دولي
كيف أصبح نقل السفارة أهون الشرّين؟
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 01 فيفري 2017
في ضوء المستجدات بخصوص نقل السفارة، وما حدث من مقايضة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، تشمل تأجيل نقل السفارة، مقابل إعطاء البيت الأبيض الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ أوسع هجمة استعمارية استيطانية، بدأت بإقرار إقامة أكثر من 3 آلاف وحدة استيطانية من ضمن مخطط يضم 11 ألف وحدة استيطانية؛ أصبح نقل السفارة على خطورته البالغة أهون وأقل ضررًا من عدم نقلها. ما يدفعني لقول ذلك كيفية تعامل القيادة الفلسطينية مع هذا الموضوع، حيث وضعت قائمة طويلة عريضة تضمنت 26 خطوة ستُقدم عليها إذا نقلت السفارة من دون توضيح ما هي الخطوات التي ستقوم بها ردًا على هذا الجنون الاستيطاني المترافق مع تشريع الاستيطان قانونيًا، ومع الشروع في تنفيذ مخططات ضم مناطق في الضفة الغربية إلى "إسرائيل". يلاحظ المتتبع للسياسة الفلسطينية الراهنة أنها تعاني من الارتجال والارتباك، وتحكمها ردة الفعل من دون رؤية استشرافية قادرة على مواجهة الحاضر والتقدم بثقة نحو المستقبل. وهذا يظهر من خلال اعتماد سياسة تقوم على عنصرين: البقاء والانتظار.
فبقاء السلطة والقيادة وتجديد شرعيتها هو الهدف الأسمى، بينما الانتظار هو سيد الموقف من دون فعل حقيقي يذكر.
وأكثر ما يظهر قصور السياسة الفلسطينية في كيفية تعاطيها مع احتمال نقل السفارة، أن ما حكم موقف القيادة في البداية الاستهانة بالأمر وعدّ نقلها تعهدات انتخابية لا تملك رصيدًا للتنفيذ، كما عبر عن ذلك الرئيس محمود عباس في لقائه مع حزب "ميريتس" الإسرائيلي، ثم حدث تحول مفاجئ 180 درجة ناجم عن معلومات غير مؤكدة نقلها رجل أعمال مقرب من دونالد ترامب مفادها أن الرئيس الأميركي المنتخب سيعلن في خطاب التنصيب عن قراره بنقل السفارة، فرأينا التهديدات اللفظية الفلسطينية الناجمة عن عدّ هذه الخطوة إعلان حرب وتجاوزًا للخطوط الحمر، وستؤدي إلى سحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، وتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وتطبيق قرارات المجلس المركزي، وتبني المقاومة الشعبية الشاملة والمقاطعة لإسرائيل، وليس للمستوطنات فقط، والعمل على تجميد عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة، وإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة، وتغيير وظيفة السلطة، وتجسيد الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية .. إلخ.
وبعد أن مضى حفل التنصيب من دون الإعلان عن نقل السفارة تغيّر الموقف فجأة بعد إعلان البيت الأبيض عن أن نقل السفارة في المراحل الأولى للتفكير، وبعد تصريح ترامب بأن نقل السفارة سابق لأوانه (وتسريب مصادر أن التأجيل تم بطلب أو بموافقة إسرائيلية مقابل المقايضة المشار إليها في مستهل المقال)؛ ليعدّ أحمد المجدلاني، المقرب من الرئيس عباس، أن إدارة ترامب تراجعت عن نقل السفارة، وأنها طمأنت الجانب الفلسطيني بهذا الخصوص، بينما نفى صائب عريقات تلقي أي تطمينات.
ويظهر تخبط السياسة الفلسطينية من خلال التذبذب ما بين استبعاد احتمال نقل السفارة، إلى المبالغة بهذا الاحتمال، إلى استبعاده مجددًا ووضع قائمة بخطوات سيتم الإقدام عليها إذا نقلت السفارة، معظمها لا يتعلق بمن سيتخذ هذه الخطوة وهو الإدارة الأميركية، بل موجه ضد "إسرائيل"، وسبق أن اتخذت قرارات بشأنها تضمنتها قرارات المجلس المركزي ولم تنفذ، ولا يدري أحد موعد تنفيذها، وهل هناك نية لتنفيذها، وخصوصًا أن التنفيذ يتطلب توفير عوامل ومتطلبات وظروف تجعله ممكنًا؟! المهم الآن أن تأجيل نقل السفارة، الذي يمكن أن يكون مؤقتًا لمدة عام أو نصف عام كما أشارت مصادر متعددة، جعل الأوهام باستئناف ما يسمى مسيرة السلام تحلّ محل الانفعال والصدمة، عبر الرهان على إدارة ترامب اعتمادًا على ثلاثة مؤشرات: الأول، تأجيل أو إلغاء نقل السفارة، والثاني، عدم تأييد إدارة البيت الأبيض للقرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة التي صادقت فيها على مخططات لبناء أكثر من ثلاثة آلاف وحدة استيطانية، وإعلانها أنها ستبحث هذا الأمر مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وكأنّ هذا لا يشكل غطاء للموقف الإسرائيلي، والثالث، إعلان ترامب بأن صهره جاريد كوشنر سيحاول حل قضية القضايا المتعلقة بالصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه إذا لم ينجح فلا أحد غيره يمكن أن ينجح، ما يعنيه ذلك بأنه سيعطيه فرصة قبل الإقدام على نقل السفارة التي يمكن أن تغير قواعد اللعبة برمتها، وتنطوي على تداعيات خطيرة. إن هذا التطور المحتمل سيضع الجانب الفلسطيني أمام وضع حرج للغاية، فهو أمام استئناف المفاوضات ضمن سقف منخفض أكثر من سقف المفاوضات السابقة، ما يجعلها أمام احتمالين: قبول الجانب الفلسطيني بالاستسلام من خلال الموافقة على ما تعرضه "إسرائيل"، أو رفضه، وما يعنيه ذلك من فشل المفاوضات وتحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن ذلك، ما يفتح الطريق لنقل السفارة وفرض الحل الإسرائيلي بالقوة وبدعم أميركي. وهناك احتمال آخر يجب ألا تقلل القيادة الفلسطينية من شأنه، وهو أن تفضل إدارة ترامب المقاربة الإسرائيلية المطروحة في السنوات الأخيرة، التي عنوانها تفضيل الحل الإقليمي مع العرب، وإعطائه الأولوية على الحل مع الفلسطينيين، ليكونوا مرغمين على قبوله، أو مواجهة العزلة الشاملة. ما يعزز الاحتمال الأخير إعلان نتنياهو مؤخرًا عن شروط تعجيزية للتفاوض مع الفلسطينيين، تتضمن قبولهم بإسرائيل كدولة يهودية، وباستمرار السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الممتدة من النهر إلى البحر مقابل قيام "دولة" فلسطينية بلا سيادة على الأراضي المصنفة (أ) و(ب)، أي على حوالي 40% من أراضي الضفة المحتلة.