دولي

الخيارات الفلسطينية.. أصحابها ومصيرها

القلم الفلسطيني

 

 

 

أثارني نقاش نخب فلسطينية من مثقفين وأكاديميين للواقع الفلسطيني وسبل الخروج من الواقع المأزوم في كل التفاصيل، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية وحتى الاقتصادية. وسط مجموعة من الأفكار التي تداولها الجميع تتعلق في عناوينها الرئيسية بكيفية كسر جمود الواقع الحالي من قبيل تشكيل لوبي ضاغط على المسئولين، أو شبكة أمان فلسطينية، أو حتى الذهاب نحو تشكيل جسم فلسطيني جديد يكون قادرًا على مواجهة التحديات ويطرح نفسه كتيار ثالث يحقق الطموحات الفلسطينية. 

هذه النقاشات وإن كانت في إطاراتها النخبوية، وتغيب عنها الكوادر الشابة التي كانت حاضرة في التجمعات الشبابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنها حملت في بعض تفاصيلها مؤشرات على محاذير لتوجهات نخبوية ترفض المقاومة كبرنامج وتجد نفسها تملك ما يؤهلها لانتقاد المقاومة، وسط تشكيك في جدواها وغاياتها، وهو ما يشكل انحداراً للحالة الثقافية لأصحاب هذه التوجهات، مع تأكيدي أن المقاومة بحاجة إلى مزيد من التعزيز عبر تجاوز العثرات التي تصيبها، أو الملاحظات التي يمكن تحديدها لمعالجتها بما يضمن تحقيق المطالب الشعبية والفلسطينية. خيار المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها وأهمها الكفاح المسلح حق طبيعي تكفله الأعراف والمواثيق كافة، ولست بمعرض الدفاع عن برنامج ترى القواعد الشعبية الفلسطينية فيه كرامتها وفخرها وسبيلها لتحرير أرضها، وهي مستعدة للبذل والعطاء بمنطق أن من قدم روحه قادر على مواصلة العض على جراحه وهو يرى نجاحات هذه المقاومة في تحرير الأسرى، وتطويرها لإمكاناتها في الدفاع عن شعبها. 

المقاومة الفلسطينية تدرك أن الجمهور الفلسطيني هو رأس مالها بجوار سلاحها، وبالتالي فإن القذيفة والمدفع التي يهندسها المقاوم الفذّ، بحاجة إلى مناضل مبدع قادر على البحث في ما يعزز الصمود بمنطق استراتيجي ومثمر وليس إغاثيا محدودا، بالإضافة إلى البحث في القيود السياسية التي من شأنها أن تثقل يد الفدائي، وكيفية تجاوزها، بما يحافظ على الجسم المقاوم ويضفي عليه حيوية، ويكفل تعافيه من الملاحظات التي قد تصيبه. أما الرسمية الفلسطينية فقد ذهبت لتهديد الولايات المتحدة راعي عملية التسوية في حال نقلت سفارتها إلى القدس المحتلة، وتغاضت عن تهديد الاحتلال، وهو ما يستدعي البحث افتراضاً في جدوى أي عملية تسوية برعاية أوربية أو روسية حال نفذت الولايات المتحدة وعدها لدولة الاحتلال؟ هذه التهديدات التي شملتها قائمة عريضة بـ26 خطوة ستقوم بها السلطة مثيرة للاهتمام ليس لجدواها وإنما لمنطقها، فالسلطة تجد في نفسها قادرة على التلويح بسحب الاعتراف بدولة الاحتلال لكنها تلتزم الصمت حين يقدمها طرف فلسطيني ضمن مبادرة لحل الأزمة الفلسطينية، كذلك فمن المعيب أن تهدد السلطة الاحتلال والولايات المتحدة بتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام!! برنامج التسوية يثبت في كل محطة فشله، والأخطر من ذلك توجهه نحو تنفيذ التزامات التسوية بعيداً عن تحقيق مصلحة وطنية، وهو يسعى نحو بناء الوحدة الفلسطينية بناء على منظوره فينادي بتشكيل حكومة الوحدة وفق برنامج الرئيس ووفق التزاماته! إن استعراض تجربة خيار التسوية يذهب بنا جميعاً للحسم بأن الوظيفة الأمنية للسلطة الفلسطينية تجاه فصائل المقاومة بالضفة الغربية تشكل العمود الفقري لأدائها الوظيفي، وهو ما يتعارض مع الحاجات والدعوات الشعبية.

كذلك فإن هرولة الرسمية الفلسطينية تجاه التسوية يقابلها تلكؤ في الذهاب نحو تطبيق اتفاقات المصالحة، وقد عادت وفود المصالحة من بيروت وموسكو إلى الرئيس عباس بدعوة للبدء في تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال ساعات!! غير أننا لم نلمس حراكاً جدياً في هذا الإطار، وبالتالي فإن أصحاب برنامج التسوية مستعدون للقاء تفاوضي مع الاحتلال لا جدوى منه، ويتهربون من استحقاق الوحدة الوطنية وفق التوجهات الوطنية والشعبية. أما من يقدم خيار تشكيل تيار ثالث انطلاقاً من كونه بديلاً عن حماس وفتح، فهو يتجاوز في البداية أن هذه قوى تحرر تشكلت لتقاوم الاحتلال، وحققت نجاحها باستهداف الاحتلال فاحتضنها شعبها والتف حولها، لكن معالم القبول أو الرفض الشعبي لأداء الأطراف السياسية تحدده درجة الثقة في الأداء نحو تحقيق المصلحة الفلسطينية والحفاظ على الثوابت الوطنية بما يكرس الحق الفلسطيني. 

الواقع الفلسطيني لا يحتاج لمزيد من الأرقام الفصائلية بل يبحث عن برنامج سياسي قادر على حمل هموم الناس ويستجيب لتطلعاتهم ويحافظ على ثوابتهم، ينظر إلى الاحتلال بعين الوطني الرافض للواقع ويقاومه، ويبحث كذلك في سبل تعزيز الصف الفلسطيني انطلاقاً من كون شعبه محتلا، يتوق إلى حريته ويأمل بحد أدنى من مقومات الصمود.

 

د. أحمد الشقاقي

من نفس القسم دولي