دولي
منظمة التحرير الفلسطينية والبناء على المستحيل
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 جانفي 2017
انعقدت اللجنة التحضيرية لإعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني، في بيروت يومي 10 و11 من الشهر الجاري، بحضور فصائل منظمة التحرير، باستثناء فصيلين صغيرين (فتح الانتفاضة، وجبهة النضال الشعبي)، بالإضافة لحضور حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي من خارج إطار المنظمة. انعقدت جلسات الحوار في جوٍ من التفاؤل بين الفرقاء، والتوافق على أهمية انضمام حركتي "حماس" و"الجهاد"، وضرورة إعادة تشكيل المجلس الوطني انتخابيا حيثما أمكن، وبالتوافق حيثما تعذر الانتخاب. وفي سياق أجواء التفاؤل التي اعتدنا عليها عقب كل اجتماع لفصائل "الثورة" الفلسطينية، وعقب اجتماعات المصالحة الوطنية بين حركتي "فتح" و"حماس"، أصبحنا ندرك أن هناك وجهين مختلفين للواقع؛ وجه ظاهره العلاقات العامة والخطاب الإعلامي الوطني الحريص على المصالحة، وعلى ترميم أو إعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية، ووجه آخر غير معلن يبقى حبيس الصدور والصالونات المغلقة. فاجتماع بيروت كان يُفترض أن ينعقد في عام 2006 كاستحقاق طبيعي لاتفاق القاهرة 2005، ولكنه لم يرَ النور إلا بعد 11 عاما من الخلافات والمناكفات، والقبول تارة والتعطيل تارة أخرى بذرائع وحجج شتى، ما يدفعنا للتساؤل عن إمكانية نجاح هذا المسار في ظل ازدياد التعقيدات المحلية والإقليمية الراهنة.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف على العديد من النقاط التي يمكن أن توضح لنا مدى إمكانية نجاح هذه الاجتماعات في ترميم أو إعادة بناء المجلس الوطني، ومن ثم إعادة إحياء المؤسسات القيادية للشعب الفلسطيني التي فقدت شرعيتها الوطنية منذ أمد بعيد.
ومن هنا فإننا ندفع بنقاط عدّة للنقاش، على النحو التالي: أولا: من حيث الشكل كان يُفترض أن ينعقد الاجتماع في نسخته الأصلية بحضور اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمناء العامين للفصائل كافة، ولكن واقع الحال شهد غياب الرئيس محمود عباس، كرئيس للجنة التنفيذية وبصفته رئيسا لحركة فتح، بالإضافة إلى غياب الأمناء العامين لأهم الفصائل الأخرى، وفي مقدمتهم خالد مشعل ورمضان عبد الله شلّح، ما يعني أن اللجنة التحضيرية الحالية لا تملك صلاحية الإقرار أو المصادقة على ما يمكن أن يُتفق عليه، إلا بالرجوع إلى قيادات الفصائل والرئيس عباس، ما يعني أن مسار الحوار طويل جدا، خاصة مع احتمالية أن تشهد الانعقادات اللاحقة رفضا لأية نقطة قد نوقشت سابقا، بموجب التغذية الراجعة عقب مراجعة كل فصيل لقيادته السياسية، ما قد يستوجب العودة إلى نقطة الصفر. ثانيا: ورد في البيان الختامي: "ضرورة تنفيذ اتفاقات وتفاهمات المصالحة كافة، بدءا بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تضطلع بممارسة صلاحياتها في جميع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، بما فيها القدس، من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والمجلس التشريعي والوطني"، هذا بالإضافة إلى أهمية التوافق لاحقا على لجنة انتخابات وقانون انتخابي خاص بالوجود الفلسطيني في الخارج، حسبما جاء على لسان موسى أبو مرزوق، القيادي في حركة حماس.
وبالتالي، فإن أي قبول عربي لإعادة بناء المنظمة محكوم باعتراف حركة "حماس" تحديدا باتفاقيات أوسلو والمبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)، التي تؤكد بدورها على الاعتراف الصريح بالاحتلال، وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية معه، والقبول بالتفاوض على ملف عودة اللاجئين الذين يمثلون أغلبية الشعب الفلسطيني على قاعدة التوطين والتعويض، وفقا لمعادلة الحل "العادل" من منظور توافقي بين الاحتلال والمفاوض الفلسطيني.
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن مناورات حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي وقبولهما حضور اجتماعات اللجنة التحضيرية دون شروط مسبقة، بنيّة اختراق حصن المنظمة المنيع، يُعدّ أمرا في غاية الصعوبة والعُسر، إن لم يكن مستحيلا، وتحول دونه العديد من التحديات الشائكة؛ فالذي يرفض المُضي في المصالحة الوطنية بذريعة أنه "لا يستطيع"، حسب قول محمود عباس في أحد المجالس القيادية، كيف له أن يقبل بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفقا لانتخابات ديمقراطية! إن رَهْن إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، بما يمثله من مرجعية عليا للشعب الفلسطيني، بإنجاز المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" وتشكيل حكومة وحدة وطنية في الضفة والقطاع، وذلك وفقا لموقف حركة فتح في اللجنة التحضيرية، يُعدّ وصفة للتعطيل من الرئيس محمود عباس، الذي يستغل قبول مشاركة "حماس" والجهاد الإسلامي لتعزيز "شرعيته" في مواجهة الضغوط العربية (اللجنة الرباعية)، وخصمه اللدود محمد دحلان.
أحمد الحيلة