دولي
الوعد المشؤوم.. من جديد
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 نوفمبر 2016
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني كل عام تتجدد ذكرى وعد بلفور الذي جرى إطلاقه في عام 1917. تسعة وتسعون عاماً مرّت على هذا الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين مكاناً لإقامة الوطن القومي لليهود ظلماً وزوراً وبهتاناً، بما يمثله ذلك من انصياع وتآمر بريطاني مع قرار المؤتمر الصهيوني الأول، الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897، والذي جعل من فلسطين أرضاً للميعاد. قبل بلفور، كان نابليون بونابارت، أول من اقترح إقامة دولة (حكماً ذاتياً) لليهود في فلسطين تحت الولاية الفرنسية.
كان يريد استخدام اليهود لخدمة المصالح الفرنسية في المنطقة. في عام 1862 نشر الزعيم الصهيوني موشيه هيس كتابه «روما والقدس»، وفيه تحدث عن رعاية فرنسية لدولة اليهود في فلسطين. في عام 1830 اتفق اللورد بالمرستون وزير الخارجية البريطاني مع اللورد شافستري على تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وذلك لخدمة المصالح البريطانية في المنطقة. في عام 1838 تم افتتاح أول قنصلية بريطانية في القدس لخدمة المصالح البريطانية ولتكثيف هجرة اليهود.
ساعد القنصل ديكسون منذ بداية عام 1839 اليهود في شراء الأراضي في فلسطين وإقامة المستعمرات، وقد كان عددهم آنذاك 10 آلاف. في عام 1865 أنشأ الصهاينة البريطانيون «صندوق استكشاف فلسطين»، الذي كان يقدم مساعدات مادية لكل من يريد الهجرة إلى فلسطين من اليهود. بعد ذلك توالت موجات الهجرة، كان أضخمَها هجرتان: الهجرة الأولى من عام 1882-1904، الثانية من عام 1914-1915. بريطانيا كما كل الدول الاستعمارية، هدفت إلى استعمال اليهود ودولتهم الموعودة لخدمة مصالحها في المنطقة العربية، وللتخلص من موجات الهجرة اليهودية إليها من دول أوروبا الشرقية (في بريطانيا تشكلت اللجنة الملكية للحد من هجرة الغرباء - يقصدون: هجرة اليهود)، واستدعي هرتزل للإدلاء بشهادته أمام اللجنة. قدمت الحكومة مشروع قرار لمجلس العموم عام 1904 لوقف الهجرة، واضطرت إلى سحبه تحت ضغوط المعارضة، ثم عادت وقدمته مرة أخرى في عام 1905، ونجح، كما هدفت بريطانيا إلى تأمين خطوط مواصلاتها إلى الهند.
قرار الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل عام 1897، وقرار بريطانيا فيما بعد عام 1917، يمثلان التقاء المصالح الاستعمارية والصهيونية، ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربي، والقاضية بإقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دول الوطن العربي في آسيا والأخرى في إفريقيا، هذه الدولة ستكون رأس جسر للمصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط، وحربة في ممارسة العدوان على دوله، وإبقاء شعوب المنطقة متأخرة، ومنع قيام أية مظاهر وحدوية بين دوله، لأن وحدتها تجعل منها، قوة مؤثرة على الساحة الدولية، «فهي شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان».
تم رسم هذا المخطط في مؤتمر كامبل- بنرمان الذي امتدت جلساته المتباعدة من عام 1905 حتى عام 1907. الصهيونية كمفهوم ديني، جرت مزاولتها من قبل المتصوفين اليهود على مر الأجيال، نتيجة لارتباطها بالأمل الكبير في اليهودية، القائم على عودة المسيح في نهاية الزمان، وكانت هذه تعرف بـ«الصهيونية الدينية». عملت الحركة الصهيونية كجماعة سياسية منذ إنشائها كصهيونية سياسية مع تواجد هرتزل، الذي وبالمعنى العملي أوجد النظرية ومنهجها كـ«عقيدة سياسية» و«عقيدة قومية»، وبالضرورة والحالة هذه ستتحول إلى «عقيدة استعمارية»، ثم بدأ ظهور مصطلحات جديدة عن «الشعب اليهودي»، و«الأمة اليهودية».
مع بداية الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث بدأت مرحلة جديدة من التعاون بين الجانبين في تهجير أعداد أكبر من اليهود إلى فلسطين، وإنشاء المستعمرات، ومساعدة المنظمات الإرهابية الصهيونية على شن العدوان واقتراف المذابح بحق الفلسطينيين والعرب. منذ ذلك الزمن وحتى الآن 2016، لم يتوقف التآمر الصهيوني بمساعدة بريطانيا، وفيما بعد أيضاً الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى غربية كثيرة.
كل الذي حصل بعد ما يقارب السبعة عقود على إنشاء الكيان أن «إسرائيل» أصبحت أكثر عدوانية وصلفاً وعنصرية عاماً بعد عام. من جانب ثان: ازداد التآمر الاستعماري على الوطن العربي. الآن نشهد فصولاً جديدة من المؤامرة عنوانها تفتيت الدول القطرية العربية، وتحويلها إلى كيانات هزيلة ومتناحرة ومتحاربة.