الوطن

"سياسة السلم الاجتماعي كرست ثقافة النفور من العمل"

المحلل السياسي الاقتصادي، سليم قلالة، ليومية "الرائد":

المشاكل الاقتصادية هي نتيجة تراكمات عقدين من السياسات الخاطئة للحكومة

قانون المالية 2017 وإلغاء التقاعد النسبي هي حلول ظرفية لن تصمد طويلا

أرجع المحلل السياسي الاقتصادي، سليم قلالة، حراك الجبهة الاجتماعية وإضرابات النقابات في الصحة والتربية، رفضا لإلغاء التقاعد النسبي الذي ميز الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة ويرتقب أن يتجدد الأمر مطلع السنة القادمة، إلى أنه "نتيجة حتمية وواقعية لتراكم السياسات السابقة للحكومة خلال عقدين (20 سنة) وتكريس ثقافة اجتماعية جديدة لدى الفرد بأنه يستطيع الوصول إلى المناصب والثراء دون جهد"، مضيفا: "هذه السياسات المتمثلة في الدعم الاجتماعي والفلاحي والصناعي لم يستفد منها مستحقوها، وبالتالي صار الفرد يعتقد بعدم جدوى العمل لتحسين معيشته ووضعيته الاجتماعية، فنظرته للعمل باتت فاترة وهناك تقاعس عنه، والتقاعد النسبي جزئية منه".

 

لاحظنا في الآونة الأخيرة حراكا في الجبهة الاجتماعية بدأ بالإضرابات ومطالب الطبقة الشغيلة وتعامل الحكومة معها، هل تعتبر انعكاسا أوليا للأزمة الاقتصاد الوطني؟

 

المطالبة بالتقاعد النسبي وغيرها من المطالب هي نتيجة لأسباب أبعد من قانون المالية وإلغاء التقاعد النسبي، فما يحصل حاليا وما سيحصل مستقبلا هي نتيجة للسياسات السابقة للحكومة وتراكمات قرابة عقدين (20 سنة). فالمجتمع تحول وتحولت نظرته للحياة وكيف يقوم بعمله والتفاعل مع الواقع، فتغير بنية المجتمع ولد أزمة ثقافية اجتماعية لمفهوم العمل، وانعكس ذلك على أداء المهام المنوطة بالفرد (طبيب، معلم، بناء، مهندس، الخ) وظهرت قيم جديدة على غرار الثراء دون جهد ودون عمل، والحصول على منصب دون مستوى ودون كفاءة، وبالتالي العقلية السائدة حاليا تميل إلى الخروج من العمل قبل سن التقاعد وممارسة أعمال حرة أخرى.

إذن، قانون المالية وقانون إلغاء التقاعد النسبي هي نتائج للسياسات الخاطئة، ولولا الأزمة الاقتصادية الحالية وفراغ الخزينة لما اكتشفنا حجم التحول في المجتمع.

 

ما هي قراءتكم لتعامل الحكومة مع الوضع الجديد والحلول التي تتجسد في تحديث التشريعات والقوانين رغم المعارضة القوية للجبهة الاجتماعية؟

 

الحكومة تتعامل مع الوضع فقط تقنيا وظرفيا وهذا خطأ، لأن القوانين التي تقترحها الحكومة لفرض سياسات معينة لا يمكنها أن تعالج المشاكل عميقا، فقانون إلغاء التقاعد سيفرض على العامل البقاء في منصبه حتى سن التقاعد، لكن في الحقيقة هو إبقاء على العامل وليس إبقاءه من أجل العمل وأداء المهام المنوطة به، إذن الحلول يجب أن تكون عميقة وتغيير السياسات السابقة حتى لا نشهد خسارة اقتصادية جديدة عبر هذه الحلول الظرفية.

 

تحملون الحكومة نتائج كل الوضع، ما هو دور الجبهة الاجتماعية الممثلة في النقابات والعمال؟

 

ليس من مهام النقابات معالجة المشكلة، لأن الجهاز التنفيذي والمجتمع المدني هو المسؤول عن زرع الثقافة الاجتماعية لدى الفرد، أما النقابات فدورها هو الدفاع عن العمال والطبقة الشغيلة، وبالتالي يمكن للحكومة أن تغير سياساتها تجاه المجتمع، وتحرص فئات المجتمع المدني على تكريس الثقافة الجديدة مثلما حدث سابقا وأدى إلى النتائج الحالية.

 

ودور الأحزاب السياسية سواء التي قادت الحكومة أو المتواجدة فيها أو المعارضة؟

 

الأحزاب هي جزء من النظام وهي من كرست واقعا غير سليم. فكل ما يحدث هو انعكاس للسياسات المتخذة من جانبها وجانب السلطة التنفيذية والتشريعية، ومع تراكم الوضع صارت حتى الأحزاب داخلها تفرز هذه المشاكل ويسعى أعضاؤها إلى مناصب دون نضال وعبر وساطات وأموال، وهذه السياسات ما كانت لتكتشف لولا تدهور مداخيل البلد.

النظام الحالي يجب أن يتعاطى مع الوضع بصفة شاملة ويتجه إلى تغيير عميق في مختلف المستويات من أجل الحفاظ على المجتمع والقيم المترسخة فيه، خصوصا قيمة العمل من أجل تحقيق المصالح والطموحات.

 

بالعودة إلى قانون المالية لسنة 2017، هل ترون أنه سيعالج بعض المشاكل التي بدأت تطفو للسطح وتزيد من حدة الأزمة؟

 

لا أتوقع أن تأتي هذه الحلول الظرفية بنتائج واقعية وجدية، زيادة على أنه إذا لم تتحسن مداخيل الدولة بارتفاع أسعار النفط فإن البلد سيدخل في أزمة أخرى، لأنه لم يطور وسائل الاعتماد الذاتية على غرار حب العمل وقيم المجتمع المشتركة.

وأعتقد أن الأزمة ستستمر لسنوات قادمة إلى حين رسم استراتيجية تنمية قائمة على أساس العمل ونبذ السياسات السابقة التي نخرت الاقتصاد والمجتمع.

 

هل هناك استدراك للسياسات السابقة من خلال سياسات الحكومة الحالية؟

 

التشريعات الحالية هي مسكنات وليست وسائل علاج للمشاكل الحقيقية، وهي تهدف لترميم ما تمّ إفساده من خلال سياسة الدعم الاجتماعي والفلاحي والصناعي، وعدم استفادة المستحقين الحقيقيين من هذا الدعم، والتلاعب به من جانب الوسطاء والمضاربين والإدارة وغيرها، وبالتالي هي محاولة لسد الثقوب في المنظومة المخترقة ليس أكثر.

أما الحل العميق فينبغي أن يأتي من نظرة شاملة وليس جزئية، وعبر نقاش حقيقي والتفاعل معه على كافة المستويات.

سأله: يونس. ش

 

من نفس القسم الوطن