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 20 فيفري 2017
قبل اجتياح لبنان عام 1982، كنتُ كطفلٍ جاء من مخيم تل الزعتر إلى مخيم برج البراجنة، أستشعر الثقل الذي تشكله قوة اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأستشعر كل يوم أننا نحمل الثورة في أعماقنا ونعيشها في يومياتنا.
على وقع أناشيد "من قلب الخيمة وليل المنفيين"، و"فجّرنا الثورة"، و"يا شعبنا في لبنان" كنا نسير في المظاهرات والمسيرات التضامنية مع العالم الذي ينظر إلينا كأيقونات النضال في هذه الأرض. سرنا في مسيرة لوفاة الرئيس الجزائري "هواري بو مدين"، وتظاهرنا تضامناً مع كوبا، واستنكرنا زيارة السادات للقدس واتفاق كامب ديفيد. وكان العالم ينتظر ردة فعلنا على كل قضية تمسّ فلسطين وأصدقاءها.
كانت الثورة تملأ المرآة، صديقتنا الصباحية -أو شبه المرآة الصدئة- التي نرى فيها وجوهنا كل صباح عندما نغسّل قبل الدوام المدرسي، ونقرأ على المرآة ملصقاً صغيراً ألصقه أخي عند عودته من إحدى المسيرات، وفيه: "فتح ديمومة الثورة، والعاصفة شعلة الكفاح المسلح"، كان نشيد الصباح في المدرسة "أنا يا أخي، آمنت بالشعب المضيّع والمكبّل"، وندرس في المدرسة تاريخ وجغرافيا فلسطين "ألغيت من المناهج الأساسية في الأونروا الآن". وكانت صورة هذا الطفل مع أبي عمار، المكبّرة في بوستر للإعلام الموحد في منظمة التحرير، معلقة في المنزل.
كنا نسمع كل يوم عن شهيد، وقد يكون من أبناء المخيم. تحمل أم الشهيد صورته المكبّرة حاملاً سلاحه الذي تدرك في تلك اللحظة أن حامل هذا السلاح ليس شبّيحاً، بل هو مقاوم حقيقي. وتسمع من يقول "نيّاله، مات على تراب فلسطين، وسقاها بدمه". كانت غابة البنادق، رغم مساوئها الكثيرة، تؤشر إلى دورنا نحن، فلسطينيي الخارج، في التحرير.
ومنذ 23 عاماً ونحن نفتقد محضناً شعبياً يتسع لكل فلسطينيي الخارج، ليعيد التوازن لجناحي الوطن -الداخل والخارج-، ويعيد التنفس لرئتي الداخل والخارج لكي ينتعش قلب الشعب الفلسطيني.
إلى أن حدث الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وحاصر بيروت عام 1982، وخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان، إلى بلاد بعيدة لا تحدّها فلسطين من أي مكان. وحدثت مجزرة صبرا وشاتيلا، وبات الفلسطيني مطارداً ومكسوراً في بيروت والمخيمات، وفقد كثيراً من روحه الثورية التي رحلت مع المقاتلين إلى تونس، وشعر أهل لبنان بأن القيادة تركتهم لأقدارهم المأساوية.
حوصر الفلسطينيون في الخارج، فانتفض الداخل، وانتقل الثقل الثوري إلى الوطن، فيما بقي الثقل السياسي في الخارج، إلى أن قضت تفاهمات أوسلو بدخول القيادة السياسية إلى الداخل، وبدا كأن الخارج بلا ثقل سياسي أو ثوري، رغم وجود الكثافة الشعبية في الخارج التي تمثل نصف عدد الفلسطينيين في العالم. ومنذ 23 عاماً ونحن نفتقد محضناً شعبياً يتسع لكل فلسطينيي الخارج، ليعيد التوازن لجناحي الوطن -الداخل والخارج-، ويعيد التنفس لرئتي الداخل والخارج لكي ينتعش قلب الشعب الفلسطيني، ويحدث التواصل بين داخلٍ مكبوتٍ محاصرٍ وخارجٍ مُبعدٍ وممنوعٍ من العودة.
الطفل الذي كان صغيراً أعلاه، وكانت بذور الثورة فيه، وبحث عن دور يستشعره في طريق تحرير فلسطين، عن دور يوجِد من يستمع إليه لتحقيق أهدافه، عن محضن يوصل صوته إلى حيث يجب أن يصل، حاملاً المضامين التي يريدها.
هذه المضامين هي ما يطلبه كل فلسطيني، ومنها المحاور التالية:
ولاً: أن تبقى القضية الفلسطينية كقضية وطنية بكليتها، على طريق تحقيق كامل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بما فيها إقامة الدولة وعودة اللاجئين وتقرير المصير باستخدام الوسائل والأساليب المشروعة كافة.
ثانياً: أن تبقى حقوق اللاجئين، بما في ذلك حق العودة، بأبعاده القانونية والسياسية والشعبية، وحقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية في الشتات، والعمل لتحقيق ذلك في إطار المشروع الوطني على طريق التحرير والعودة.
ثالثاً: مشاركة قوى الشعب الفلسطيني ومؤسساته في صناعة القرار الوطني، بما يحقق الحضور الفاعل والمؤثر لدورهم السياسي، وبما يسهم في الحفاظ على الهوية الوطنية، وحقهم في العمل من أجل قضيتهم دون عرقلة أو تعطيل، وتفعيل أدوار التجمعات الفلسطينية المنتشرة في العالم لحماية الهوية والقضية الوطنية، والعمل لإطلاق برامج ومشاريع تخدم هذه العناوين، إضافة للدعم السياسي لتحقيق ذلك.
من خلال هذه المحاور الثلاثة، وجد هذا الطفل الذي أصبح كبيراً ضالته في "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج"، ووجد ما يجعله مطمئناً إلى روح الثورة التي ستحتضن أبناءه، وأن الملصق القديم على المرآة الصدئة، سيعود لأبنائه تصميماً إلكترونيا على شاشة الأيباد، بالمضامين نفسها التي نشأ عليها وهو صغير، بما يضمن لأبنائه عودة هذا الدور إلى الجيل الجديد من فلسطينيي الخارج.
ياسر أحمد علي