الوطن

دلالات وخلفيات توافد القيادات العسكرية الخليجية على الجزائر

رغم حالة الركود في العلاقات الدبلوماسية والتباين في الملفات الإقليمية

 

تثير زيارات قادة عسكريين خليجيين إلى الجزائر، في شهر أكتوبر الذي عرف توافد وفود كل من قطر والسعودية، ومن المتوقع أيضا أن يزور وفد من البحرين الجزائر خلال نفس الشهر، الكثير من التساؤلات حول دلالات هذا الإنزال الخليجي، أمام حالة من الركود في العلاقات السياسية بين الجزائر وهذه الدول من جهة، وبالنظر إلى الخلافات في التعاطي مع الملفات الإقليمية، خاصة ذات الصلة بما تشهده منطقة الخليج من تحولات عميقة وحتى حروب عبرت الجزائر عن موقفها المبدئي الرافض لأي تدخل عسكري والمدعم للتسوية السياسية لكل المشاكل العربية.
كما أن الجزائر من الدول التي تعتبر السلفية أحد مهددات الأمن الوطني والقومي، متقدما بكثير عن موضع الشيعة والتشييع الذي أصبح الخطر الأول عند دول الخليج بحكم الجغرافيا والتركيبة الاجتماعية والمذهبية المختلفة بين الجزائر وباقي دول الخليج، إضافة إلى التوجه الجزائري المعلن في التعاون المنفتح مع الدول الإسلامية واستمرارها في التعامل مع قوى المقاومة دون الدخول في التصنيفات التي مست بالنسيج الاجتماعي العربي، وغيرها من ملفات الخلاف السياسي الذي يتطلب حوارات، رغم عدم وجود مؤشرات علنية لها، إلا أنها أصبحت أكثر من ضرورة. وقد يكون ملتقى الطاقة الذي عقد بالجزائر في الشهر الماضي إحدى المحطات المهمة التي زادت في قيمة الدبلوماسية الجزائرية لدى الأشقاء الخليجيين.
رغم العلاقة المتميزة والتاريخية التي تربط الجيش الجزائري بالأشقاء في الخليج منذ عقود من الزمن، تجاوزت المواقف المعلنة إلى التزامات على أرض الواقع دون مقابل، إلا الحفاظ على الاستقرار ورفض الظلم والهيمنة والاعتداء، وحرصت الجزائر في كل المراحل على المواقف المبدئية وترسيخ عقيدة الجيش الجزائري الملتزم بالأمن القومي العربي، بعيدا عن المناولة أو الابتزاز والمساومة كما تفعل دول عربية أخرى.
الأكيد أن الورطة السعودية في اليمن تبحث عن مخارج تحفظ للسعودية هيبتها وتبعد الهيمنة الإيرانية على أمنها الحيوي، وفي نفس الوقت تساهم في إرساء حلول سياسية متفاوض عليها بين اليمنيين ومقبولة سعوديا، كما أن التطورات التي تعرفها قضية سوريا والعراق والتقارب الأمريكي الروسي من جهة، ووجود صفقات تسوية بين الدول الكبرى مقابل سياسة مسح السكين في بعض دول الخليج في موضوع داعش والنصرة وغيرها، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان من قبل في ملف القاعدة، كلها تخوفات سعودية تبحث عن حلول وبدائل تخرجها من المأزق، خاصة أن الجزائر تجاوزت كل هذه الامتحانات والإكراهات من قبل ولم تقبل في التورط في مستنقع الإرهاب.
ملفات التشاور كثيرة ومتعددة ولكنها في نفس الوقت تطرح تساؤلات حول توقيتها وتزامنها مع "حملات ممنهجة" في استهداف الجزائر، بما أصبح يسمى الموجة الثانية من الربيع العربي، وفي ظل حديث عن توجهات في الدول الراعية للإرهاب في إيجاد ممرات آمنة للإرهابيين في المناطق المحاصرة سواء في سوريا أو العراق في الفترة الأخيرة.
الخليجيون يدركون جيدا مبدئية الجزائر في علاقاتها الدولية وفي التعامل مع النزاعات المسلحة والأزمات الداخلية للدول، وهو ما ترجمته الجزائر في الموقف من التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، مع حرصها على التعاون مع كل الدول والمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، إلا أن الأشقاء في الخليج ردوا على هذا الموقف بطريقة دبلوماسية في دعم الجارة المغرب في قضية الصحراء الغربية، متجاوزين القانون الدولي والمقررات الأممية. ولم تعبر الجزائر عن انزعاجها بقدر حرصها على التذكير بالمواقف الدولية.
إن التميز واستقلالية القرار الدبلوماسي الجزائري يتيح مجالا واسعا لإمكانية استثماره في التخفيف عن الأشقاء، خاصة أمام ثقل فاتورة الحرب بشريا وماليا، سواء في اليمن أو سوريا أو العراق من جهة، وانعكاسات قانون "جاستا" مستقبلا على العلاقات الخليجية الأمريكية. كما أن التغيير الطارئ على الموقف المصري أيضا يحمل الكثير من التبعات والتداعيات حتى وإن كان في مراحله الأولى.
الأكيد أن الدور الجزائري أصبح أكثر حيوية وأهمية في التكتلات الجهوية، سواء تعلق الأمر بمبادرة 5+5 أو قيادات الأركان لجيوش الساحل الصحراوي، وغيرها من التكتلات الجيو استراتيجية التي أصبح ينظر إليها بأهمية بالغة في الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة.
 
خالد. ش

من نفس القسم الوطن