دولي

أهلاً برائد الإصلاح في فلسطين الشيخ رائد صلاح وسهلاً

القلم الفلسطيني

إي والله، أهلاً به وسهلاً، ومرحىً له ومرحباً بمقدمه، وقد خرج من حبس اليهود بطلاُ هُماماً، ومن إسارهم أسداً ضرغاماً، لم يهُن له جَناب أو يهيض منه لهم جناح، وعاد من امتحانه ذهباً نُضاراً لم تنل منه فتنة القيد مثقال ذرة أو تفلَّ من عزيمته وزن شعرة، بل زادته في عيون الكرام هيبة ووقاراً، ورفعته في أنظارهم إجلالاً وإكباراً. دخل السجن حرّاً وأقام فيه حرّاً وخرج منه حرّاً، لأنه العربي الغيور والمسلم الطهور والوطني الجسور، لم يُغيّر في الحق أو يُبدل في المبدأ. فهو ابن القضية الأصيل، وكم مدّعٍ الانتساب إليها، وهو مشبوه ودخيل.

أجل أهلاً به وقد نظر بعد هزيمة حزيران المنكرة عام 1967م إذ احتل الأوغاد على إثرها كل فلسطين، تحت بيارق الأنظمة العربية كلها رجعية كانت أم تقدمية، وقد فتح الله على أهله - فيما يسمى وراء الخط الأخضر - الباب فاتصلوا بإخوانهم الآخرين في بقية أنحاء فلسطين، فأرسلوا بعض أبنائهم إلى معاهدها الإسلامية في هذه المناطق، فكان من هؤلاء المحظوظة بهم بلادهم، هذا الشاب الكريم الذي درس في الخليل علوم الدين الحنيف، مما كشف لِلُبّه وبصيرته حقيقة الأمر، وهو أنّه بالإسلام وحده تُحلُّ القضية ويُسترجع المغتصب، فاختار سلوك هذه الطريق، طريق خالد وعمر وصلاح الدين وعز الدين القسام وأحمد ياسين ويحيى عيّاش وأعرض عن الطرق الأخرى جميعاً لأنها طُرق غواية وضلال وزيف وافتراء.

كوّن الرجل بعد أن تخرّج في المعهد الخليلي ووفّقه الله للدرب السوي، مع ثلة من شباب مثله في أرض الثمانية والأربعين، حركة إسلامية راشدة تدعو إلى سلوك هذه الدرب الموصلة إلى الهدف المنشود. وهو تحرير فلسطين من رجس الاحتلال، والعمل لذلك بجدٍّ واجتهاد، فكان لهذه الحركة أثرها المدوِّي في تلك المناطق، وقد استقطبت العديد من أبناء الأرض المباركة على هذا النهج السديد، ليكُونوا من بعدُ في سنين محدودة، شؤماً على أعداء الله اليهود أطاش صوابهم وأقضّ مضاجعهم بعد أن ظنّوا بأن العرب في هذه المناطق قد احتُوُوا وغُسلت أدمغتهم وأدمغة أبنائهم من خلال أجهزة الإعلام الموجَّهة وسلطة الاحتلال الآسرة، ونشر الأفكار الفاسدة، وبث الدعايات المُضلّلة، فلم تعد لهم بالعروبة صلة، ولا بالإسلام رباط ، ولكنّ الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا، فقذف في قلوبهم الرعب من هذه الحركة الوليد التي تتساوق مع حركات إسلامية خارج فلسطين ومنظمات جهادية داخلها، فقاموا بمحاولة احتوائها وحرفها عن مسارها، فنجحوا بعض الشيء غير أنّ صُلب العاملين الجادين في هذه الحركة الكريمة ما زالوا هم الفاعلين والمؤثرين والقادة.

حاول اليهود أن يُوقِفوا تقدّم هذه الحركة الزاحف، وإطفاء شعلتها المتّقدة، كما حاول بعض الحكام من أبناء الجلدة وما زالوا يحاولون إخماد أنفاس الحركة الإسلامية الأم في كل بلاد العرب، غير أنهم لم يُفلحوا أبداً، إذ طوتهم جميعاً أم قشعم وراحوا هالكين مُذمّمين وقد بان للناس افتراؤهم وهراؤهم وبقيت الدعوة والدعاة في تجدّدٍ ونشاطٍ، لأنها وإياهم غرسٌ من غرس الله وما يغرسه جل وعلا لن يموت، وصدق الله العظيم: (أفرأيتم ما تحرثون؟! أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعونَ؟!). أجل حاول اليهود ذلك بكل وسيلة، فعاملوا زعماء هذه الحركة وفي مقدمتهم هذا الداعية الكبير بالإيذاء والإضرار، ولاسيما بعد أن رأوا أن الحركة تنتشر في مناطقها ويشتد عودها ويلتف حولها الناس، فرأوا زعيمها ينهض لحماية ثالث أقدس المساجد في الأرض، الأقصى الشريف وتسيير الحافلات إليه تحمل الجموع للرباط فيه، إبقاءً على قدسيته وتأكيداً على عروبته واستمرارية إسلاميته من أن تُدنّسه أقدام اليهود الرجسة، فتصرّفوا مع الرجل ومنذ سنوات بأسوأ أنواع التصرف من سجن إلى سجن ومن إقامة جبرية إلى أخرى وربّما من محاولة اغتيال إلى غيرها، وزادوا بأنْ ألغوا مكاتب حركته وحلُّو جماعته، ولكنّ الله لهم بالمرصاد لأنهم أعداؤه من جهة وأتباع الشيطان من جهة أخرى وكيده أنّى كان عاجز وهزيل، وصدق الله العظيم: (إنَّ كيدَ الشيطانِ كانَ ضعيفاً)، فاستمرت حركته ولم تتوقف واسُتبدِلَتْ بأسماء أخرى أو أُستبدِلَ لها!!

ويا لها من أنظمة ظالمة تلك التي تدعي (الديمقراطية) وفعلها في الواقع يناقض كل ما تدعيه وينفيه. يدافع الرجل عن بلده، ويتمسّك بدينه، ويُطالب بعدم المساس بمسجده المقدس، وكل هذا مما يدخل في مجال الحريات الشخصية وميادين الحقوق الدينية وتكفله جميع الشرائع الأرضية والسماوية. ومع ذلك يعاقَبُ بسببه، فيُحكم عليه بالجريمة، فيُزجّ بالسجون الصحراوية البغيضة من مثل (رامون) في النقب الذي قضى فيه قبل الإفراج عنه يوم الثلاثاء (17/1/2017م) تسعة أشهر بمعاملات إنسانية شريرة وإيذاءات معنوية لئيمة، من: مضايقات للأهل في زيارته مع بعد المسافة وعِظم الكُلفة، ومنع الصحف عنه أو تأخيرها، وكتب المطالعة بحجزها أو ريثها، ثم بعد خروجه من المعتقل، التَّعميةُ على مكانه، وتركه هكذا لا يعرف الطريق القاصدة التي توصله إلى مقره، وإحاطته بالجندِ اللئام، وفرض إقامة جبرية عليه جديدة ولستّة أشهر يُمنع فيها من السفر أو الحركة المريحة داخل بلده !!

غير أن كل ذلك لم ولن يفُتَّ – والحمد لله – بعضده داعية إلى الله مُخبتاً، ومنادياً لا يفتر بالرباط في الأقصى، مُعلناً بالفم الملآن أن اليهود قوم محتلون غُزاة، ثابتاً على منهجه القويم، هاتفاً قبل السجن وبعده وعلى الدوام هتافه المعروف: (بالروح بالدم نفديك يا أقصى). بلى، إنه الأسد الذي خرج من عرينه لبرهة ليعود إليه زائراً ومزمجراً، دون أن تنحتَ السجون من همّته قدْر هباءة، عبداً لله يعمل في سبيله ويتّكل عليه خادماً بعلمه الشرعي قضيته وإسلامه، لا يجعل – حاشاه – كغيره ممن يدّعون العلم من شهاداتهم الكرتونية وسيلة للبيع والشراء في أسواق الكبراء طمعاً باللعاعات وإرضاءً لـ (السادات) دون أن يسمعوهم كلمة نصح تنفعهم غداً عند الله، وذلك بالوقوف في وجه فسادهم. وهم الذين سيمثُلُون غداً أمام الله أذلاّء مهانين هم ومن شايعهم على فسادهم. وصدق الله العظيم: (ومَنْ يُهنِ اللهُ فما لهُ من مُكْرِمٍ).

د. علي العتوم

 

من نفس القسم دولي