دولي

عنصرية وتحقيق مع نتنياهو

القلم الفلسطيني

 

ليس رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المسؤول الأول الذي يستجوب للتحقيق لدى الشرطة الإسرائيلية، وهو في عمله الرسمي، فقد حقق مع مسؤولين إسرائيليين كثيرين في العقود الماضية، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، الذي أدين بتهم الغش والحصول على الرشاوى، وحكم عليه بالسجن، ولا يزال قيد الاعتقال. كما حقق مع رئيس "إسرائيل"، موشي كاتساف، وأدين بالاغتصاب والتحرّش الجنسي في أثناء عمله رئيساً وحكم عليه بالسجن، وأفرج عنه قبل أسابيع بعد قضائه خمس سنوات قيد الاعتقال، كما حقق مع وزراء إسرائيليين سابقين كثيرين واحتجزوا.

كشف قرار التحقيق الحالي مع نتنياهو العنصرية المنتشرة في المجتمع الإسرائيلي تجاه الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، وكذلك عنصرية المؤسسات الأمنية والشرطية والقضائية تجاههم وممثليهم المنتخبين في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، حيث اكتفى المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبت، بالمصادقة على إجراء التحقيق مع نتنياهو حول شبهاتٍ متعلقة بتلقي هدايا ثمينة، ومكاسب شخصية بمئات آلاف الشواقل من رجال أعمال إسرائيليين وأجانب، مع بقائه رئيساً للحكومة الإسرائيلية وعضواً كامل العضوية في الكنيست، في وقت كان المستشار القضائي نفسه قد طالب الكنيست برفع الحصانة البرلمانية، قبل أيام، عن النائب الفلسطيني العربي باسل غطاس، القيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، للتحقيق معه بشأن مزاعم عن إدخاله أجهزة اتصال خلوية في أثناء زيارته أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، حيث وافق الكنيست على رفع الحصانة البرلمانية عنه، واعتقل أياماً قبل الإفراج عنه، كما اقتحم مكتبه في الكنيست وأغلق في أثناء اعتقاله. وبعد الإفراج عنه، أصدرت ما تسمى لجنة الآداب في الكنيست قراراً بعدم السماح له بالمشاركة في نقاشات الكنيست ستة شهور، والتي تعد سابقة خطيرة، تستهدف فقط أعضاء البرلمان الإسرائيلي الفلسطينيين العرب، ولم تستخدم نهائياً ضد الأعضاء اليهود في أثناء التحقيق معهم، وقبل إدانتهم بالتهم. 

وإلى العنصرية التي كشفها قرار التحقيق مع نتنياهو، كشف أيضا مدى استقلالية الجهاز القضائي، في مشهد قليلاً ما تراه في أية دولة عربية، حين يجلس رئيس الحكومة أمام محققين، ليجيب عن أسئلتهم، وأن القضاء لم ولن يتأخر في متابعة أي تجاوزات للقانون، وإنه لا حصانة لأي مسؤول، والجميع سواسية أمام القانون، وليست مسؤولية القضاء والشرطة حماية الرئيس أو الوزير، أو التستر على تجاوزاتهم، أو تخويف كل من يطالب بملاحقتهم قضائياً، على الرغم من أن مرجعية تلك الأجهزة الشرطية هي الحكومة، وخصوصاً رئيسها، بعكس أجهزة القضاء في دول عربية كثيرة، تستخدم وتوظف من الحكومات ورؤسائها، لقمع الأصوات الوطنية المعارضة، حيث ما أن اكتملت المعلومات الكفيلة بالتحقيق مع نتنياهو عن تلقيه الهدايا والمنافع المالية وغيرها، إلا وكان قرار المستشار القضائي بالسماح للشرطة بالتحقيق معه، ولم يكن أمام نتنياهو من خيار سوى القبول والتسليم والانصياع، على الرغم من محاولاته الكثيرة للتملص والتهرب، وافتعال قضايا سياسية كبيرة للتأخير في فتح ملف للتحقيق معه. وعلى الرغم من محاولة رئيس الحكومة اتهام بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، وإعلاميين مشهورين، بتضخيم القضية، ومحاولتهم الإساءة له ولعائلته، إلا أنه لم يتهم أطرافاً سياسية بحياكة مؤامرة ضده، داخلية أو خارجية، بسبب مواقفه السياسية، فلم يتهم أحداً بالتآمر عليه، لا مع أطراف فلسطينية وعربية، ولا مع أميركية أو غربية، بعكس ما يحدث، عندما يتم انتقاد أي زعيم أو رئيس عربي، حيث يتسابق متحدّثون رسميون كثيرون، وتصدر بيانات حزبية، وتتفرغ وسائل الإعلام الرسمية وبعض الحزبية، لاتهامهم بالشراكة في مؤامرات داخلية وخارجية لتدمير البلد والمجتمع والاستقرار والاقتصاد، وصولاً إلى اتهامهم بتهديد ما يسمى الأمن القومي، وذلك لشرعنة قيام أجهزة الأمن والقضاء بملاحقة وقمع كل من ينتقد هذا الزعيم أو ذاك، ما أوصل دولاً عربيةً كثيرة إلى ما هي عليه الآن من تفكك وانهيار واقتتال، بعد قمع كل محاولات التعبير عن الرأي، ومحاولات التغيير بالوسائل القانونية والديمقراطية. 

في الوقت الذي يكشف قرار التحقيق مع نتنياهو مستوى العنصرية والملاحقة السياسية التي يتعرّض لها المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل وقياداته السياسية المنتخبة، ومن ذلك ما حدث أخيراً مع النائب العربي الدكتور باسل غطاس من "التجمع الوطني الديمقراطي"، من إلغاء للحصانة البرلمانية والاعتقال، ومنعه من العضوية في لجان الكنيست، ومحاولات التشويه، في وقتٍ لا يزال نتنياهو يتمتع بكامل الحصانة البرلمانية، والحقوق القانونية.

 

 

عادل شديد

 

من نفس القسم دولي