دولي

قرصنة وست رسائل

القلم الفلسطيني

 

 

ليس غريبا أن تعترض البحرية الصهيونية قاربا مسالما كل ركابه من النساء مبحرا من أوروبا نحو غزة التي مضى على حصارها عشر سنوات دون أن يحرك العالم المتحضر بكل مؤسساته الدولية والإنسانية والقانونية والبرلمانية ساكنا لعل وعسى أن يخفف الحصار المضروب على غزة في أكبر معتقل جماعي عرفه التاريخ الإنساني. فعادة الصهاينة القرصنة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بل والاجتماعية وغيرها. وسكوت العالم على ذلك إنما هو إقرار عملي وضمني بالموافقة على ما تقوم به دولة الاحتلال التي نشأت بعملية قرصنة دولية محكمة لأجل زرع شوكة في المنطقة العربية والإسلامية حتى لا تقوم لها من بعد ذلك قائمة. أهم الرسائل التي ترسلها رحلة القارب زيتونة هي رسالة موجهة للرجال الذين يحكمون هذا العالم أنهم إذا صمتوا عن القيام بواجبهم الأخلاقي والإنساني؛ فإن النساء على استعداد للقيام بمثل هذا الواجب رغم علمهن أن الثمن غالٍ، وأن تحقيق الهدف صعب، وأن الوصول إلى غزة يكاد يكون مستحيلا. 

لكنهن أردن توصيل كلمة واحدة لهذا العالم أنه (عالم بلا أخلاق). والرسالة الثانية التي ترسلها رحلة القارب زيتونة هي إلى العدو الصهيوني الذي يكابر ويعاند غير مكترث بالقيم الإنسانية، وأن الزمن دوار، وأن القاتل اليوم سينال عقابه غدًا، فهذه سنن كونية وتاريخية لا تختلف ولا تتخلف أبدا، ومن يقرأ التاريخ يدرك ذلك بسهولة، فالدولة القوية لا تعمر مائة عام بل في كل الحالات التاريخية لم يحدث ذلك فهي تبدأ في الضعف والترهل، ومن ثم التفتت، لكن غباء السياسيين الصهاينة يجعلهم يغمضون أعينهم عن هكذا سنن وعبر. والرسالة الثالثة إلى العرب بدولهم العشرين أن عرب الجاهلية كانوا يملكون من (المراجل) ما يفوق أضعافا مضاعفة ما يملكه أعراب اليوم من جيوش وأسلحة وعتاد، فحينما حوصر رسول الله صلوات الله عليه في شعب أبي طالب قام بعض العرب بفك الحصار عنه وعن أتباعه؛ لأن الرجولة تمنعهم أن يرضوا أو يكونوا جزءا من هذا العمل الخسيس واللاأخلاقي. أما الرسالة الرابعة فهي إلى نساء العالم شرقا وغربا أن يقمن بدورهن الإنساني والاخلاقي مرات ومرات، وأن تتشكل في كل دولة سفينة لكسر الحصار تنطلق، إما متزامنة وإما يفصل بين كل سفينة وسفينة يوم أو يومان أو أسبوع أو أسبوعان لإرهاق الاحتلال وأعوانه وإشغالهم؛ فهذا عمل يضع من يقوم به في مصافّ عظماء التاريخ الذين سيخلد التاريخ أسماءهم في صحائف من نور. 

أما الرسالة الخامسة فهي إلى أطفال العالم أن يقصدوا غزة أيضا بالقوارب لكسر الحصار عن أحبتهم وإخوانهم في الإنسانية ليرسلوا رسالة إلى قادة العالم والمتحكمين فيه أنه لم يعد مقبولا أن يبقى حصار أطفال غزة عشر سنين دون أن يتحرك أحد ويقول: كفى... نريد عالما إنسانيا صرفا ونقيا كعالم الأطفال؛ فإن لم تستطيعوا ذلك، فاتركونا نحكم العالم نحن كأطفال. 

أما الرسالة السادسة فهي إلى (الكلاب) في العالم، والتي نالت حقوقها أن تمتطي قاربا وقريبا جدا وتقصد غزة لتقول (الكلاب) لحكام العالم كفى وألف كفى، فمعشر الكلاب يرفضون أن يحاصر الإنسان أخاه الإنسان، فلا تجعلونا نقول لكم يا بني الإنسان: إن (الكلاب أرحم بالإنسان من الإنسان نفسه) وحينها تسقط الإنسانية وينال شرفها الكلاب.

 

 

 د. محمد رمضان الأغا

من نفس القسم دولي