دولي
حماس فاعلاً صعبًا
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 فيفري 2017
أنهت حركة حماس انتخاباتها الداخلية في قطاع غزة، في واحدة من مراحل الانتخابات العامة التي تجريها الحركة، ويفترض حتى نهاية شهر مارس من هذا العام أن تفضي إلى انتخاب الهيئات العليا على مستوى عموم الحركة. وقد أعلنت حماس عن فوز الأخ المجاهد، والأسير المحرر، يحيى السنوار؛ برئاسة الحركة في قطاع غزة. لا يمكن الادعاء بأن أوضاع حركة حماس مريحة؛ فهي ما تزال تتعرض لعمليات استنزاف ممنهجة في الضفة الغربية تقترب إلى حدّ محاولات الاجتثاث، وقد خرجت قيادتها من سوريا، ولا شك أنها دفعت بذلك أثمانًا باهظة، بالإضافة إلى ما تتعرض له من حصار إقليمي واستهداف لا تعلن عنه عادة حرصًا منها على حفظ خطوط الرجعة مع الدول العربية والإقليمية، أما حصارها في غزة، وعلى شراسته، فليس إلا حلقة من سلسلة المؤامرة التي تحيط بها هناك هذه مجرد عناوين عريضة، يضاف إليها الكثير من مثيلاتها، ليس أقلها أنها أكثر الفلسطينيين معاناة وتضررًا بالظروف التي فرضها العدو على شعبنا، من فصل وتقطيع جغرافي، ولجوء وتشرد، وصعوبة التواصل، وفي ثنايا تلك العناوين الكثير من التفاصيل، وفي أوضاع كهذه، لا يمكن الادعاء أيضًا، بأن الحركة تخلو من التباين الداخلي، إن على مستوى الإدارة الداخلية، بما في ذلك إدارة الانتخابات، أو على مستوى الأداء السياسي والعلاقات الإقليمية؛ وهذه الظروف هي عينها التي تجعل إنجاز عملية انتخابية بسلاسة وبكثير من الهدوء إنجازًا فعليًّا. حجم الاهتمام بهذه الانتخابات، والقدر الذي أثارته من النقاش، ولاسيما من العدو الذي جعل خبر انتخاب السنوار الأول في قائمة أخباره، إضافة إلى النقاش الفلسطيني، بما فيه نقاش كوادر وعناصر حماس العلني على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛ أشار من ناحية إلى قدرة الحركة على الاستمرار فاعلاً صعبًا في فلسطين والإقليم، وإلى حيويتها وحجمها الكبير الذي انعكس في حوارات عناصرها وكوادرها الجريئة قبل ذلك، كانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت عن نيتها إجراء الانتخابات المحلية في الثالث عشر من شهر أيار/ مايو القادم، على أساس من التعديل الذي أجراه الرئيس محمود عباس في شهر كانون ثانٍ/ يناير الماضي على قانون الانتخابات الصادر في العام 2005، وذلك بعدما أجلت السلطة الانتخابات المحلية التي كان يفترض أن تجرى في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي. تأجيل الانتخابات أولاً، من طرف فتح، والتي هي الفريق الذي يفترض أنه يتمتع بالظروف الفضلى، لاسيما في الضفة الغربية التي يتوفر فيها على ظروف تحرك مريحة، بالإضافة إلى إدارته الحاكمة للضفة وعدم تعرضه للمضايقة المباشرة من الاحتلال، وبعدما قررت حماس المشاركة فيها، ثم إعادة صياغة القانون بما يوافق مصالح هذا الفريق؛ يحمل أيضًا دلالة على التحدي الذي ما زالت حماس تشكله فلسطينيًّا وإقليميًّا، وفي حال أخذنا ظروف كل من الفريقين الموضوعية، تبدو حماس في هذه الحالة أفضل على المستوى الذاتي من الفريق المنافس. إقليميًّا، أعاد النظام الحاكم في مصر تعزيز قنواته مع حركة حماس، ومع أن الحوارات البينية بين الطرفين، لم تسفر بعد عن اختراقات ضخمة، إلا أنها -وطالما أنها جاءت بطبيعة الحال بمبادرة مصرية- أكدت أن استهداف حماس بالحصار والمقاطعة، لم يحقق أغراضه، وأن مصر تحتاج حماس، حتى وإن كانت حماس بداهة تحتاج بدورها إلى مصر، لكن ومرة أخرى، وحين أخذ الظروف الموضوعية بعين الاعتبار، والمواقع والأحجام، يصير هذا التحول النسبي والمحدود في العلاقة، حتى وإن كان هشًّا؛ إنجازًا لحماس نفسها، والتي يبدو أنها تستعيد قدرًا من علاقات إقليمية أخرى كانت قد تراجعت في السنوات الأخيرة صهيونيًّا، وبعدما كان وزير الحرب الصهيوني ليبرمان، قد هدد حماس في قطاع غزة بحرب حاسمة قد تنتهي باحتلال القطاع أو أجزاء منه، عاد ليتحدث عن إمكانية بناء ميناء ومطار في القطاع، ورفع الحصار عنه، في حال تخلت حماس عن مقاومتها، وأفرجت عن الجنود الصهاينة الأسرى لديها. صحيح أن تصريحات ليبرمان المتناقضة في ظرف يومين، تدل على اضطراب المؤسسة الصهيونية في التعاطي مع حماس، وهي لم تزل تلح في تقاريرها الإعلامية على المراكمة الكبيرة التي أضافتها حماس إلى قدراتها القتالية؛ ولكنها أيضًا تدل على التحدي الجدي الذي تمثله حماس في مواجهة العدو. ثمة تحركات فلسطينية على صعيد فلسطينيي الخارج، تتضافر مع سعي حماس لحشد جهود وقوى الشعب الفلسطيني في الخارج، وتوظيف الشتات الفلسطيني، الذي هو جوهر القضية الفلسطينية، في الصراع والمعركة من جديد، الأمر الذي يعزز أيضًا من مكانة حماس ودورها. هذا الجانب المشرق عن قدرة حماس ومكانتها لا ينفي الظروف القاسية التي تعانيها الحركة، ولكنه يؤكد أن تلك الظروف لم تكن كافية إلى درجة إفقاد الحركة مكانتها تمامًا، وهو أمر يبشر باستمرار الإمكانية للبناء على المكانة والإنجازات الراهنة، وتصحيح أي أخطاء لم تزل قائمة.
ساري عرابي