دولي

أخطر هجمات الاستيطان بدأت

القلم الفلسطيني

 

حينما ظهرت نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، انفجر اليمين الاستيطاني والإرهابي الإسرائيلي بصرخات الفرح، وبالتصريحات الداعية إلى ضرورة الشروع بهجمات الاستيطان الأكبر، ومن ناحيتنا ستكون الأخطر. في اليوم التالي، سعى كثير من المحللين الإسرائيليين إلى تخفيض حماسة المستوطنين، بادعاء أن دونالد ترامب قد ينقلب على وعوده. إلا أن دعوة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وزراءه ونوابه إلى التوقف عن إطلاق التصريحات، قد تكون مؤشراً إلى أننا بالفعل سنشهد موجهة استيطانية غير مسبوقة. وهذا بالفعل ما كان بعد أيام قليلة.

فقد تزامنت نتائج الانتخابات الأميركية مع صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية، بضرورة إخلاء البؤرة الاستيطانية "عمونة" في منطقة رام الله، القائمة بغالبيتها الساحقة على أراض فلسطينية بملكية خاصة. وكما يتأكد، فإن عصابات المستوطنين الإرهابية، بدعم وزرائهم ونوابهم في الائتلاف الحاكم، رأوا أن فوز ترامب فرصة سانحة لهم لتمرير مشروع قانون السلب والنهب.

ويقضي بأن تصادر حكومة الاحتلال الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة، والتي سلبها واستولى عليها المستوطنون الإرهابيون منذ سنوات، وأقاموا عليها بؤرهم الاستيطانية، بتواطؤ مع حكومتهم. وهذا القانون خال من أي منطق إنساني؛ فحتى نواب في اليمين المتطرف لم يستوعبوا هذا النص، وكذا بالنسبة للمستشار القضائي لحكومة الاحتلال، الذي هو في منصب المدعي العام الأعلى؛ إذ حذّر من أنه في حال إقرار هذا القانون كلياً، فإنه سيقود "إسرائيل" إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وهذا يدل على مدى وحشية القانون الذي، في حال إقراره، سيسري على آلاف الدونمات القائمة عليها المستوطنات. وقد يسري لاحقاً، على عشرات آلاف الدونمات الزراعية التي استولت عليها عصابات المستوطنين على مر السنين. الخطورة الأخرى في هذا القانون، أنه سيكون الأداة لتثبيت حوالي مائة بؤرة استيطانية، عدا ما يزيد على 134 مستوطنة قائمة فعلياً. وتسمي "إسرائيل" هذه البؤر بأنها "غير قانونية"، وهي تسمية تضليلية، تسقط في شركها وسائل إعلام عربية، لأن استخدام هذا المصطلح يعني أن المستوطنات الثابتة الأخرى "قانونية".

كذلك، يتم استخدام تسمية تضليلية أخرى للبؤر ذاتها: "مستوطنات عشوائية"؛ إذ إنها في واقع الأمر ليست عشوائية، بل حددت عصابات المستوطنين أماكنها وفق خرائط وتخطيط يخدم الهدم الاستراتيجي الأعلى بالنسبة لهم، ولزعيمهم بنيامين نتنياهو، وهو منع إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي، قادرة على الحياة. لأن هذه البؤر تزيد من عزل مناطق المدن الفلسطينية في الضفة عن بعضها.  ومشروع آخر يريد المستوطنون وحكومتهم الإسراع في تنفيذه، هو الحزام الاستيطاني بين العيزرية و"القدس الشرقية" المحتلة، والذي سيفصل القدس عن الضفة من الناحية الشرقية، بآلاف البيوت الاستيطانية.

إذ يجري الحديث عن حزام استيطاني من الغرب إلى الشرق وفي مركزه القدس، يضم عشرات آلاف البيوت الاستيطانية، ليفصل جنوب الضفة عن شمالها كلياً. على الرغم من المواقف الأميركية الرسمية المتواطئة مع حكومات الاحتلال، إلا أن الأخيرة لم تستطع تنفيذ هذه المشاريع على مدى السنوات الماضية. ولهذا يرى اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو أن انتخاب دونالد ترامب، المحاط بفريق مستشارين صهيوني وداعم للصهاينة، يمثل الفرصة المناسبة للانطلاق بكل هذه المشاريع.

إن من تابع سير أعمال الكنيست في الأسبوع الأخير، سيلمس جيداً حجم انفلات عصابات اليمين، خاصة في أروقة البرلمان وبين الكتل البرلمانية الحاكمة. وهذا ليس فقط على مستوى الاستيطان، بل أيضاً على مستوى التشريعات العنصرية. وإذا كان على مدى عام ونصف العام، قد تم إدراج 82 قانوناً عنصرياً، من بينها 14 قانوناً تم إقرارها بشكل نهائي، فإنه منذ بدء الدورة الشتوية قبل ثلاثة أسابيع، شهد الكنيست تقديم ثمانية قوانين عنصرية أخرى، أحدها قانون حكومي.

في حين من المفترض أن يصوّت الكنيست، في الأيام المقبلة، على مشروع قانون يجيز لوزير الداخلية منع أذان المساجد وأجراس الكنائس، في الكثير من المدن الفلسطينية وأهمها القدس. وهذا القانون تم إدراجه لأول مرة قبل خمس سنوات، إلا أن حكومتين سابقتين لنتنياهو، لم تتجرآ على طرحه للتصويت، وفعلت هذا الآن، وقد يكون في خلفية هذا جرأة زائدة نشأت بعد انتخاب ترامب.

 

برهوم جرايسي

 

من نفس القسم دولي