الوطن

"جدل المنحة " يعيد المعارضة إلى بيت الطاعة

إثارتها أسقط تكرار سيناريو جلسة المصادقة على قانون المالية لسنة 2016

 

منحة نهاية عهدة نواب البرلمان بين تسيس الأغلبية وصمت المعارضة
نواب التكتل وحزب العمال اعتبروها "تشويشا" من الحكومة وإدارة ولد خليفة
الأفلان يسحب تعديلات قانون المالية ويبادر بتخفيض المنحة !! 
 
 
 
في وقت كان نواب المجلس الشعبي الوطني يحضرون لوضع آخر التعديلات المتعلقة بقانون المالية لسنة 2017 والإجراءات الجديدة التي جاءت بها الحكومة، تماشيا مع السنة الثالثة "لسياسة ترشيد النفقات"، أو كما تطلق عليه المعارضة "سياسة التقشف"، برز إلى السطح، دون سابق إنذار، "موضوع منحة نهاية العهدة للنواب"، وأخذ الموضوع "طابعا سياسيا" بعدما كان طوال العهدات الأربع المنقضية (منذ 1997) "طابعا إجرائيا محضا". وكان صاحب المقترح نائب رئيس المجلس المكلف بالمالية والإدارة، بهاء الدين طليبة، هو من طرح إلغاء المنحة، وهو ما تزامن مع مغادرة نواب حزب العمال وجبهة العدالة والتنمية القاعة ويدلون بتصريح إعلامي جاء فيه: "خرجنا لأننا لا نستمع لبارون !!". فما الخلفيات السياسية والقانونية وحتى الاجتماعية التي أقحمت "إجراء قانونيا في سياق سياسي اقتصادي"؟ وكيف تعاملت معه إدارة المجلس والنواب وحتى الحكومة؟
لا يخفى على المواطنين والموظفين بصفة خاصة أن القانون يحمي حق العامل في الراتب والتأمين والتقاعد والمنح المتعلقة بأداء مهامه، كما أن هذه المنح والعلاوات تخضع لنصوص قانونية محددة ومدرجة في ميزانية البرلمان بغرفتيه، وتدمج ضمن قانون المالية للدولة وتنشر في الجريدة الرسمية، لكن ما حدث تزامنا مع مناقشة قانون المالية لسنة 2017 هو "التركيز على منحة النواب المقدرة بنحو 260 مليون سنتيم (مليوني و600 ألف دج) باحتساب مجموع 10 أشهر من أجر النائب المقدر بـ 26 مليون سنتيم (260 ألف دج)"، وهو ما جعل نواب المعارضة تعتبره "تضليلا إعلاميا للرأي العام"، في حين اعتبره نواب الموالاة "التزاما أخلاقيا تجاه الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد".
 
حديث عن تدخل سلال للفصل في صرف المنحة
كشفت مصادر إعلامية عن تدخل غير مباشر للوزير الأول، عبد المالك سلال، للفصل في الجدل السياسي والإعلامي الذي رافق مقترح نائب رئيس المجلس المكلف بالمالية والإدارة لإلغاء منحة نهاية العهدة للنواب من ميزانية المجلس الشعبي الوطني. وذكرت المصادر أن "الوزير الأول طلب من رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، تجنب استفزاز الشعب وإثارة القلاقل عبر احتجاج النواب حول المنحة". وفي تطور مفاجئ "لموضوع المنحة"، ساد في أروقة المجلس الشعبي الوطني، تزامنا مع مناقشة قانون المالية لسنة 2017، "ضغط كبير على لجنة المالية والميزانية ومكتب المجلس".
وفي الإطار، التقت "الرائد" مع عضو اللجنة جلول جودي (حزب العمال) وسألته عن سبب تأجيل اجتماع لجنة المالية عشية التصويت على قانون المالية لسنة 2017، وذكر جودي أن "الأمر يتعلق بغياب صاحب مقترح إلغاء منحة النواب، وهو نائب رئيس المجلس المكلف بالمالية والإدارة بهاء الدين طليبة". ولم يذكر جودي أسباب وخلفيات الغياب سوى أنه احتج لدى رئيس اللجنة وطلب تأجيل الاجتماع، وكانت "الرائد" قد نقلت تصريحات رئيس لجنة المالية والميزانية، بدة المحجوب، بعد تأجيل الاجتماع (يوم الاثنين الفارط) وحالة الضغط والقلق التي كان عليها ورفضه التصريح للصحافة.
 
الأفلان يصدر بيانا غريبا تزامنا مع مناقشة قانون المالية
عشية جلسة التصويت بالمجلس الشعبي الوطني على مشروع قانون المالية لسنة 2017، أصدرت المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني "بيانا غريبا" يحمل توقيعا غير محدد الصفة (الاسم واللقب) عن رئيس المجموعة، محمد جميعي، ولا يحمل إشارة إلى التاريخ أو رقم القرار. وجاء في نص البيان: "نواب الأفلان، وتفهما منهم للوضع الاقتصادي للبلاد وتضامنا منهم مع هذا الوضع، يقررون التنازل عن نصف منحة نهاية العهدة". وتابع البيان: "ويطالبون مكتب المجلس بإدراج هذا المطلب ضمن مداولتهم في إعداد ميزانية المجلس"، وذلك على خلفية كلمة نائب رئيس المجلس المكلف بالمالية والإدارة، بهاء الدين طليبة، الذي أعلن عزم المجلس إلغاء المنحة في ميزانيته".
ومن جهته، قال رئيس مجموعة نواب الأفلان، محمد جميعي، في تصريح ليومية "الرائد"، إن "مبادرة النواب لتخفيض منحة النواب المقدرة بنحو 260 مليون سنتيم إلى النصف كان بمشاركة نواب الأرندي ونواب التكتل الأخضر". وقال جميعي: "الموالاة وكثير من نواب المعارضة والأحرار وافقوا على المقترح، لأن الحس الوطني يجمعهم، والبلاد في أزمة اقتصادية". وبرر المتحدث هذه المبادرة بالقول: "ما فعله نواب الأفلان ليس مزايدة سياسوية وليس من أجل مناسبات انتخابية أو غيرها".
 
جودي: اهتماماتنا حول مشاكل المواطن وليس منحة النواب
تجاهل رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العمال، جلول جودي، الجدل السياسي والإعلامي حول منحة النواب وإدراجها في جدول أعمال مناقشة ميزانية المجلس الشعبي الوطني. وقال جودي، في حديث جمعه مع "الرائد"، إن "حزب العمال منصب على مناقشة التعديلات المتعلقة بقانون المالية لسنة 2017 وإجراءات التقشف التي تزيد من معاناة المواطن وتمس بقدرته الشرائية والحقوق المكتسبة". وذكر جودي: "البرلمان حاليا منعكف على مناقشة أهم القوانين التي تمس بالمكتسبات والحقوق، والبعض الآخر منشغل بمنحة النواب، هذا تضليل للرأي العام".
وبخصوص منحة النواب والجدل المرافق لها، قال جودي: "هذه المنحة موجودة منذ العهدة التشريعية الخامسة (1997-2002) ونحن كنا ضد إقرارها"، وأضاف: "المنحة هذه مدرجة في كل قوانين المالية منذ 2002 وهي تتعلق بنهاية العهدة أي مرة في العهدة باحتساب 10 أشهر من أجر النائب"، مضيفا: "يريدون التشويش على مناقشة قانون المالية لسنة 2017 وتمريره ضد مصلحة المواطن، وكذا تمرير قانون إلغاء التقاعد المسبق". وكانت "الرائد" رفقة رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العمال، وهو عاكف على دراسة التعديلات المدرجة في التقرير التكميلي لمشروع قانون المالية لسنة 2017، والذي تمّت المصادقة عليه الثلاثاء الفارط، بعد رفض 31 تعديلا مقترحا من نواب حزب العمال، حسب المتحدث.
 
زقاد: لا مقارنة بين منحة النائب ومنحة 700 مليون للوزير
استغرب البرلماني عن كتلة الأحرار، حبيب زقاد، الزخم الإعلامي والسياسي الذي رافق مناقشة قانون المالية لسنة 2017، بالتركيز على منحة نهاية عهدة النائب وكأنها "ميزانية دولة". وقال زقاد: "ما هذا التضليل للرأي العام، يريدون أن يجعلوا منحة 260 مليون سنتيم رقما كبيرا في ميزانية الدولة". وأضاف: "أريد أن أسألهم كم يتقاضى وزير عند تنحيته من الحكومة بإنهاء مهامه، هو يتقاضى أزيد من 700 مليون سنتيم باحتساب 10 أشهر من راتبه الشهري، وكم يتقاضى إطار في سوناطراك منحة نهاية العمل، فهي تقدر بنحو 700 مليون سنتيم"، مضيفا: "كنت إطارا في سوناطراك قبل أن أنتخب نائبا، وهذه هي المنحة". واعتبر زقاد أن التضليل المرافق لتمرير قانون المالية لسنة 2017 "واضح" بالتركيز على منحة النائب وكأنها "إهدار للمال العام، في حين تقدر منحة رئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة بنحو مليار و500 مليون سنتيم (15 مليون دج) فمن يتجرأ على خفضها أو إلغائها".
وعن الجدل السياسي بخصوص منحة النواب، قال زقاد: "هذه المنحة موجودة منذ 2002 فلماذا فقط يستغلونها في هذا الظرف، ومرافقتها بزخم إعلامي وسياسي وكأنها المنقذ للاقتصاد الوطني". وأضاف: "يريدون تشويه صورة النائب بمثل هذا التضليل، فالمواطن يصبح يمقت البرلمان وينفر من الانتخابات التشريعية، وبالتالي يستغلون الوضع لوضع أقربائهم وحاشيتهم". وفي السياق، قال زقاد: "إذا كانوا فعلا يحافظون على المال العام فلماذا يقوم رئيس المجلس الشعبي الوطني بتغطية نفقات جولاته خارج الوطن رفقة أولاده وأهله، أنا مسؤول عن كلامي". وأضاف: "في إحدى جولاته خارج الوطن إلى دولة كينيا، رافقه عدد من أفراد أسرته وعدد من النواب، نفقات هذه الجولة على عاتق الدولة وتفوق بعشرات المرات منحة النواب".
 
حمدادوش: جدل المنحة لتشويه صورة النائب أمام المواطن
لم يكتف البرلماني عن حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش، بالتشريح القانوني لمنحة النائب مقارنة مع إطارات الدولة، بل تعداه إلى الجانب السياسي والاجتماعي المراد استغلاله في الظرف الحالي. وقال حمدادوش: "الملاحظ هو الإثارة المركزة على هذه القضية، بطريقة استفزازية للشعب ومثيرة للانتباه". وأضاف: "هي محاولة مستميتة لتشويه صورة النواب، وتعميم الأحكام عليهم، وتسويد صورتهم أمام الرأي العام، وبالتالي الطعن في ممثلي الشعب والسكوت عن المعيّن (مثل الوزراء)". واعتبر البرلماني أن الهدف من وراء هذه الحملة الممنهجة هو "التيئيس في الانتخابات، والدفع نحو المقاطعة، وهو ما يضمن لهم نصاب البقاء، والاستفراد بالحكم، والاستمرار في نفس الوضع المأساوي للشعب، والوضع المريح لهم".
وفي الجانب المالي والقانوني للمنحة، ذكر حمدادوش: "هذه المنحة موجودة في كل العهدات وفي كل القطاعات، وليست اكتشافا عظيما للبعض حتى يستثمر فيها على مقربة من نهاية العهدة والانتخابات القادمة". وأضاف: "أي إطار في صندوق التقاعد يأخذ ما يقارب مليار سنتيم، والموظف البسيط ما بين 200 إلى 300 مليون، ونتحدى من يتجرأ على الحديث عن منحة نهاية الخدمة للإطارات السامية مثل الوزراء وغيرهم". وأضاف: "نواب أحزاب السلطة يريدون المزايدة علينا بالتخلي عنها، وهم المستفيدون من المال السياسي الفاسد، بما يجعل تلك المنحة لا تساوي شيئا أمامها"، مضيفا: "نتحداهم أن يقبلوا بمقترحنا بتخفيض أجور النواب والإطارات السامية للدولة".
 
خبابة: نطالب مرة أخرى بتخفيض أجور النواب وإلغاء المنحة !!
لم يتمالك نواب المجلس الشعبي الوطني "أنفسهم من الضحك" بعد أن أنهى النائب عن التكتل الأخضر، يوسف خبابة، كلمته في جلسة مناقشة بالبرلمان، الأسبوع الفارط، وذلك عقب "إعادة قراءته لمقترح سابق يتعلق بتخفيض أجور النواب المقدرة بنحو 26 مليون سنتيم وإلغاء منحة نهاية العهدة المقدرة بنحو 260 مليون سنتيم". وواجه النائب (ينتمي لحزب النهضة) على مرأى من الصحافة والرأي العام الوطني "ضحكات استهزاء وسخرية من المقترح". فنواب الفألان الجالسون على مقربة منه التفتوا إليه مع ابتسامات عريضة، في حين زملاؤه في المجموعة البرلمانية استفسروه عن مقترحه.
وذكر النائب يوسف خبابة أنه "يقترح تخفيض أجور النواب وإلغاء منحة العهدة في ميزانية المجلس الشعبي الوطني، وذلك تماشيا مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد واعترفت به الحكومة منذ سنة 2015". وقال خبابة (تيار المعارضة في البرلمان) إنه "يجب على النواب والحكومة والإطارات السامية للدولة الالتزام بتخفيض أجورهم قبل اللجوء إلى جيوب المواطن عبر الزيادات والضرائب المدرجة في قانون المالية لسنة 2017".
 
الأرندي "يخبئ رأسه" في "صراع الديكة"
تواجه المجموعة البرلمانية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي "انتقادا حادا" في المجلس الشعبي الوطني من جانب سياسيين ومراقبين وحتى زملائهم في البرلمان، فبعد جدال حاد وتجاذبات حول منحة نهاية العهدة بين أحزاب المعارضة وكتلة الأحرار ونواب الأفلان، وحتى بتدخل الحكومة، حسب مصادر إعلامية، لم يبد نواب الأرندي أي "موقف صريح" تجاه النقاش الدائر في الغرفة السفلى للبرلمان. واكتفت المجموعة البرلمانية للأرندي بمسايرة مقترح الأفلان (الأغلبية) حسبما كشف عنه جميعي للصحافة بأن الأرندي وافق على مقترح خفض المنحة إلى النصف.
ويحتل حزب الأرندي في المجلس الشعبي الوطني المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد بـ 70 مقعدا، في حين تحوز أحزاب المعارضة (التكتل الأخضر، وحزب العمال، وجبهة العدالة والتنمية) مجتمعة على 82 مقعدا، ومع ذلك غاب صوت الأرندي وسط احتدام المواقف بين إلغاء المنحة في ميزانية المجلس وتخفيضها وكذا تخفيض أجور النواب، ما جعل الكثير من المراقبين يعتبرون "سكوت الأرندي معبرا، لأن ما يحدث بين نواب المعارضة والأفلان هو صراع ديكة، والمقرر الفعلي لصرف المنحة أو تخفيضها أو إلغائها بيد الحكومة".
في خضم الجدل القائم في المجلس الشعبي الوطني حول منحة 260 مليون سنتيم لكل نائب عند نهاية عهدته، يتبادر إلى ذهن المواطن كم تكلف هذه المنحة الخزينة العمومية، وباعتبار أن المجلس يضم 397 نائبا يمارسون مهامهم حاليا، فإن صرف المنح يكلف كحد أدنى مليارا و33 مليون دج (أي 103 مليار و300 مليون سنتيم)، وبعد تخفيضها إلى النصف فهي الآن في حدود 516.5 مليون دج (أي 51 مليار و650 ملين سنتيم)، وذلك دون احتساب منحة نهاية العهدة لرئيسه محمد العربي ولد خليفة (مليار ونصف مليار سنيتم)، ونوابه ورؤساء اللجان الدائمة. كما يجدر التذكير أن بعض النواب لم يدخلوا مبنى البرلمان منذ انتخابهم في سنة 2012، ونذكر بينهم لويزة حنون الأمين العام لحزب العمال، لكن الأهم في كل ذلك، هل أعادت الحكومة وإدارة ولد خليفة "الصفعة" لنواب المعارضة بعد أن تلقتها عند تمرير قانون المالية لسنة 2016 !!".
يونس بن شلابي

من نفس القسم الوطن