الوطن

الحكومة والأحزاب وجها لوجه لاستمالة "الأغلبية الصامتة" خلال التشريعيات

مقاطعة حزب بن فليس وتفاقم الجبهة الاجتماعية يزيد المخاوف لدى السلطة والمعارضة

 

محلل سياسي: من الصعب تقليص العزوف الانتخابي في ظل الضغوطات السياسية والاجتماعية
 
عمّقت ضغوطات الجبهة الاجتماعية المنجرة عن قانون المالية وإلغاء التقاعد النسبي وتدهور القدرة الشرائية من مخاوف الحكومة والأحزاب على حد سواء، من تضاعف حجم العزوف الانتخابي في تشريعيات 2017 وتأثيراتها على "شرعية مؤسسات الدولة". فمؤشرات الوضع السياسي والاجتماعي حاليا مقارنة مع تشريعيات 2012 السابقة يتجه، حسب مراقبين، إلى التدهور اجتماعيا ومزيد من الغلق سياسيا، ما يدفع، حسبهم، إلى اتساع حجم "الكتلة الصامتة" في الوعاء الانتخابي في الجزائر. ومن جهتها، تحاول الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب المعارضة، "التكتم" على مخاوفها بعد مقاطعة حزب علي بن فليس (طلائع الحريات) للانتخابات، خصوصا أنه يتقاسم مع المعارضة نفس التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهل تنجح كل من الحكومة في تخفيف ضغوطات الجبهة الاجتماعية والأحزاب في استمالة الناخبين، تفاديا للعزوف الانتخابي وتوسيع حجم الأغلبية الصامتة؟
تمحورت أسئلة "الرائد" حول ثلاث نقاط، هي مدى استيعاب الأحزاب المشاركة والمقاطعة لتأثيرات قراراتها على توجهات الناخبين، وكذا انعكاسات توسع كتلة الأغلبية الصامتة على شرعية مؤسسات الدولة الممثلة للشرعية الشعبية (البرلمان)، وفي نقطة ثالثة، قدرة الأحزاب والحكومة على استمالة الناخبين في ظل أوضاع سياسية واجتماعية تتسم بالغموض والتدهور، حسب كثير من المتابعين للشأن الوطني.
 
سالمي العيفة: من الصعب استمالة الناخب في ظل غلق الساحة السياسية
قرن المحلل السياسي، سالمي العيفة، في مدى فاعلية الناخب سياسيا واستمالته للمشاركة في الانتخابات، بين اتجاهين رئيسين، أولهما قدرة الأحزاب والسلطة على فك شفرة الرهان الانتخابي وتحسين الوضع الاجتماعي وتخفيف الضغوطات على المواطن، والاتجاه الثاني في الضمانات الحقيقية لتوفر الحرية والنزاهة للانتخابات والعمل السياسي. وقال الأستاذ العيفة أن "فاعلية الناخب سياسيا وهل هو متجاوب ومهم تتعلق بجانبين اثنين"، ففي الجانب الأول "في ظل الأجواء التي تأتي فيها تشريعيات 2017 مع تدهور القدرة الشرائية وإجراءات قانون المالية والضغوطات المفروضة في الجبهة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هل باستطاعة الأحزاب والسلطة فك شفرة الرهانات الحالية ومنح الثقة للناخب لتخفيف الضغوطات عليه". أما في الجانب الآخر "فالضمانات النظرية الممثلة في إجراءات قانون الانتخابات وهيئة مراقبة الانتخابات هل ستتوفر ضمانات واقعية للحرية والشفافية في العملية الانتخابية". وأضاف المحلل السياسي "يبدو أنه من الصعب في الوقت الحالي استمالة الناخب في ظل الغموض في اتجاه غلق الساحة السياسية".
وعن حجم المقاطعين في الوعاء الانتخابي للهيئة الناخبة ودور الأحزاب في تقليصها أو زيادتها عبر قرارات المشاركة في التشريعيات ومقاطعتها، قال سالمي العيفة، في اتصال مع يومية "الرائد"، أمس، أن "مؤشرات الوعاء الانتخابي في الجزائر تدل على أغلبية صامتة وأخرى كتلة صغيرة مشاركة، وهذه الأخيرة هي محل تنافس بين الأحزاب"، مفصلا: "الكتلة المشاركة تنقسم بين جزء مؤطر من الأحزاب وجزء محل تنافس في السوق السياسي". وأضاف: "الناخب المشارك هو الذي تراهن عليه السلطة والأحزاب بعدة أشكال، بينها الدعايات الإعلامية والسياسية لاستمالته، وبعضه يتم استمالته عبر التركيبة الاجتماعية والسياسية بالتركيز على المرشحين الأكثر قبولا واستقطابا للجماهير وعبر أشكال الجهوية والقبلية"، مضيفا: "بينما جزء آخر من الكتلة المشاركة من هذا الوعاء الانتخابي يتجه نحو العزوف بسبب عدم تأثير السلطة والأحزاب لاستمالته".
 
طلائع الحريات: بعد التشريعيات سنقيّم تأثير قرار المقاطعة على العزوف الانتخابي
 
أما من جانب الأحزاب المقاطعة لخوض تشريعيات 2017، قال المكلف بالإعلام في حزب طلائع الحريات، فيصل حردي، أن "احتمال تأثير مقاطعة التشريعيات على زيادة العزوف الانتخابي لا يمكن الحكم عليه مسبقا إلى حين ظهور نتائج المشاركة في الموعد الانتخابي"، مضيفا: "بعد التشريعيات سنقوم بتقييم تأثيرات وانعكاسات قرار حزبنا في المقاطعة، وهو ما زاد من تعميق عزوف الناخبين عن العملية الانتخابية"، مستدركا: "في تشريعيات 2012 كشفت الإحصائيات عن مشاركة 2 مليون ناخب من مجموع 18 مليون ناخب، ومشاركة الأحزاب أو مقاطعتها ترتبط بالمشاركة الانتخابية وتؤثر فيها". واعتبر حردي أن "سبب العزوف الانتخابي هو غياب الثقة بين المواطن والسياسة، وكذا الخندق الموجود بين الحاكم والمحكومين نظرا للسياسات المتعاقبة للحكومة".
وعن التناقض المنجر عن قرار أحزاب في تكتل المعارضة بمقاطعة التشريعيات، في حين قررت كثير من الأحزاب المنضوية تحتها المشاركة، قال حردي: "المشاركة في الانتخابات التشريعية هو أمر ثانوي للهيئة، لأنهم لا يزالون متفقين على الانتقال الديمقراطي". وأضاف: "قرار طلائع الحريات بالمقاطعة تمّ أخذه على مستوى الهياكل القاعدية المحتكة بالشعب، ونحن قمنا بمشاورات في 1230 بلدية عبر الوطن، وتبلورت تقارير استخلصت من خلالها القرار الأخير". واعتبر المتحدث أن "كل حزب مستقل في قراره وتوجهاته وخياراته السياسية، وسنقوم بتقييم قرارنا بعد التشريعيات من كل الجوانب بما فيها العزوف الانتخابي".
 
• حمس: مشاركة الناخب هو قرار حر ومستقل عن عمل الأحزاب
 
أما حركة مجتمع السلم التي قررت دخول التشريعيات، فاعتبر قيادي الحركة، ناصر حمدادوش، أن "شرط نزاهة الانتخابات عبر هيئة الإشراف للمشاركة أو مقاطعة التشريعيات لم يكن ضمن مداولات هيئة التشاور". وأضاف: "هذه مغالطة تاريخية إذا صارت مشاركة أحزاب هيئة التشاور للمعارضة في التشريعيات تندرج ضمن الخيانة أو طعن في الظهر". وعن علاقة قرار المشاركة لأحزاب المعارضة في الانتخابات رغم العزوف الانتخابي المتزايد في كل استحقاق، قال حمدادوش: "الشعب حر في اتخاذ موقف من الانتخابات وحتى التصويت بورقة بيضاء، وموقف كل فرد مسؤول عن خياره". وأضاف: "لا يمكن للأحزاب أن تجري استفتاء حول المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، لأن هذا الموقف يتحدد يوم الاقتراع حسب موقف الناخبين".
وبخصوص توسع دائرة العزوف الانتخابي بعد انقسام أحزاب المعارضة وتزايد الضغوط الاجتماعية، قال حمدادوش: "في اجتهاداتنا أن خيار المشاركة في الانتخابات هو أحد البدائل لإعطاء مصداقية لمؤسسات الدولة والشرعية الشعبية، وخيار المشاركة الانتخابية هو طريق نحو المشاركة الشعبية"، مضيفا: "من لديه مشروع سياسي آخر بعيد عن الفوضى والفتنة ويدفع نحو التغيير الحقيقي فليقدمه بديلا عن المشاركة في الانتخابات". وعن مخاوف أحزاب المعارضة المشاركة في التشريعيات من العزوف الانتخابي، قال حمدادوش: "صحيح لدينا مخاوف وهواجس بناء على تجارب سابقة، لكننا لا يمكن الحكم مسبقا، فمن الناحية النظرية قد تكون العملية الانتخابية فيها الحياد والنزاهة، وهو مؤشر ليس بالسوء ليدفعنا إلى خيار المقاطعة". وأضاف: "المشكل حاليا في الممارسة وليس في القانون، فرفض التزوير وعدم نزاهة الانتخابات مرتبط بالإرادة السياسية العليا وهي من تحدد مصداقية العملية الانتخابية".
يونس بن شلابي

من نفس القسم الوطن