الوطن

تنامي التخوف من انتخابات دون شعب !!

أمام استمرار الحديث عن عزوف الشعب عن الفعل السياسي

 

ليست الجزائر الدولة الوحيدة التي تعرف ظاهرة العزوف السياسي وجنوح الشعب إلى المقاطعة في الانتخابات، رغم أن الأسباب تختلف، إلا أن هذه الظاهرة تنذر باستمرار أزمة التمثيل السياسي التي ستكون عواقبها وخيمة على الشعب والدولة، بالنظر إلى تفاقم الوضع الاقتصادي وبروز مؤشرات يصعب فيها اتخاذ قرارات شعبوية، بل حتى استمرار الجانب الاجتماعي في الدولة الذي يعد مرتكزا من مكاسب ثورة نوفمبر التي رسخت مبدأ الدولة الاجتماعية. ورغم إدراك كل الأطراف خطورة هذه الظاهرة إلا أن الجميع لا يقدم طرقا وأساليب، بل حتى الخطاب الذي يمكنه أن يساعد على تجند الشعب في الانتخابات القادمة بشكل مقبول يضفي مصداقية كاملة على الانتخابات ويعبئ الشعب للخيارات المستقبلية من جهة، ويتحمل تبعات السياسيات والرجال والأحزاب الذين تفرزهم صناديق الاقتراع.

الممارسة السياسية في الجزائر أثرت بشكل كبير على سلوك المواطن الذي أصبح يرى أن السياسيين هم مجموعة من الانتهازيين يزورونه في فترة الانتخابات ويتركونه بعد ذلك يواجه مشاكله المتعددة، رغم التحسينات التي تحدث في حياته اليومية، ولكن بالبطء والتأخر، إضافة إلى التركيبة النفسية للجزائري الرافض للواقع. ثم إن الخطاب السياسي المنتهج من مختلف القوى يدعو دوما إلى السوداوية ويدفع نحو اليأس، لاعتقاد جزء مهم من الساسة أن إقناع المواطن لابد له من ممر الانتقاد إن لم نقل السب والشتم، كل هذه عوامل كرست سلوك ابتعاد المواطن عن الفعل السياسي الذي أصبح جزء من المواطنين لا يرون فيه إلا محطة لتحسين الوضع الاجتماعي للمنتخبين وأصحابهم ومحيطهم القريب. وهو ما يصعب مهمة تعبئة الجماهير في الاستحقاقات، إلا إذا اتخذت عدة إجراءات تساعد على كسب ثقة الناخب من جديد.

وعلى رأس هذه الإجراءات، إضفاء الشفافية على مختلف مراحل العملية الانتخابية، سواء تعلق الأمر بالجوانب القانونية أو التعليمات الإدارية المرافقة للقانون، وهي محور أساس في العملية، ويلحق هذا الإجراء أيضا بتفعيل القوانين التي تحمي المال العام وتمنع استغلال والتعسف في استعمال حق السلطة حتى لا تكون المناصب الانتخابية عرضة لمن هب ودب.

كما أن الأحزاب مطالبة بإيجاد ميثاق انتخابي تجمع عليه، يمكنها إعطاء قيمة سياسية وعلمية وأخلاقية للمناصب المتنافس عليها، لتساهم في عصرنة الدولة من جهة، وتحارب محاولات سيطرة كل أشكال الاستخفاف بموقع المنتخب، سواء على المستوى المحلي أو الوطني.

كما أن مسؤولية المجتمع المدني لا تقل أهمية في توعية الجماهير بطرق الاختيار، وأن الانتخابات وسيلة ضغط وتغيير، وهي أيضا أداة لمعاقبة الأحزاب والمسؤولين يملكها الشعب دون سواه، مثل ما يحدث في كل الدول الديمقراطية.

كما أن وسائل الإعلام تلعب دورا محوريا في عملية التجنيد، وهذا من خلال الإرادة السياسية التي يبدو أنها لا ترغب في مشاركة واسعة، وأن محدودية المشاركة تساعدها على إبقاء الخريطة السياسية بشكل متحكم فيها، وأن أي نوع من المشاركة الواسعة يحمل عامل المفاجأة ويجند الطبقة الرافضة للسلطة، وبالتالي يحدث عملية الانتخاب الانتقامي الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه ولا بمن يأتي، كما حدث في بداية التسعينات.

 

سليمان شنين

من نفس القسم الوطن