الوطن

أويحيى والوزراء يترشحون للتشريعيات "دون استقالة"

الأحزاب تقول إنها تتعارض مع مبدأ حياد الإدارة دستوريا وأخلاقيا

 

الدستور والمادة 91 من قانون الانتخابات لا يشترطان استقالة مدير الديوان وأعضاء الحكومة
قانونيون: مدير الديوان والوزراء هي وظائف سياسية لا تمنع التحزب أو الترشح 
الدستور الجديد في مادته 193 "يُلزم السلطات العمومية المكلفة بتنظيم الانتخابات بإحاطتها بالحياد والشفافية"، في حين تخلو المادة 91 من قانون الانتخابات من بعض الوظائف السامية في الدولة الممنوعة من الترشح، على غرار ممارسة وظيفة عضو في الحكومة (وزير) أو مدير ديوان رئاسة الجمهورية. وفي الإطار، يرى قانونيون أن "مدير ديوان الرئاسة والوزراء هي وظائف سياسية لا تمنع التحزب والترشح، إلا أنها تتعارض مع مبدأ حياد الإدارة المكرس دستوريا وأخلاقيا". فهل يترشح وزراء الحكومة بمن فيهم وزير الدولة مدير ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، للتشريعيات دون تقديم الاستقالة؟ 
في الجانب القانوني، تنص المواد 81، 83 و91 من القانون العضوي المتعلق بالانتخابات رقم 16-10 المؤرخ في 25 أوت 2016 على بعض الأشخاص الممارسين لوظائف سامية في الدولة بعدم قابلية الترشح إلا بعد سنة واحدة من التوقف عن العمل، وتضمنت القائمة المتعلقة بانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) 12 وظيفة تخلو من وظيفة عضو في الحكومة أو وظيفة مدير ديوان سواء في الولاية أو ديوان الوزارة أو ديوان الرئاسة. وقال قانونيون، في اتصال مع "الرائد"، أن "وظيفة وزير في الحكومة أو وظيفة مدير ديوان هي مصنفة ضمن الوظائف السياسية التي يضطلع رئيس الجمهورية بتعيينها، وبالتالي لا ينطبق عليها حالات التنافي والمنع المكرسة قانونا لبعض الإطارات السامية والوظائف في أجهزة الدولة". وأضاف: "الإشكالية المطروحة دستوريا هي أن مبدأ حياد الإدارة لا يتعارض مع الوظائف السياسية الممارسة، بل مع الممارسات، ما يحدث في الديمقراطيات العريقة ليس مثل ما هو موجود لدينا في الجزائر، لذلك لا يمكن الحكم على مبدأ دستوري في ظروف مثل هذه".
ومن جهة ثانية، تقتصر مهام الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات (هيئة دستورية) على بعض المهام الدستورية المحددة في المادة 194 بينها الإشراف على مراجعة القوائم وصياغة التوصيات لتحسين العملية الانتخابية، وكذا تنظيم دورات تكوينية، في حين يشدد الدستور في المادة 193 على أن "مبدأ حياد الإدارة والشفافية تضمنه السلطات العمومية في تنظيم الانتخابات"، إلا أن الإشكالية المطروحة، حسب مراقبين، تتلخص في كون "مبدأ حياد الإدارة غير واضح قانونيا مثلما هو غير متحكم فيه من خلال الممارسات". وفي السياق، ذكر محللون قانونيون أن "الأصل في القانون أن يتعاطى بمرونة مع هذه الحالات لأن بناء المؤسسات المنتخبة هو أساس بناء الدولة الديمقراطية ومصداقيتها وشرعيتها، لذلك كانت من بين الآليات المقترحة لحياد الإدارة إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية".
في الجانب السياسي، تناولت "الرائد" آراء بعض الأحزاب المحسوبة على عدة تيارات (وطني، إسلامي، يساري) في الساحة السياسية، وتمحورت الأسئلة حول غياب الإطار القانوني لاستقالة الوزراء ومدير الديوان عند الترشح للتشريعيات، وكذا الجانب السياسي والأخلاقي في مبدأ حياد الإدارة المتعارض مع ممارسة وظائف سامية في الدولة، بعضها يؤثر على نزاهة الانتخابات. 
 
الأفلان يرفض الخوض في الموضوع
فحزب جبهة التحرير الوطني رفض الخوض في هذا الجدل السياسي لأنه من صلاحيات رئيس الجمهورية، فهذه الوظائف العليا في الدولة يتمّ تعيينها بمرسوم رئاسي، وبالتالي فالرئيس وحده من بإمكانه إعفاء الراغبين في الترشح أو قبول استقالتهم. وقال عضو المكتب السياسي للأفلان، السعيد بدعيدة، في اتصال مع "الرائد"، أمس، "لا يمكنني الخوض في هذه المواضيع فهي من صلاحيات الأمين العام للحزب وصلاحيات رئيس الجمهورية"، مضيفا: "من فضلكم أعفوني من الردّ على هذه الأسئلة".
وحاولت "الرائد" الاتصال مرارا بالمستشار الإعلامي في المكتب السياسي، موسى بن حمادي، إلا أنه رفض الردّ، وهو ما جعل حزب الأفلان دون موقف في الساحة السياسية منذ استقالة المكلف بالإعلام في الحزب حسين خلدون.
 
الأرسيدي: حياد الإدارة واجب في بناء المؤسسات الديمقراطية
أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "الأرسيدي" فاعتبر أن "وجود مرشح للانتخابات لا يزال يشغل منصبا في الحكومة ومنصبا في ديوان رئاسة الجمهورية يتنافى مع مبدأ حياد الإدارة"، وقال المكلف بالإعلام في الحزب، عثمان عزوز، أن "حياد الإدارة واجب في بناء المؤسسات الديمقراطية، ووجود أويحيى أو أي وزير في منصبه مع اقتراب التشريعيات هو تناقض واضح". وعن دور الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات في التحفظ على عدم استقالة أعضاء الحكومة ومدير الديوان قبل أشهر عن موعد الاقتراع، ذكر معزوز: "هذه الهيئة لا يمكنها أن تفعل شيئا أمام الإدارة، فكل شيء يتم على مستوى الولاة والتقارير التي توجه إلى الداخلية ومن ثمّ إلى رئاسة الجمهورية عبر مدير الديوان، فهل يوجد هنا حياد وشفافية".
وفي نقطة ثانية، قال معزوز: "نحن لا نرفض ترشح أي شخص بمن فيهم الوزراء وأويحيى، لكن يجب أن تتعاطى السلطة أخلاقيا مع ضمان نزاهة الانتخابات"، معلقا: "كيف لانتخابات أن تكون نزيهة ومن ينظمها هو نفسه من يترشح على قول المثل الجزائري (اللعاب حميدة والرشام حميدة)"، يقول المتحدث. وعاد قيادي الأرسيدي إلى اقتراح وثيقة مزفران وهيئة التشاور والمتابعة التي طرحت نقطة "إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات وتمّ رفضها من السلطة".
 
النهضة: من المفروض على أويحيى والوزراء الاستقالة أخلاقيا
أما حركة النهضة المحسوبة على التيار الإسلامي، فيقول القيادي يوسف خبابة أن "وجود رئيس حزب على رأس ديوان رئاسة الجمهورية وكذا مترشحين للتشريعيات في الحكومة يزيد حالة الشكوك حول نزاهة الانتخابات". وذكر خبابة أن "التعيين وإنهاء المهام من هذه الوظائف المؤثرة في العلمية الانتخابي هي من صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أنه من المفروض أن تكون في منأى عن الممارسات السياسية"، معتبرا أن "استقالة أويحيى بصفته مدير ديوان الرئاسة وكذا أعضاء الحكومة الراغبين في الترشح هو فعل أخلاقي حتى يكون الجميع على مسافة واحدة من الناخبين".
وعن الجانب القانوني الذي أسقط عضو الحكومة من قابلية الترشح وكذا مدير الديوان، قال خبابة: "الإشكال لا يطرح في الوظائف بل في الممارسات السياسية، لأنه في الديمقراطيات العريقة الشفافية والمصداقية مترسخة"، متابعا: "حتى رئيس الجمهورية الذي يرأس حزب الأفلان كان عليه أن يرفض هذا المنصب لأنه رئيس كل الجزائريين، وعليه أن يكون على مسافة واحدة من كل مواطن"، مضيفا: "التجربة الديمقراطية في الجزائر تعثرت في بدايتها، لذلك يجب العمل على إرجاع المصداقية والثقة لدى المواطن من خلال الابتعاد عن الشكوك المتعلقة بالعملية الانتخابية ونزاهتها".
 وبعيدا عن الأحكام المسبقة قبيل ثلاثة أشهر عن موعد الاقتراع فيما يخص استقالة وزراء الحكومة ومدير الديوان الراغبين في الترشح للتشريعيات، يرى متابعون للشأن الوطني أن "مبدأ حياد الإدارة والشفافية لا يمكن ضمانها عبر آليات قانونية لوحدها"، وذلك لعدة أسباب بينها أن "الأحزاب السياسية الحالية تعاني ضعفا في التأطير والتعبئة، ما يجعل تنظيم الإدارة للانتخابات أمرا مفروغا منه"، ومن جهة ثانية، ما يتعلق باستقالة أعضاء الحكومة ومدير الديوان فهو "أمر سياسي أخلاقي فقط، لأن الانتخابات في أساسها ظرفية وسير مؤسسات الدولة يستلزم الاستقرار والقيام بالمهام المخولة قانونا".
يونس بن شلابي
 

من نفس القسم الوطن