دولي

هل من صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل؟

القلم الفلسطيني

 

 

حطّم بيان كتائب عز الدين القسام جدران الصمت، حين أعلن قائد كبير فيها، عبر فضائية الجزيرة، أنهم تلقوا عرضاً إسرائيلياً لإجراء صفقة تبادل أسرى، ولم يتم البت به، وهو لا يرقى إلى أدنى مطالب حركة حماس.  لم ترفض كتائب القسام العرض الإسرائيلي نهائياً، بل أبقت الباب موارباً، ليظل المجال مفتوحاً لمواصلة الوسطاء الدوليين جهودهم، وقد تخطى إعلان كتائب القسام المألوف من المفاوضات السرية في هذا الشأن، لأنها حرصت على تحقيق الأهداف التالية: 

أولا، أرادت أن تؤكد للحكومة الإسرائيلية على الثوابت التي سبق أن التزم بها المفاوض الإسرائيلي في صفقة وفاء الأحرار، وأرادت أن تحرج المسؤولين الإسرائيليين الذين دأبوا على تجاهل قضية الأسرى، وعدم إعطائها الأهمية المطلوبة. ثانيا، ألقت الكتائب حجراً في بركة الهدوء التي سادت سلوك المجتمع الإسرائيلي تجاه أسراه، فحرصت بالإعلان إلى إثارة شهية أولياء أمور الجنود الإسرائيليين المأسورين لدى "حماس"، لا سيما أن رسائل "حماس" الإعلامية المتكرّرة أوحت بأن هنالك جنوداً أسرى أحياء، وهذا ما حفّز آباء الجنود المفقودين وأمهاتهم للخروج إلى وسائل الإعلام بعد إعلان كتائب القسام، وبدأوا الحديث عن مأساتهم، وضرورة بذل الحكومة مزيداً من الجهد لإعادتهم.  ثالثاً، التأكيد للمجتمع الفلسطيني على مصداقية حركة حماس التي أعلنت في يوليو/ تموز 2014 عن أسر جندي إسرائيلي، ولم تحدّد إن كان حياً أم ميتاً، وتركت للجيش الإسرائيلي الإعلان عن مقتله، بل وأقامت حاخامية الجيش مراسم دفن للجندي شاؤول أورن، ليتخفف الجيش من عبء الضغط الواقع عليه جراء أسر جندي على قيد الحياة، لتفاجأ والدة هذا الجندي قبل أيام برفض حاخامية الجيش تزويدها بشهادة خطية تفيد بوفاته، لتعلن بعد ذلك أن ابنها الجندي الأسير على قيد الحياة، ولهذا الإعلان تأثير بالغ على المجتمع الإسرائيلي، وسيؤثر حتماً على حجم صفقة تبادل الأسرى ونوعيتها.  تتجاوز معيقات تحقيق صفقة التبادل للأسرى بين حركة حماس وإسرائيل إطار الاعتراف الإسرائيلي بوجود جنود أحياء، يجب العمل على إعادتهم إلى ذويهم، وتتجاوز أعداد الأسرى التي تطالب حركة حماس بالإفراج عنهم. يصطدم عقد هذه الصفقة بجملة معطياتٍ تقيد أيدي الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن، تتمثل في حذر الحكومة الإسرائيلية من إبداء الضعف، والرضوخ المهين أمام قوة حركة حماس، ولا سيما أن هذه الحكومة أثبتت قوتها أمام الضعف الذي أظهرته السلطة الفلسطينية في رام الله. لذلك، تخشى الحكومة الإسرائيلية من انعكاسات الصفقة الإيجابية على حياة المجتمع العربي الفلسطيني أكثر مما تخشى من انعكاسات الصفقة السلبية على المجتمع الإسرائيلي.  ويستوجب تحقيق صفقة تبادل أسرى بين عدوين لدودين ازدياد الضغط الشعبي الذي تحتاجه الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، وهذا ما تحتاجه الحكومة مبرراً يسمح لها بالالتفاف على مشروع القرار المقدم إلى الكنيست (البرلمان)، والذي يقضي بإطلاق سراح أسير فلسطيني واحد مقابل كل جندي إسرائيلي يقع في الأسر، وهذا الضغط الشعبي لا يزال في بداياته. كما يستوجب ازدياد الحراك داخل أوساط الجنود الإسرائيليين أنفسهم، للمطالبة بتحرير زملائهم من الأسر، ولذلك حرصت الحكومة الإسرائيلية على التأكيد أن جنودها المفقودين قتلى، فيما تحرص حركة حماس على الإيحاء للإسرائيليين بأنهم أحياء. واستنفاد الضغط الدولي والعربي الذي توظفه إسرائيل على "حماس"، واقتناع الحكومة الإسرائيلية أن كتائب القسام لن تتخلى عن فريستها، من دون أن تأخذ المقابل المطلوب. ويستوجب استقرار الحكومة الإسرائيلية، وعدم مطاردة رئيس وزرائها بقضايا الفساد التي لن تمكّنه من الهرب من الأوضاع الداخلية إلى تنفيذ صفقة تبادل أسرى، ستحرج الائتلاف الحاكم. ويستوجب تحقيق الصفقة انتظار الحكومة تقرير مراقب الدولة في غضون أسبوعين، والذي سيفتح جبهة هجوم عريضة على أداء المجلس الوزاري المصغر، المتهم بالقصور في إدارة الحرب على غزة سنة 2014، فكيف لحكومة تنتظر بقلق تقرير الإدانة بالقصور، لترش الملح على جرح الفشل، من خلال تنفيذ صفقة أسرى؛ ستزهق روح المجتمع الإسرائيلي النازفة من فقدان قوة الردع.  المرحلة الراهنة غير ملائمة لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، حتى وإن كانت كتائب القسام بحاجة إليها، للتخفيف من حجم الضغط الشعبي الواقع على حركة حماس جرّاء حصار غزة، ولحشر قيادة السلطة الفلسطينية في زاوية الإحباط، وذلك من خلال النجاح في الإفراج عن أسرى معتقلين قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، وفشلت القيادة الفلسطينية في إطلاق سراحهم، على الرغم من سنوات المفاوضات الطويلة.

 

 

فتحية محمد الصديق 

من نفس القسم دولي