دولي
السنوار يشكل حالة ردع للاحتلال
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 فيفري 2017
تعرفت على القيادي يحيى السنوار (أبو إبراهيم) في نوفمبر 1990، بأقسى عزل عرفته الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، والمتواجد بسجن الرملة قسم نيتسان تحت الأرض، ومكثنا سويا عامين متواصلين بظروف قاسية جدا بصحبة العشرات من قيادات حركة حماس، منهم الشهيد الشيخ صلاح شحادة، والشهيد الشيخ إسماعيل أبو شنب، ومجموعة من المناضلين الذين قاموا بعمليات نوعية خلفت قتلى وجرحى من الإسرائيليين في انتفاضة عام 1987م.
كنت دائم الاحتكاك بالقيادي السنوار في تلك الظروف الصعبة داخل القسم وساعات الفورة، وإلى ما بعد عامي العزل في نيسان بسجون متفرقة حتى حريتي في العام 2005، فوجدته يؤمن بالواجب والتسلح بالإرادة على الإمكان، وكان شعاره دوماً آية قرآنية لطالما رددها وحفظتها من على لسانه (ارجع إليهم فلتأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)، فهو لا يعرف للخوف أو الجبن طريقا، كنا نواجه جنود وسجانين مدججين بالهراوات والسلاح بالقليل من الأدوات التي نمتلكها، فمرات هاجمونا بالهراوات وأخرجونا فرادى واعتدوا علينا بوحشية حتى كسروا عظامنا، وأخرى لقناهم درساً وصلت لتشفير السجانين والرد على اعتداءاتهم علينا بوسائل عنيفة أخرى.
فالقيادي السنوار وفق تجربتي محسوب على التيار الصقرى لحركة حماس، ودائم الإعداد والاستعداد، ولا يخشى مواجهة المحتل داخل المعتقلات وخارجها، كونه يؤمن بحتمية الصراع واقعياً وتاريخياً ودينياً حتى النهاية.
وخلال الاعتقال كان يتمتع القيادي السنوار بعلاقات قوية مع القوى الوطنية والإسلامية في داخل السجون، ولم يقلل من قيمة أي فصيل فلسطيني مهما كان حجمه، ولم نشهد عليه في إطار الحركة الأسيرة وحتى بعد التحرر أي تشنجات أو توترات عصبية وحزبية مع الآخرين، لذا أعتقد أنهم سيكون أكثر ميلا للوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية وتفهم الآخرين.
كما أنه قارئ وكاتب ممتاز، ويميل خلال دراسته في الجامعة المفتوحة في "إسرائيل" باللغة العبرية خلال الاعتقال للقضايا السياسية والأمنية، والتعرف على تجارب حركات التحرر العالمية ودراسة التاريخ ، ورغم أنه قليل الظهور بعد التحرر، فهذا لا يعنى التعمق بالعمل السري والأمني، فهو يمتلك أفقا وتنبؤًا سياسيا واسعا، ولا يختزل القضية الفلسطينية بالجانب الوطني، بل يؤمن بالعمق العربي والإسلامي في قضية التحرير والصراع مع "إسرائيل"، وسيدفع الحركة لتعزيز تحالفات قديمة، وفتح علاقات جديدة على أساس الإسلام وفلسطين.
أعتقد أن ترؤس القيادي السنوار لحركة حماس في قطاع غزة يخدم الواقع الفلسطيني، لأن اهتمام دولة الاحتلال بهذا الحجم بانتخابه يشكل حالة ردع حقيقية، التي لطالما عودتنا عليها بانتخاب شخصيات عرفت بصقوريتها ومواقفها داخل الأحزاب الإسرائيلية، وبلورة ائتلافات حكومية أبرزت شخصيات بهدف الردع أمثال شارون قديماً، وليبرمان وزير الحرب، وبينيت وزير التربية والتعليم في الائتلاف الحالي.
وأعتقد أن التخوف من شن حرب مستقبلية أو أي حالة تصعيد على قطاع غزة من جانب دولة الاحتلال لن يكون مبرره زعامة القيادي السنوار لحركة حماس لساحة غزة، لأن الاحتلال لا يحتاج لمبرر لشن حرب، ويدرك أن حركة حماس هي حركة مؤسسات وقرارها جماعي، وأن انتخاب السنوار بوجود قيادات تاريخية برفقته لن يشكل طفرة ستغير مسار الحركة رأساً على عقب، كما أنه شارك على مدار خمس سنوات في أهم القرارات للحركة بعد تحرره كعضو مكتب سياسي ويترأس ملفات مهمة وحساسة خلال انخراطه في العمل الحركي، ولذلك ستحافظ حركة حماس على سياستها مع فارق التطور الطبيعي تدريجياً بوجود شخصيات جديدة ضمن ظروف ومستجدات سياسية إقليمية ودولية، من الطبيعي ستحتاج فيها لمواقف تتواءم مع المستجدات فى ظل تلك المتغيرات.
هنالك شيء مهم لصالح حركة حماس خلافاً للحركات الأخرى؛ أنها ضخت دماء جديدة تملك مستوى تعليميا عاليا، وتاريخا ناصعا، وتجربة تاريخية واعتقالية في عصب الحركة إلى جانب القيادات التاريخية التي لم تستبعدها، وبهذا الحضور شكلت حالة ردعية للاحتلال بمراهنات مستقبلية على الحرب، التي لن تكون نزهة بوجود تلك الشخصيات وما تملك من رؤية وإرادة.
رأفت حمدونة