الوطن

"المغاربة كسروا حاجز الخوف ومسيراتهم من أجل الكرامة"

مسؤول العلاقات الخارجية في جماعة العدل والإحسان المغربية لـ"الرائد":

 

  • الإصلاحات الدستورية هي محاولة تنفيس وانحناء للعاصفة
  • ندين العنف وندعو للتوافق والمصالحات الوطنية عندنا وعند غيرنا
 
أوضح مسؤول العلاقات الخارجية وعضو مجلس الإرشاد في جماعة العدل والإحسان المغربية، في الحوار الذي جمعه بـ"الرائد"، على هامش زيارته الأخير إلى الجزائر حيث شارك في الملتقى الدولي "على نهج الشيخين"، الذي نظمته حركة البناء الوطني مؤخرا، أن الجماعة لا تزال تراهن على مسألتي التوافق والمصالحة الوطنية داخل المغرب وخارجه. واعتبر المتحدث أن ما يعيشه المغرب في الآونة الأخيرة سواء في المشهد السياسي (الإصلاحات الدستورية) أو الاجتماعي، هو محاولة تنفيس وانحناء للعاصفة بالنسبة للأولى، أما بالنسبة للثانية فالشارع المغربي يعيش اليوم مرحلة كسر حاجز الخوف، معتبرا أن المسيرات التي نظمت في الشارع المغربي مؤخرا، خاصة بعد حادث بائع السمك، هي مسيرات من أجل الكرامة. كما كان اللقاء فرصة لاستبيان موقف الجماعة من القضايا التي تشغل الرأي العام الإسلامي في الفترة الأخيرة.
 
في البداية هل يمكن أن توضح لنا قراءتكم للحراك الذي عرفه ويعرفه الآن المغرب بعد حادثة وفاة الشاب المغربي بالحسيمة والاحتجاجات التي رافقت هذه الواقعة وتداعياتها على الشارع؟؟
الحادث تم بعد الاعتداء على أحد الموطنين واسمه محسن فكري في مدينة الحسيمة في شمال المغرب، وبعد طحنه بطريقة فظيعة وبأمر من المسؤولين بعين المكان، وبعدها اندلعت مظاهرات في عشرين مدينة.
الأحداث بشكل عام تعبير عن الظلم الذي يعاني منه الشعب المغربي، وهو نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. ولأن التغيرات التي جاءت في 2011 لم تحل مشاكل المغاربة بما فيها التصرف في الثروة الوطنية، ولأن النظام الحاكم يجمع بين السلطة والثروة، في حين فئات كثيرة من الشعب محرومة، والأرقام الرسمية الموجود لدينا تشير إلى وجود 12 مليون مغربي يعيشون تحت خط الفقر، كلها عوامل ساعدت في توسع رقعة هذه الاحتجاجات، إضافة إلى أن هناك مشاكل في العمل والتعليم.
والحادث جاء بعد أحداث سابقة عرفها المغرب كحادثة مي فتيحة من القنيطرة، التي تعرضت للاعتداء فأحرقت نفسها أمام مقر السلطات، ونحن نعتبر أن هذه الأحداث كلها تعبر عن الحڤرة الموجودة، ولهذا رد الفعل مهم لأنه يعبر عن كسر حاجز الخوف، وهي ظاهرة صحية وهدفها الضغط على السلطة من أجل تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية وإنهاء الحڤرة.
 
هل تعتبرون هذا التحرك عفويا ولا تقف وراءه جهات سياسية أو من المجتمع المدني؟؟
 
هناك فئات موجودة في المجتمع، ونحن في جماعة العدل والإحسان جزء منها، فهناك جو عام مسيس، خاصة أن الأجيال الجديدة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح لا يمكن منع المعلومة عن الناس، إضافة إلى وجود أطراف تعبر عن قضايا المجتمع ونحن تفاعلنا مع هذه الأحداث كما تفاعلنا مع جميع القضايا بشكل سلمي ومسؤول.
 
لاحظنا أن هذه الأحداث جاءت بعد الانتخابات التشريعية، ما هي قراءتكم للانتخابات ؟؟
 
بعد 2011 وخطاب الملك الذي تحدث فيه عن كونه سيحدث إصلاحا دستوريا، ورغم أنه كان سلوكا متميزا في المنطقة، لكن نحن قلنا أنه يجب أن يكون توافق بين القوى السياسية لإخراج دستور ديمقراطي حقيقي ويعطي صلاحيات حقيقية للجهة التي تحكم، ثم جاء الدستور، وعين الملك لجنة وأعطاها مشروعا ضمن ما أرادته السلطة، وكان رأينا في العدل والإحسان أنها خطوة تهدف إلى محاولة تنفيس وانحناء للعاصفة حتى تمر.
الآن أنا لا أريد أن أعود أو أدخل في تفاصيل والصلاحيات التي منحها الملك، فهو رئيس الوزراء وليس رئيس الحكومة، ومجلس الوزراء هو الذي تتخذ فيه كل القرارات الكبرى والسياسة العامة. أما تدبير الشأن المحلي فقد أعطي جزء منه للحكومة، ولكن أود أن أوضح أن الدستور لم يعط للحكومة التي فازت بالانتخاب إلا صلاحيات قليلة، إضافة إلى أن وزارات السيادة، على غرار الداخلية والخارجية بعد التعديل، والشؤون الإسلامية والتعليم والمالية والفلاحة، بقيت تابعة للقصر، إضافة إلى أن لا سلطة للحكومة على الإعلام، على سبيل المثال يمكن أن تخرج مديرة التلفزيون للقناة الثانية تنتقد الحكومة.
وفي هذه الأجواء جاءت الانتخابات الأخيرة التي في تقديرنا أن السلطة جاءت بحزبها الأصالة والمعاصرة ودعمته بأشكال متعددة ليحصل على عدد من المقاعد، وقامت السلطة بالتزوير الناعم وليس المباشر عبر التقطيع الانتخابي، وحث الناس على انتخاب اتجاه الأصالة. إلا أن حملة المقاطعة كانت كبيرة ووصلت أنه من أصل 26 مليون مغربي يحق لهم التصويت انتخب 6 ملايين، ومنها مليون بطاقة ملغاة. ورغم أن الحكومة لم تشكل بعد، إلا أن تقديرنا أن الأمور لن تتغير، والدليل هو استمرار الظلم ومسيرات الرفض، ويكفي أن أقول أن ديون البلاد من أكثر الديون في العالم حيث تمثل 81 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وخلال ست سنوات ارتفعت بشكل مهول، ولأن الجانب الاقتصادي مهم في أي تغيير، ولهذا الوضع يتطلب إجراءات أخرى من أجل إخراج البلد من النفق الذي يعيش فيه.
 
هل هناك تفكير أو مبادرات لاستيعاب القوى والتيارات الرافضة للمسار المنتهج حاليا ويؤطر هذه الغالبية العازفة عن الانتخابات؟؟
 
في 2011 كانت هناك حركة 20 فبراير التي قادت الاحتجاجات، وكانت هناك مشاركة من الأحزاب وتنظيمات حقوقية، ولكن عمودها كان العدل والإحسان، لأننا نعتقد نحن أن العمل الجماعي والتوافق بين القوى الراغبة في التغيير، وهو مبدأ في مسارنا السياسي، ولهذا ندعو إلى ميثاق يجمع الجميع ويمثل قطيعة مع مرحلة الاستبداد ويدعو إلى شراكة حقيقية، فنحن نعتبر أن المشكل في المغرب أن النظام السياسي لا يعتبر الأحزاب التي تنجح في الانتخابات كشركاء، بل مجرد موظفين يقومون بمهمات تنفيذي، وهذا إشكال، فهو لا يريد حزبا قويا، وفي الخلاصة أن هناك إرادة سياسية غائبة في التغيير، ما يدعو إلى التوافق من أجل إنضاج الميثاق التوافقي بين الجميع.
 
لوحظ أن النظام يتعامل معكم بهدوء وهناك هدنة بينكم، كما قلّت التضييقات على ما كانت عليه، كيف تقرأون هذه الرسائل؟؟
 
الإشكال مع الجماعة أن الوضع ثابت، فالتضييق مازالت موجودة والدليل أن بيت الأمين العام مازال مشمعا منذ 2006 والجماعة ممنوعة من الإعلام الرسمي وحتى إمكانية إصدار جريدة ممنوعة علينا أيضا، والقاعات العمومية ممنوعة أيضا، إضافة إلى وجود سجين رأي من الجماعة. ولكن في المجمل هناك نوع من التكيف مع هذه الأجواء، والجماعة معروفة بطابعها السلمي ولا تدعو إلى عنف ولا إلى فتنة وليس هناك مبرر لأي عنف ضدها.
إضافة إلى أننا حريصون على أن لا نخرج بمواقف فردية حتى لا تقرأ على أننا نستعرض قوتنا، والجماعة تتفاعل مع القضايا المطروحة عليها.
 
أين تقف العدل والإحسان في القضايا المطروحة على الأمة العربية وخاصة سوريا واليمن والعراق؟
 
القضية السورية تعقدت كثيرا بعد دخول القوى الكبرى فيها وجعلت سوريا ساحة من الصراع الدولي، والضحية هو الشعب السوري. ولهذا نحن نرى أن أي حل سياسي سيكون في صالح الشعب السوري، وندعو الدول الشقيقة وخاصة تركيا وإيران إلى الدفع نحو هذا الاتجاه، مع وجود الحل لدى الأطراف الكبرى، ثم أن قضية التطرف وخاصة داعش زادت في تعقيد المشهد.
وبالنسبة لليمن، التدخل كان قد أحدث إشكالا كبيرا وكان المأمول أن يكون حل سياسي، خاصة أنه في فترة ما كان ممكنا تحقيقه، إلا أنه كان هناك سوء تقدير وأخطاء فادحة، لا من طرف إيران أو دول الخليج، واستمرار المعارك لا يحل شيئا لأنه من المستحيل أن تستمر حالة الحرب.
والإشكال عموما في الأمة هو أن هناك أطرافا تخشى الإقصاء، والحركة الإسلامية لم تتصرف في بعض المواقع بالحكمة المطلوبة، ولم يدركوا بأن هناك لاعبين دوليين غيرهم، ولهذا كان مطلوبا مرحلة من الطمأنة وبناء الثقة. وفي تقديرنا أن الحركة الإسلامية لها أبعاد، منها الدعوي والاجتماعي والتربوي، والبعد السياسي الذي يعتمد على التوافق وجمع الأمة، لأن مصلحتنا نحن هو الوطن الذي يحتوي على كفاءات كثيرة موجودة في أحزاب أخرى مهما اختلفت معنا في الرأي.
 
ملفات إقليمية مطروحة على جماعة العدل والإحسان على غرار ليبيا ومالي وغيرها، هل تكتفون بمجرد الموقف أم أن لكم مساعي أخرى؟؟
 
نحن نصدر مواقف، ولما تتاح لنا الفرصة في المناسبات، في اللقاءات مع مختلف الأطراف، ندعوها إلى ما نعتقده. وكانت لنا لقاءات مع بعض الأحزاب والقوى في هذه المناطق، ونحن ندعو إلى المصالحة الوطنية وإلى التوافق والحوار وبناء الثقة.
 
الجماعة لها أنصار في أوروبا، وأمام ما تعرفه أوروبا من تصاعد للأعمال الإرهابية، هل لكم دور مع المسلمين في أوروبا؟؟
 
في العمل الخارجي الجماعة أخذت قرارا منذ التأسيس، وأعتبره قرارا استراتيجيا، وهو أن تنظيم الجماعة داخل المغرب وخارج البلد، أعضاء الجماعة ينتظمون داخل دولهم وفق قوانين البلد ويحترمون القانون وليست لهم علاقة تنظيمية مع الجماعة ولهم الحرية كاملة في التصرف، إضافة إلى أن الأطراف الأوروبية والكندية والأمريكية تعرف الجماعة وتوجهاتها، وكانت هناك فرص لمحاولة بعض الأطراف إلصاق تهمة الإرهاب بالجماعة، إلا أنها باءت بالفشل نتيجة التواصل والمعرفة بالجماعة، ولأن الجماعة في المغرب قانونية وأفكارها معروفة، خاصة أن منطلقات الجماعة حينما أسسها الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله سنة 1980 انطلق بلاءات الثلاث المعروفة: لا للسرية ولا للعنف ولا للتعامل مع الخارج، وهي مبادئ أساسية في العمل، ونحن في المغرب رغم الاعتقالات والحصار الواقع للجماعة واستهداف مجالس النصيحة في 2006، ومع ذلك أصرت الجماعة على العلن وليس لدينا شيء نخفيه، ونحن أيضا نسلك منهج نبذ العنف ونفرق بين مقاومة الاحتلال، لأن العنف خراب وفتنة وداخل الدولة الواحدة لا يمكن القبول بالعنف.
 
كيف تقيمون العلاقات الجزائرية المغربية بشكل عام؟؟
 
الوضع مؤسف، فالشعبان بمثابة شعب واحد، والآن تجد الحدود مغلقة بين البلدين والسبب هو غياب الديمقراطية. تبقى سلوكيات الأنظمة مزاجية، ولكن في اعتقادنا أن المسؤولية على القوى الحية في الأمة من أجل الوحدة. فكيف تقابلنا أوروبا الموحدة رغم الخلافات، ونحن كل شيء واحد ونأمل أن يترفع منسوب الوحدة بين هذه الدول وأن الاتحاد المغربي مهم وله خير مشترك للمنطقة.
حاوره: سليمان شنين
 

من نفس القسم الوطن