دولي

عوائق المصالحة الفلسطينية

القلم الفلسطيني

 

 

كانت البداية في مايو 2006 عندما خرجت قيادات الأسرى داخل سجون الاحتلال "الإسرائيلي" "بوثيقة المصالحة" أو ما اُطلق عليها فيما بعد "وثيقة الأسرى" التي عُقد على إثرها مؤتمر الحوار الوطني بتاريخ 25 مايو 2006.

فشل المؤتمر الوطني في حجر الاشتباكات المسلحة بين القوات التنفيذية التابعة لحماس وقوات الأجهزة الأمنية التابعة لفتح، وتبعه الوساطة القطرية في أكتوبر 2006، وفشلت هي أيضا ً في تقريب وجهات نظر الطرفين. بادر ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز لحل الخلاف الناشب بين الطرفين من خلال دعوة الطرفين إلى مكة، ووقع الطرفان هناك ما عُرف فيما بعد باسم "اتفاق مكة" الذي أفضى إلى تأسيس حكومة وحدة وطنية.

تجددت الاشتباكات بين الطرفين في بداية يونيو من عام 2007، وانتهت بفرض حماس سيطرتها الكاملة على قطاع غزة يوم 14 يونيو 2007. على إثر ذلك، أسس الطرفان حكومتين منفصلتين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، وفي مطلع 2009 طرحت الحكومة المصرية رؤيتها للتصالح في إطار ما بات يُعرف فيما بعد باسم "الورقة المصرية" التي وافقت عليها فتح وطالبت حماس بمهلة للتمعن في مبادئها، الأمر الذي أدى إلى تجميدها. أبصر الحوار الضوء من جديد بعد لقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" مع رئيس المخابرات المصرية آنذاك "عمر سليمان" أواسط 2010 بدمشق، أعقبه لقاء الطرفين بتاريخ 9 نوفمبر 2010. تم الإعلان عن جلسة جديدة للتفاهم ولكنها لم تقعد، وتبادل الطرفان الاتهامات بتحمل المسؤولية عن إجهاض الحوار. مع اندلاع ثورات الربيع العربي خرجت مسيرات حافلة في الضفة الغربية وقطاع غزة تطالب بإنهاء الانقسام بأسرع وقت ممكن، وفي يوم 4 مايو 2011 اجتمع الطرفان في القاهرة ووقعا على الورقة المصرية للمصالحة.

لم تحقق الورقة المصرية المصالحة الحقيقية وبقي الأمر حبر على ورق حتى تاريخ 23 أبريل 2014، حيث تم توقيع ما بات يُعرف ب "اتفاق الشاطئ" الذي تعهد به الطرفان على الالتزام بمبادئ اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، وعلى إثر ذلك أدت حكومة الوفاق الوطني بقيادة "رامي الحمد الله" اليمين الدستوري، ولكن إلى الآن ما زالت حماس هي الحاكم الفعلي لقطاع غزة أمنيا ً وإداريا ً ولم يتفق الطرفان على محاور معيّنة لتطبيق الاتفاقات التي وقعا عليها حتى الآن. بعد السرد أعلاه، على الأرجح سيطرح القارئ تساؤل مفاده "ما هي العوائق التي تحول دون اتفاق الطرفين؟" والإجابة على ذلك ممكنة من خلال الاطلاع على العوامل الداخلية والخارجية التي حالت دون تحقق المصالحة المنشودة: منها الافتقار للوعي الديمقراطي التعددي: لقد فشلت الشعوب العربية المستقلة سياسياً عن النجاح في ترسيخ ركائز الديمقراطية والتعدد السياسي والوعي بهما، فكيف يمكن لشعب يرزح وقيادته تحت سلطة احتلال ويعتمد في ميزانيته على الدول الخارجية وبالأخص الولايات الأمريكية المتحدة ودول الغرب أن يتشكل لديه وعي ديمقراطي حر  وانعدام الإرادة: أشدد في جميع مقالاتي على ضرورة تحلي أي صانع قرار أو كيان سياسي بالإرادة لتحقيق الأهداف المُخطط لها، فبالإرادة تولد الخطط الناجعة والقادرة لمواجهة كافة التحديات التي تقف أمام أي مشروع سياسي وكذا الافتقار للضغط الشعبي وقد يكون السبب الأساسي في عدم وجود الإرادة هو الافتقار لضغط شعبي حقيقي، وقد يقول قائل كيف يمكن للشعب أن يشكل ضغط على الطرفين اللذين يعتقلان كل من يهمس بهمسة معارضة؟ يوجد في فلسطين العديد من الفصائل السياسية والعسكرية بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي إن اتحدت تحت لواء حقيقي سيلتف الشعب حولها وبالتالي سيغدو هناك ضغط شعبي قوي على قطبي الانقسام الرئيسين، إلا أن مثالب التبعية الاقتصادية التي تحكم هذه الفصائل والمؤسسات تحول دون تأسيسها لقاعدة قادرة على اقناع الشعب لتحريكها نحو ذم الانقسام ومقاومته بكافة الوسائل.  والتنافر الإيديولوجي

لقد كان التنافر الإيديولوجي البذرة الأولى للخلاف بين الطرفين منذ فوز حركة حماس بانتخابات 2006، ففتح تريد التفاوض السلمي بعيداً عن أي شاهد من شواهد الكفاح المسلح، أما حماس فتريد الموازنة بين التفاوض والكفاح ولكن دون الخنوع الكامل للغطرسة "الإسرائيلية"، وانطلاقاً من هذا التنافر يكيد الطرفان لبعضهما البعض دون الاعتبار للمصالح العليا الخاصة بالقضية الفلسطينية.

 

 

 

جلال سلمي

من نفس القسم دولي