دولي

حين تصبح المستوطنة أصلا ومعها تموت القرية الفلسطينية

يكثر الحديث في الشهور الثلاث الماضية، عن المستوطنات في القدس والضفة الغربية خاصة مع طرح قانون التسوية وتولي الرئيس الأمركي دونالد ترمب.

في هذا السياق حلل من حلل، وكتب من كتب، وكأن الحالة تحتاج كثير وصف لمعرفة أن الضفة الغربية والقدس ما هي إلا مستوطنات تختلط بها القرى الفلسطينية.

هذا التوصيف الذي سيغضب الكثير يمكن مشاهدته بالعين المجردة، حين انتقال الفلسطيني بين مناطق الضفة الغربية والقدس.

إذ يكفيك على سبيل المثال لا الحصر التوجه إلى محافظة سلفيت لمشاهدة تعداد المستوطنات والمناطق الصناعية والعسكرية التي يسيطر عليها الاحتلال عدا عن الطرق الالتفافية التي باتت شبيهة لما هو الحال في الداخل "يافطات بالعبرية، مفترقات ضخمة بمسميات إسرائيلية وغيرها".

هذا الحال ينطبق أيضا على مناطق غرب رام الله وشرقها وتخوم مدينة نابلس التي تنتشر فيها نحو 120 ما بين مستوطنة وعشوائية ومعسكر، إذ يكفيك المسير بين قرى دير قديس وخربثا ونعلين وصولا إلى رنتيس غرب رام الله لتجد الكارثة.

ليس بعيدا عن ذلك مدن بيت لحم والخليل، يخنقك فيها مشهد نحو 40 مستوطنة وعشوائية تزاحمك على طول الطريق فيها وكأنها معلم المكان وحاضره.

وفي حال تحدثنا عن الأغوار التي تعتبر عصب المساحة التي تتشكل منها الضفة الغربية تجد الفلسطيني هناك مقهورا، معزولة قراه كأنها استثناء في المكان، بل تصمد في مساحاته خيام البدو المترنحة بفعل الإجرام الصهوني.

أما القدس فلها رواية مختلفة في مستويات القهر الاستيطاني وحجمه، إذ تتربع في جسد المدينة المستوطنات ومراكز الشرطة والأحياء الصهونية بواقع 70 موقعا، تمتلك من القدس 85 %.

ما يزيد عن ال 400 تكوين استيطاني، وبتعداد بات يزاحم حاجز المليون، ينتشر في حدود القدس والضفة الغربية، ثم نناقش فلسطينيا بأن الخيار هو حل الدولتين.!

حديث حل الدولتين لم يعد منطقيا ولم يعد معه الواقع ممكنا؛ كون الضفة الغربية والقدس تحت تغوّل جنوني استيطاني، سيزداد صعوبة مع مخططات الكيان القاضية بإقرار نحو 10000 وحدة استطيانية خلال المراحل القادمة.

هذا التوصيف لواقع الضفة الغربية ليس مهما؛ كونه معلوما للقاصي والداني، ومعروفا لصاحب المكان المتنقل في الضفة الغربية، لكن الذي لا يعرفه منهم خارج الضفة الغربية أن القرى الفلسطينية باتت تجمعات يغلقها الاحتلال عبر بوابة حديدية، تستخدم في وجه الفلسطيني وعلى الفلسطيني حين يرتاح ضابط الدورية الإسرائيلي أمام التجمعات الفلسطينية.

في المقابل فلسطينيا، امتلكنا قرارات أممية تجرم الاستيطان، وتصف حقا مشوها في القدس (جزئيا) والأقصى، ولنا وزارة باسم الاستيطان، وهيئة تتعلق بالقدس، وصدر عن الفصائل عشرات البيانات، وكتب عن ذلك مئات المقالات... السؤال المركزي: هل تغير الأمر؟

على الأرض للأسف رفعنا علما وبنى الاحتلال مستوطنة، كتبنا بيانا وشيد الاحتلال أضخم سكة حديدة في القدس، حزنا كرسيًّا وحاز الاحتلال 80 % من الأرض الفلسطينية.

نحن راكمنا أقوالا، والاحتلال راكم وجذّر احتلالا مجنونا وصاخبا، يمس كل مكونات الصمود.

ما بين مراكمة ومراكمة الحالة لا تسر، وهذا يرجع لغياب رؤية وطنية لمواجهة الكارثة، لا نحن نقاتل ولا نبني حلا سياسيا، لا نحن نحاكم الاحتلال ولا نجعل منظومة أمنه تترقب الغضب، لا بنينا وحدة، ولا عززنا انقساما.

في الفشل يوجد فشل، هذا الأمر تتحمله "القيادة الفلسطينية" التي لم تحسن إدارة ملف فلسطيني غير النظري منها، وكذا الفصائل لم توفر حالة مناقضة يمكنها تغيير المسارات.

عند السؤال عن المطلوب لتغيير الواقع، نحن أمام أرضية لا يوجد عليها منزل ولا أثاث، نحن نحتاج بناء المنزل الوطني، ونحتاج معه الوسائل للتأثيث، ونحتاج الأثاث حتى نزعم بعدها أننا نملك مقوما يمكن البناء عليه.

الخلاصة: حالتنا والواقع يحتاج إلى خطة إنقاذ وطني، وكل ما يرشح من خطوات ومؤتمرات لن تغير من الواقع شيئًا سوى استمرار في تسويق خديعة أننا ننجز.

علاء الريماوي 

من نفس القسم دولي