الوطن

عام التراجعات والإصلاحات والاحتجاجات !!

فيما نجح الجيش ووفقت الدبلوماسية وزرعت لاديال الأمل

مثلت سنة 2016 سنة اكتشاف للتوقعات الخاطئة التي سادت الخطاب الرسمي في السنوات الماضية بأننا غير معنيين بما يحدث من حولنا، وفي منعرج مفاجئ أعلن عن إطلاق نموذج اقتصادي جديد والذي لم تتضح معالمه لغاية الآن، واعتماد السطات العمومية سياسة اللجوء إلى مضاعفة الرسوم والضرائب ورفع الأسعار كبدائل سريعة لمواجهة الأزمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط، والجميع يدرك العواقب السياسية والاجتماعية المحتملة على الجبهة الداخلية ما لم تتحسن وضعية المؤسسات بشكل تتمكن من التواصل الحقيقي والمقنع، بعيدا عن خطابات اللحظات الأخيرة.

كما كانت عام استمرار السلطة في فرض سياسة الأمر الواقع عبر تكريس إصلاحاتها ممثلة أساسا في تعديل الدستور وفق رؤية الرئيس للاختلالات الموجودة في الدساتير السابقة، كما استمرت المؤسسات الدستورية في أداء وظيفتها دون مراعاة لانتقادات المعارضة ولم تبال حتى باعتماد توجه التراجعات نتيجة الضغوطات الشعبية، على غرار ما حدث في التعليم وفي القروض السندية وغيرها من القرارات التي اتخذتها الحكومة، كما كانت فترة استعراض للمعارضة على مستوى الطروحات والمبادرات التي أسالت العرق البارد للسلطة.

 

الإجماع المفقود

 

لم تنجح القوى السياسية في البلاد في التقريب بين بعضها رغم كل التحديات والتهديدات والمخاطر المحدقة بالبلاد، فاستمرت السلطة في خطاب الإجماع وتمتين الجبهة الداخلية، في حين مارست منطق العدد دون اعتبار للتمثيل السياسي في تمرير مشاريعها، على غرار تعديل الدستور والقوانين العضوية المهمة، مثل قانون الانتخابات والهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، وأخيرا قانون المالية. ومن جهتها عملت المعارضة على تعميق الهوة بخطاب سياسي حاد مملوء بالاتهامات الطاعنة في الشرعية المؤسساتية، واستمرارها في تثبيت خطاب حالة الشغور التي نسفت كل مساعي التقارب والالتقاء بين المعارضة والسلطة.

كما سجل هذا العام استكمال كل الأدوات القانونية في مقاربة الإصلاحات المعتمدة من السلطة والتي رأى بعض المختصين أنها شهدت تطورا حتى وإن كان بطيئا في النصوص، في انتظار ما يمكن أن تفرزه الممارسات خاصة في العملية الانتخابية القادمة، كما أن إعلان الأحزاب في أغلبيتها المشاركة في العملية السياسية تعبير عن قناعة ولو جزئية بأهمية ما أنجز واستمرار الضغط لنيل أكبر قدر من التنازلات والممارسة الإدارية النظيفة في العملية الانتخابية مستقبلا.

 

حزب الإدارة.. إصلاحات في انتظار الأحسن

 

لعل هذا العام أهم ما ميزه هو التحول الملحوظ في أداء الإدارة الجزائرية عبر التحسينات الكثيرة التي بدأ المواطن يشعر بها، من خلال التقليل من حجم الوثائق المطلوبة في الملفات الإدارية المختلفة وعملية الرقمنة والتقليل من المركزية القاتلة، وما كان يسمى من قبل أيضا بلد أو بلدية المنشأ والتجهيز التي استفادت منها مختلف المصالح الإدارية واعتماد أسلوب المداومة المستمرة، ما قلل من الطوابير وسهل على المواطن التنقل لاستخراج الوثائق في أوقات مختلفة، وكانت الوثائق البيومترية من أهم إنجازات هذا العام. وتبقى البيروقراطية والفساد المستشري في مختلف المصالح الإدارية من أهم التحديات وعراقيل الإصلاح، كما أن غياب الشفافية في التعيينات والمعايير المعتمدة خاصة في مناصب الإطارات السامية تعد من أهم ما تشكك فيه مختلف القوى السياسية وحتى الرأي العام الوطني، ويغذي منطق تغول حزب الإدارة وولاءه للسلطة لا للمجتمع وأولوياته، وهي من النقاط المهمة التي تفرض نفسها في كل المراحل والسنوات القادمة.

 

دبلوماسية متزنة وضغوطات مستمرة

 

عام 2016 كان مثمرا للدبلوماسية الجزائرية التي كشفت الأيام عن صحة توجهاتها في التعاطي مع الملفات الإقليمية المتعددة، بدءا من القضية الليبية التي مازالت تراهن على أهمية توسيع الإجماع الليبي وإبعاد التدخل العسكري والحلول الأمنية والتقليل من التدخلات الإقليمية والدولية وأن الحل الجاد يبدأ باستكمال بناء الجيش الليبي والمؤسسات الشرطية والأمنية. كما عملت الدبلوماسية الجزائرية على مرافقة الأشقاء الماليين في التوصل إلى الحل السياسي في انتظار تجسيده في أرض الواقع دون أن تهمل الحلول الأخرى، وفي مقدمتها الدعم الدولي في تمكين الماليين شمالا وجنوبا من حق التنمية وتلبية حاجيات المواطنين الأساسية.

ولم يختلف هذا الموقف والنجاح في قضية اليمن حيث رفضت الجزائر الحل العسكري ورافعت للحل السياسي ولم تقبل الانخراط في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، دون أن تكون ضد المملكة العربية السعودية التي عملت معها على تطوير العلاقات الثنائية، ورفض أي اعتداء عليها من أي كان. ولم يختلف الموقف أيضا في سوريا التي لازالت الجزائر تصر على الحل السياسي واستمرار الدولة وحق الشعب السوري في اختيار قيادته، وهي مواقف قد لا تلقى قبولا شعبيا إلا أنها منسجمة مع توجهات الدولة الجزائرية ملامسة لموازين القوى الدولية الفاعلة في المنطقة. 

وفي نفس الوقت استمر توهج الدبلوماسية الجزائرية في تحقيق مكاسب كبرى للأفارقة عبر منظمتهم الإقليمية التي أصبحت كلمتها مسموعة في الأمم المتحدة، ما فرض على المغرب العودة إلى أحضانها من جديد وفق واقع آخر مفروض عليه وليس محل اختيار له.

 

القضاء ومعركة الاستقلالية

 

استفاد قطاع العدالة من الكثير من المنشآت والهياكل في هذا العام، كما عدلت قوانين ذات صلة ضمن مكسب استقلالية القضاء المنصوص عليها في التعديل الدستوري الأخير والحقوق الدستورية الجديدة التي أصبح تكييف القوانين أمرا ضروريا، كمبدأ التقاضي على درجتين، وتعليل الأوامر القضائية، وترقية حق المحامي في الحماية من أشكال الضغوط والتأثير التي تعيقه من تأدية مهامه في إرساء العدالة، وأيضا تمكينه من الدفاع عن حقوق المتقاضين وفق مقتضيات القانون، كما أن التنصيص على أن "القاضي محمي من كل أشكال الضغوط والتدخلات والمناورات التي قد تضرّ بأداء مهمته، أو تمسّ نزاهة حكمه" من شأنه أن يدعم خيار الفصل بين السلطات التي هي أساس العدل وسر المواطنة في أي دولة.

إلا أن استمرار بعض التجاوزات على غرار التسييس في بعض الأحكام القضائية وخاصة ذات الصلة بالنزاعات مع السلطة، إضافة إلى أهمية استرجاع ثقة المواطن في عدالته تعد أهم التحديات التي تؤجل إلى عام آخر.

 

حرية الإعلام بين الهيئات الدستورية وممارسات الواقع

 

حرصت الحكومة على تشكيل المؤسسات المنصوص عليها دستورا، على غرار سلطة الضبط وبقيت هيئات أخرى تنظر الاستكمال العددي وتترست الساحة بقوانين ذات صلة بالهيئات المخولة بتحقيق حرية الإعلام واستقلاليته، إلا أن غياب الرؤية الاستراتيجية في التعامل مع مختلف وسائل الإعلام واستمرار النظر الي بعضه أنه خصم بحسابات سياسوية عند بعض الأطراف، هو المعطل في الساحة الإعلامية دون تبرئة بعض الممارسات التجارية لبعض المنابر الإعلامية ومحاولة إلباسها حلة حرية الصحافة، كلها مكونات المشهد لهذا العام الذي عرف غلق قناة تلفزيونية بحكم إداري دعمه القضاء وأغلقت صحف إراديا متأثرة بسوق الإشهار الذي يبقى أحد الملفات الحساسة في استمرار كثير من المنابر إن لم نقل كلها في أداء وظيفتها الدستورية. 

 

تماسك الجيش ورهانات تجند الجميع خلفه

 

تمكن الجيش خلال هذا العام رغم كل الزوابع التي تحيط من حوله من الاستمرار كقوة موحدة منسجمة ومنضبطة غير متأثر بالخلافات السياسية، كما كانت مواقفه واضحة داعمة للجمهورية والمؤسسات الدستورية، ملتزما أيضا بمهامه المحددة دستوريا، غير آبه بالدعوات المتكررة بإعادة استنساخ تجربة التدخل وتغليب طرف على حساب الدستور. كما كانت حصيلة مكافحة الإرهاب واضحة وحافظ على السلم وتكيف مع مستجدات إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية التي لا يبدو أن مسار إصلاحها قد توقف. وكان العام فرصة أيضا لتمكين إطارات الجيش من التكوين والتأهيل والمرافقة وهو ما كشفته الزيارات المكثفة لقائد الأركان الفريق ڤايد صالح الذي زار كل النواحي العسكرية، وكانت الصور واضحة بلقاءاته مع مختلف القوة العسكرية، كما كان خطابه أوضح في التمسك بالانتماء لجيش التحرير تاريخا وأمجادا وهوية وثوابت.

كما نجح الجيش في بقائه القوة ذات المرجعية والتي تحظى بقبول وتزكية كل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني بل أنها جميعا تقف وراءه في كل رهاناته الدستورية وعلى رأسها مواجهة التحديات والتهديدات التي تحيط بالبلاد.

 

المتقاعدون وقوة الحضور

 

لم يخل هذا العام من الحديث عن حضور المتقاعدين وخاصة إطارات الجيش السامية في المشهد السياسي العام، بل لازال البعض يلخص إحالة الرتابة الموجودة فيها مؤسسات الحكم للتنافس إن لم نقل الصراع بين مكونات النظام، واستعملت السلطة كل صلاحياتها في تحجيم أدوار من هم خارجها من خلال المتابعة القضائية بل حتى التشريع من خلال مراجعة القانونين الأساسيين الخاصين بضباط الجيش والمستخدمين العسكريين، والذي قدم على أساس أنه يستهدف تعزيز القواعد المسيرة لواجب التحفظ، إلا أن أطرافا أخرى رأت فيه تكميما للأفواه وتقليلا من وطنية ومسؤولية الإطارات الذين يفترض أنهم أكثر إدراكا للمصلحة الوطنية في أي موقع كانوا، وكثرت أيضا المضاربات في عودة بعضهم أوفى قوة تأثيرهم فيما يحدث في البلاد.

 

عام الاحتجاجات

 

لم يخل هذا العام من الإضرابات والاحتجاجات الشعبية، والأرقام المقدمة مخيفة ولازالت طريقة تعامل الحكومة معها توحي بضعفها وسوء تقدير لخياراتها، ومثل التراجع عن قرارات بل قوانين قمة الاستجابة للضغوطات الشعبية الممتدة في كل رقاع الجمهورية، فلم ينج منها أي قطاع بدءا من البطالين الذين تمركزوا في مدن الجنوب وجعلوا من بطالتهم قضية إقصاء وجهوية وتهميش لمناطق الثروة، ورفعوا من سقف المطالب، وهو نفس المنطق في قانون التقاعد الذي فرض تدخل الرئيس. أما الصراع في الأسرة التربوية فلم يتوقف وكان آخر حلقاته التراجع في قرار العطلة، كما شهد قطاع الصحة والإدارة العمومية وموظفي الجماعات المحلية بدورهم أيضا احتجاجات على مدار السنة كلها ذات طابع مطلبي لتحسين ظروف العمل والجوانب الاجتماعية للمستخدمين.

والملاحظ في هذه الاحتجاجات هو الغياب المثير للمنتخبين وعدم قدرتهم على مواجهة المواطنين، وهو ما يمثل في العمق أزمة تمثيل سياسي لعلها تستدرك في الاستحقاقات القادمة، كما أنه لا بد من الإشادة بالتقدم الواضح في تعامل القوى الأمنية مع المحتجين وصبرهم وتحملهم كل أنواع الأذى المحتمل، وهو مكسب كبير لدولة القانون والحقوق في انتظار أن يستفيق السياسيون ويقوموا بدورهم ولا يحملوا عجزهم للمؤسسات الأخرى.

 

المرجعية الدينية وحماقات المسؤولين

 

هذا العام أيضا مثل استمرار منسوب الوعي في القطاع الديني وأصبحت للأئمة منابر تدافع عنهم وعن حقوقهم، كما زاد المجتمع في اهتماماته وتكفله بموظفي القطاع، ولا ينكر جهد الأئمة والدعاة إلا جاحد، فلهم فضل كبير في تجفيف منابع العنف والإرهاب وبسط نفوذ الوسطية والاعتدال عبر مختلف المنابر المتاحة، وسهلت عملية التواصل الواسع عبر قنوات التلفزيون والوسائط الاجتماعية المختلفة من الوقوف ضد التطرف والغلو، وأيضا الميل إلى التفسخ والانحلال، إلا أن أداء الوصاية لازال محل انتقاد من الجميع بدءا من المساس بالأئمة المراجع ومرورا بالتهجم على مختلف تيارات الفكر الإسلامي، وكان آخرها المساس بالزوايا في لقاء الائمة الأخير، رغم أن كل الظروف مهيأة لتعاون الجميع بحس وطني لإبعاد البلاد عن الوقوع مرة أخرى في شراك الإرهاب والمخططات الدولية.

 

الجزائر وباريس حكاية مناكفة لم تنته بعد

 

ولعل من أهم الملفات التي أثارت جدلا كبيرا في هذا العام وككل عام هو العلاقة الجزائرية الفرنسية التي لا تكاد ترسو على حال الإنزال الدبلوماسي في زيارات من كل نوع، بدءا برؤساء بلديات فرنسا ومرورا بالوزراء ورئيس الحكومة ورجال الأعمال، كلها كانت محل نقاش واستفسار، إلا أن وصول الوقاحة الفرنسية لدرجة التدخل في قضايا مرض الرئيس على غرار صورة فالس المشينة أعادت النقاش من جديد، أي حدود للعلاقة وأي فائدة ممن لازالوا يتحدثون بذهنية المحتل والتي ترجمتها كلمات هولاند لبوتين في الكتاب الذي قضى على أحلام الاشتراكيين من الاستمرار في الحكم، كل هذا لم يغير في طبيعة العلاقة الجزائرية الفرنسية التي أصبح من الأهمية بمكان مراجعة أشكالها ومضامينها وإلا بقينا نواجه متاعب كثيرة في كل المستويات. 

 

الأمل الذي صنعته لاديال

 

ولعله من الأهمية الإشارة إلى أن الجزائريين في هذا العام مرتبطون بإمكانية الحصول على مسكن عبر مختلف الطرق المقترحة. وكبر هذا الأمل لدرجة أن كل المواقف مؤجلة بل التمنيات إلى غاية تحقيق هذا الحلم الذي أصبح حقيقة في أرض الواقع لكثير من المواطنين. ومن حقنا في هذا الواقع المليء بالسلبيات أن نشيد بما تحقق من إعطاء الحقوق للمواطنين عبر القضاء على الأحياء القصديرية في العاصمة وولايات كبرى أخرى. وأصبحت أزمة السكن قابلة للحل بل أصبح العزاب يحلمون باقتناء مسكن يؤويهم، إضافة إلى استمرار الجانب الاجتماعي في الدولة. ورغم كل الضغوطات لازال التعليم والصحة مجانية، إضافة إلى آلاف الهياكل المنجزة التي من حقنا أن نفخر بها ونشكر الله عليها.

 

من نفس القسم الوطن