الوطن

الطبقة السياسية تُواجه تطمينات دربال بـ"برودة" و"لا حدث"

فيما يتعلق بمحاربة المال الفاسد واستعمال وسائل الدولة وتسهيلات للأحزاب

الأرندي: استعمال وسائل الدولة "غير محبذ" وأويحيى صارم ضد المخالفين

صالح سعود: مُهمة هيئة مراقبة الانتخابات "صعبة للغاية" قانونيا ولوجيستيكيا

خلف خطاب رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، عبد الوهاب دربال، أول أمس، ردود "فعل باهتة" لدى الأحزاب والطبقة السياسية لعدة اعتبارات، أهمها "مقدرة الهيئة الدستورية المستحدثة على محاربة المال الفاسد في العملية الانتخابية"، وكذا "منع استعمال وسائل الدولة لفائدة أحزاب أو مترشحين نافذين"، وفي نقطة أخيرة، مدى التسهيلات التي ستقدمها للأحزاب المشاركة في الانتخابات، انطلاقا من أن الإدارة هي التي تقوم على عملية التنظيم. واتجهت قراءات أحزاب محسوبة على المعارضة إلى أن "تطمينات دربال تحتاج إلى تجسيد واقعي"، فيما يرى حزب الأرندي (محسوب على الموالاة) أن "خروقات استعمال وسائل الدولة والمال الفاسد تحاربها الأحزاب قبل الهيئة"، فيما اعتبر محلل سياسي أن "كيفية تعيين الهيئة وآليات عملها ومحدودية القانون في بعض الحالات تجعل مهمتها صعبة للغاية واقعيا".

وطرحت "الرائد" على مسؤولي أحزاب ومحلل سياسي ثلاثة محاور تتعلق بردود فعل الطبقة السياسية حول خطاب دربال المتعلق بآلية عمل هيئته لضمان الشفافية ومصداقية الانتخابات القادمة، والتحذيرات التي أطلقها ضد كل مترشح يستعمل وسائل الدولة أو المال الفاسد، وكذا شروع الهيئة في العمل التنسيقي مع الأحزاب والمشاركين في الانتخابات المقبلة. 

 

جبهة الجزائر الجديدة: دون إرادة سياسية لا يمكن لهيئة دربال تحقيق وعودها 

اعتبر رئيس حزب جبهة الجزائر الجديدة، جمال بن عبد السلام، أن "وعود وتطمينات رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ستبقى حبرا على ورق إذا لم تتوفر الإرادة السياسي الحقيقية لتطبيقها". وأضاف: "فرق كبير ما تضمنه خطاب دربال وتطميناته للطبقة السياسية المشاركة في الانتخابات وبين تجسيدها في الواقع، ونحن لا نحكم عليه الآن، بل نتمنى تجسيد الوعود". وذكر بن عبد السلام: "نحن نطلب ألا تكون هناك تجاوزات وإذا حدثت نطالب بتطبيق القانون".

وبخصوص ترشح الوزراء واستعمال وسائل الدولة واستغلال المال الفاسد في الانتخابات، قال جمال بن عبد السلام: "لا يهمّ ترشح الوزراء والمسؤولين وحتى أعوان الدولة، لكن لا يجب استعمال وسائل الدولة وهي مهمة الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات، وكذا محاربة المال الفاسد مثلما حدث سابقا"، مضيفا: "الإرادة السياسية الحقيقية هي التي تفصل في نزاهة ومصداقية الانتخابات، وإذا غابت هذه الإرادة لا ينفع حضور مراقبين دوليين أو مشاركة الكل في تنظيمها".

وعن الانطلاق الفعلي لعمل الهيئة في وضع تسهيلات لصالح الأحزاب، ذكر بن عبد السلام: "إلى حد الساعة لم نتعامل مع الهيئة، لكن مناضلينا شرعوا في سحب الاستمارات وتسلموا قرصا مضغوطا يحتوي الهيئة الناخبة"، وهي إشارة إلى انطلاق الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات في بعض الولايات في ممارسة عملها وتسهيل بعض العقبات أمام الأحزاب والمترشحين.

 

الأرندي: استعمال وسائل الدولة "غير محبذ" وأويحيى صارم ضد المخالفين 

من جانبه، أبدى المكلف بالإعلام في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق، "ثقة حزبه وعزمه على وقف كل مترشح يستغل وسائل الدولة خلال الانتخابات وفق تعليمات من أويحيى". وأوضح صديق: "ما قاله دربال يشتمل على ما ذكره الأمين العام أويحيى حول ترشح الوزراء واستعمال وسائل الدولة وأملاكها، وكذا استغلال المال الفاسد في الانتخابات"، مضيفا: "أويحيى قال أن المسؤولين والوزراء الراغبين في الترشح شيء محبذ لأنهم وضعوا أنفسهم في خدمة المواطن وتمثيله"، معتبرا أن "الديمقراطية والاحتكام لاختيار الشعب هي أساس العمل السياسي والديمقراطي"، وأضاف، في قراءته لخطاب دربال: "استعمال وسائل الدولة بصفة عامة وفي الانتخابات بصفة خاصة شيء غير محبذ والأحسن تجنبه لأنه يسيء للمترشح"، مضيفا: "الأمين العام أحمد أويحيى صارم بخصوص المترشحين الذين يقومون بتجاوزات أو يخرقون القانون".

وعن عمل الهيئة، قال صديق شهاب: "ما جاء في خطاب دربال ليس تطمينات بقدر ما هي التزامات لاحترام القانون وضمان مصداقية الانتخابات"، مضيفا: "هي كذلك رسائل أن الهيئة لها كل الصلاحيات والآليات القانونية والكفاءات التي تؤهلها لتطبيق القانون والحرص على الشفافية". وختم المتحدث: "نحن في المرحلة الأولى للاستعداد للتشريعيات ولم نتعامل رسميا مع الهيئة إلى حد الآن".

 

بن خلاف: على الإدارة محاربة المال الفاسد باحترام السقف المحدد قانونا 

على صعيد آخر، قال القيادي في التكتل الحزبي المسمى الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، أن "تطمينات دربال مهمة عندما يتم تجسيدها واقعيا، لأنه تعودنا على تصريحات دون تطبيق خلال كل الانتخابات الماضية". وأضاف: "بالنسبة للهيئة والتشريعيات المقبلة هذا امتحان لها وللإدارة، وننتظر التزامهما بالقانون والوعود". وعن تحذيرات رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات كل المسؤولين والوزراء من استعمال وسائل الدولة، قال بن خلاف: "نتمنى أن نرى ذلك واقعيا بتطبيق القانون على كل الخروقات، وهذا لا ينطبق فقط على الوزراء والمسؤولين، بل كذلك كل أعوان الدولة المترشحين وفي كل المستويات".

وعن استغلال المال الفاسد في العملية الانتخابية، قال بن خلاف: "هذه مهمة الإدارة ومهمة وزارة الداخلية في مراقبة استعمال المال الفاسد وعدم احترام بعض الأحزاب والمترشحين للسقف المحدد قانونا"، في إشارة إلى المادة 194 التي تمنح الأحزاب والمترشحين حق استعمال سقف محدد من المال يقدر بـ 150 مليون سنتيم فقط لكل مقعد أو مترشح في قائمة، وكذا المادة 196 التي تشدد الإدارة على تقديم تقرير محافظ الحسابات لإيرادات ونفقات المترشحين خلال العلمية الانتخابية. وأضاف بن خلاف: "في الانتخابات الماضية رأينا أن هذا السقف لم يحترم وهناك جهات صرفت الملايير دون حسيب أو رقيب".

وعن التنسيق بين الهيئة والأحزاب، قال بن خلاف: "مازال لم نشرع في العمل مع الهيئة إلى حد الآن، ربما لأن الظاهر أنها لم ترتب بعض أمورها، لكن وجب التنسيق معها خلال كل العملية الانتخابية"، مضيفا: "أول مهمة على الهيئة الاضطلاع بها هي نشر النتائج التفصيلية للأحزاب خلال تشريعيات 2012 حتى يتسنى للمشاركين معرفة أوضاعهم بخصوص المادة 94 من قانون الانتخابات المتعلقة بجمع التوقيعات أو نسبة 4 في المائة".

 

محلل سياسي: عمل الهيئة منوط باستقلاليتها وآليات عملها القانونية واللوجيستيكية 

اعتبر المحلل السياسي، صالح سعود، أن أول ملاحظة توجه للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات هي "كيفية تعيينها التي لا تتوافق من حيث المبدأ مع منطق الاستقلالية لأنها آتية من سلطة عليا"، مضيفا: "لهذه السلطة أقطابها التي تعمل على استقرار نظامها ونسقها، ومن هنا مهما كانت هذه التطمينات مقدمة من أي جهة فإنها لا تطمئن الجميع".

وعن آليات عملها، أضاف الأستاذ الجامعي: "المسألة لا تتعلق بإعلاناتها للتطمين وأنها ستواجه كل من تخول له نفسه المساس بالعملية الانتخابية، لكنها تتعلق بالآليات التي يمكن أن تكون متوفرة في هذه الهيئة"، مضيفا: "هل إمكانياتها كافية وتستطيع تغطية كل التراب الوطني"، وثانيا "هل كيفية توظيفها ستتم بالتوازي في مواجهة أي اختراق أو اعتداء على الانتخابات وكذا في كل المدن وليس الكبرى منها فقط"، في إشارة إلى تطبيق القانون على الجميع.

وفيما يخص استعمال المترشحين للمال الفاسد خلال الانتخابات، أوضح الأستاذ سعود: "الإمكانيات التي توفرها هذه الأحزاب لا يمكن للدولة أو لهذه الهيئة المستقلة أن تضبطها قانونا، فقد يستطيع حزب معين أن يجد ممولين يقدمون له الدعم ولا يعتبر ذلك خرقا للعملية الانتخابية"، وأضاف: "حتى إن كان توظيف إمكانات الدولة لخدمة هذا الطرف أو ذاك فإنه لا يوجد قانون يمنع الأحزاب الكبرى أو الموالية أو حتى الشخصيات التي كانت موجودة في السلطة وماتزال من أن تمتلك الوسائل الأخرى للتأثير على الناخبين"، في إشارة إلى النفوذ السياسي لبعض الأحزاب والشخصيات في مؤسسات الدولة، مختتما: "كل هذه الأمور تجعل مهمة الهيئة العليا صعبة للغاية ولا تستطيع مهما كانت نيتها أن تطبقه في الواقع".

للإشارة، طبعت ردود فعل الأولية للأحزاب حول قراءتهم لمحاضرة رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، عبد الوهاب دربال، أنهم "لم يطلعوا على مضمونه"، رغم أن المحاضرة كانت موجهة في المقام الأول للمشاركين في التشريعيات المقبلة وشرح آليات علمها والتنسيق مع الأحزاب والمترشحين الأحرار، إضافة إلى التطمينات الموجهة لهم، فهل يعكس "عدم مبالاة" الأحزاب "موقفا رسميا" منها تجاه الهيئة؟

يونس بن شلابي 

 

من نفس القسم الوطن