دولي

قراءة في صفقة الغاز الأردنية –"الإسرائيلية"

**القلم الفلسطيني

نقرّ ابتداءً لكل حكومة أن تجد لشعبها حلولاً لمشكلاتها المزمنة في البحث عن مصادر للطاقة التي تفتقر إليها البلاد. ولكن هذه الحلول المشروعة ابتداءً لا ينبغي لها أن تكون خصماً على حقوق شعب آخر وامتيازاته المشروعة.

إن صفقة الغاز الأردنية – (الإسرائيلية) قد تحلّ مشكلة للحكومة الأردنية، لكنها ستفجّر مشكلات لا تنتهي لشعب فلسطين! إن هذا الغاز ملك لفلسطين وشعبها، هذا الشعب الذي لا يستطيع استثمار مقدراته والانتفاع بمخزونه الطبيعي من الغاز لأنه واقعٌ تحت احتلال متمكِّن، وبالتالي فإن هذا الغاز يتم نهبُه بقوة السلاح من خلال سلطة الاعتداء المسلح. إن هذا الغاز ملك لأجيال فلسطين القادمة التي يعمل شعبها منذ عقود على تحرير أرضهم، ولا يجوز لأحد أن يتصرف في أملاكهم المنهوبة، وهذه المليارات التي تدفعها الخزينة الأردنية مقابل غازنا المنهوب هي ملك لشعب فلسطين وحده.

ربما تحدث الناس عن خطورة الاستثمار الدوليّ في الطاقة شرقيّ المتوسط بسبب الحروب الطاحنة في بلدانها، ولكن الناظر  في الواقع السياسي للأردن يدرك أن هذا البلد – أدام الله استقراره – قد جرى استثناؤه والنأيُ به دولياً عن الاضطرابات الأمنية مع أن المحيط يشتعل من حوله في فلسطين والعراق وسوريا ، مما يعني أن الاستثمار الدولي في مجال الطاقة فيه أمر ممكن ومتاح، ونخشى أن هناك سياسة عالمية لدمج الكيان الإسرائيلي في نسيج المنطقة من خلال شبكة الطاقة كالغاز والكهرباء وشبكة الطرق الحديدية والدولية ... وهذا المشروع واحد من برامج هذه السياسة التي باتت حقيقة تتجاوز مربع خشيتنا للأسف ، فمجالات التطبيع صارت أقوى من الاستعراضات الإعلامية والدعائية. تزداد خشيتنا من أن هذه الاتفاقية ستشمل دولاً أخرى من خلال الأردن في تفاهمات سرية معتادة في منطقتنا، مما يعني استفحال الداء الإسرائيلي في منطقتنا التي تتحرك بين الألغام وتنفجر فيها الأزمات.

إن هذه الأموال التي ستصبّ في الخزينة الإسرائيلية هي استثمار كامل في قتل الشعب الفلسطيني وتمكين الاحتلال من أرضه ومساعدته في دوام إرهابه ومذابحه، ولن يكون أبداً في صالح الشعب الفلسطيني، كما أنه يوفّر على الاحتلال كلفة نقل الغاز إلى أوروبا البعيدة الخائفة من الاستثمار في المناطق الخطرة. نعلم أن هذا الاتفاق لم يحظ بموافقة مجلس النواب الأردني الأسبق كما أنه لم يُعرض على البرلمان الجديد، ولا نناقش هنا في إقرار هذا القانون أو عدمه، فالقضية هنا تتعلق بشعب آخر لا تنقصه نكبة أخرى.

وأستغرب كيف تتجرأ حكوماتنا العربية على هذا التطبيع الكبير في الوقت الذي تتحرك عواصم العالم الأجنبية في إقرار سياسات تناهض التطبيع مع الاحتلال وتنشط حركات المقاطعة فيها ! كان بإمكان الحكومة الأردنية أن تتجه صوب قبرص في الحصول على الغاز، وهي قريبة لا تزيد فيها الكلفة كثيراً عن الكيان الإسرائيلي، كما أنها خيار أكثر أمناً من المحتل.

إن هذه الاتفاقية ستجعل الكيان الإسرائيلي أكثر قدرة على التحكّم في سياسات الأردن والمنطقة من خلال ملف الطاقة التشغيلية، وهي لن تتردد في استخدام هذا السلاح إذا تعرّض أمن كيانها المحتل للاستهداف المشروع من المقاومة الفلسطينية.

إن واجب كل فلسطيني وكل أردني وكل عربي وكل مسلم أن يعارض هذا الاتفاق التطبيعي الخطير الذي يمسّ حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، ومن حق الجوار لفلسطين على الأردن ألا يؤذي جاره، وهذا هو العهد بالأردنيين النشامى أن يراعوا حقوق الجار وأن يقفوا مع الإخوة الأشقاء في وجه العدوان والغارة الظالمة، ونعلم أن ملايين الشعب الأردني لو أُعطيت الخيار في ذلك فلن تتردد في الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني. 

د. أسامة الأشقر

من نفس القسم دولي