الوطن

فرنسا تقر بتعاملها مع الجزائريين بعقلية الكولون

بالتزامن مع ذكرى 17 أكتوبر وعلى غرار الذكريات التاريخية للجزائريين

 

لا تكاد تمر ذكرى تاريخية للجزائريين في حقبة الاستعمار إلا وتبرهن على استمرار ذهنية الكولون عند الساسة الفرنسيين ومرجعيتهم التاريخية في التعامل مع الجزائريين، رغم مرور ما يقارب ستة عقود من الاستقلال، واليوم تمر الذكرى 55 لأحداث 17 أكتوبر حيث خرج عشرات الآلاف من الجزائريين مطالبين بالاستقلال، وواجهتم السلطات الفرنسية آنذاك بالقمع الذي أسفر عن سقوط ما يقارب مائتي شهيد على الأقل، إضافة إلى المئات المختفين الذين ألقي بهم في قنوات المياه القذرة وفي نهر السين. ورغم أن الإليزي في عهد فرنسوا هولاند اعترف في سنة 2012 رسميا عبر بيان له جاء فيه أن "فرنسا تقرُ برؤية واضحة بالقمع الدموي لمتظاهرين جزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، قتل جزائريون يتظاهرون من أجل الحق في الاستقلال في قمع دامٍ".
هذا الاعتراف المنقوص الذي يقر بحادثة تاريخية ويسجل دموية الاستعمار في التعامل مع الأساليب السلمية التي استعملها الجزائريون، لم تمنع هولاند في تسجيلات له في الكتاب الأخير الذي عنون بـ"الرئيس لا يجدر أن يقول ذلك.... " والذي أصر فيه على نعت الجزائريين بالإرهابيين ورئيسهم أيضا، وهو ما يوضح الطبيعة الفرنسية في التعامل مع الجزائريين ويفسر التنافس الحميم بين مرشحي الانتخابات الرئاسية لسنة 2017 على ملف الحركى. فالاشتراكي الموجود في الإليزي سبق أن أقر بتقصير فرنسا تجاههم وساركوزي سارع لتقديم الوعود لهم عبر فتح ملف أرشيف الثورة الجزائرية.
الفرنسيون منسجمون مع ذاكرتهم التاريخية، والمقلق هو عدم القدرة على الرد والدفاع عن تاريخنا من خلال منظومتنا القانونية من جهة، بل أكثر من ذلك استغلال المنابر الحقوقية الدولية في التذكير بالماضي التاريخي والهمجية التي واكبت فترة الاستعمار في الجزائر عبر اعتماد قانون تجريم الاستعمار كوثيقة مرجعية، والاستمرار بإدانة القمع المستعمل ضد الأبرياء دون الحديث عمن استشهدوا في أرض المعركة لأنها ضريبة الاستقلال الذي ننعم به الآن.
إن العلاقات الثنائية بين البلدين كلما شهدت تعثرا لسبب أو لآخر إلا وأعادت فرنسا التعامل مع الملفات التاريخية بما تراه أحيانا استفزازا أو يدخل ضمن سياق الابتزاز في تركيع السلطات الجزائرية، ما يجعل سمفونية بناء علاقات مميزة من خلال تجاوز التاريخ أسطوانة مشروخة غير منطقية ولا واقعية وإنما للاستهلاك الظرفي فقط.
إن الشواهد والوقائع في العلاقات الجزائرية الفرنسية تثبت أنه لا بد من إيجاد قراءة تاريخية من المؤرخين المشهود لهم بالموضوعية والحياد والعلمية كائنا ما كانت جنسيتهم، بعيدا عن تأثيرات السياسيين وهي مسؤولية تاريخية للضحية، أي الجزائر، قبل الجاني الذي يحرص على التنصل من أي مسؤولية في هذا الجانب، وهو ما يستدعي من وزارة المجاهدين مراعاته فيما تبقى من شهادات الأحياء من جهة، ودعم المبادرات وفتح المجال للأكاديميين والجامعات المرموقة عالميا بالاهتمام بهذا الموضوع الحيوي في حياتنا اليوم مهما كانت الأخطار والعواقب المتوقعة منه.
 
خالد. ش

من نفس القسم الوطن